حقيقة مفزعة فجرها التقرير الإحصائي السنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة لسنة 2013 وهي أن ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال في تونس ارتفع مقارنة بالسنوات السابقة وتضاعفت بذلك الحالات المسجلة في صفوف الفئات الناشئة من الجنسين سواء بالتحرش أو ممارسة الجنس معهم

والاستغلال الجنسي من بين أصناف عديدة من العنف عاشها الطفل التونسي خلال السنة الماضية طالت العائلات الميسورة أيضا، مثل العنف الجسدي والاستغلال الاقتصادي و التسول والتشغيل على غير الصيغ القانونية والإهمال والعنف النفسي والانقطاع عن الدراسة والولادة خارج إطار الزواج،وهي أبرز الانتهاكات التي تعرضت لها الطفولة واستوجبت التدخل بإذن قضائي ،وإجراء البحوث الاجتماعية والنفسية والصحية من طرف المختصين لتشخيص مدى جدية تعرض الطفل للخطر ودرجات التضرر والسبل الكفيلة بالتدخل وإيجاد الحلول.
4251 إشعارا
خلال السنة المذكورة تلقى مندوب حماية الطفولة 5783 إشعارا (إعلام) بخصوص 5992 طفلا ،وبعد البحث في جدية هذه الإشعارات والوقوف على حقيقة التهديد والخطر تم التعهّد ب4251 طفلا أغلبهم من الإناث. وكان المعدل الوطني لكل ولاية 241 حالة ، احتلت فيها تونس العاصمة المرتبة الأولى من بين الولايات، تليها ولايتي بن عروس( بالصاحية الجنوبية للعاصمة) وبنزرت(شمال البلاد).
وقد استقبلت مكاتب حماية الطفولة ما يقارب 482 شكوى شهريا خلال نفس الفترة. وشملت أغلب الإشعارات الأطفال دون 6 سنوات بنسبة 32 فاصل 5 بالمائة ،وفي مرحلة ثانية الفئة العمرية 10-12 سنة بنسبة 22 فاصل 7 بالمائة،وتوزعت البقية على الفئات الأخرى منها 50 إعلانا عن حالات تجاوز أصحابها سن 17 سنة.
وردت هذه البلاغات في أغلب الأحيان من الأم بدرجة أولى، ثم الأب، تلي ذلك مؤسسات الدولة باختلاف مجالاتها الصحية والقضائية والاجتماعية والأمنية و كذلك التربوية.
خروج من الصمت
سلط هذا التقرير الإحصائي السنوي المجهر على أهم عناصر التهديد ومختلف أساليب العنف التي مورست على الطفل التونسي من عمر الصفر إلى 17 سنة في مختلف الأوساط و جميع الولايات ،علما وأن هذه الشريحة تمثل 30 بالمائة من مجموع السكان في تونس أي 3442 ألف طفل. و تم التوصل إلى أن حالات الاستغلال الجنسي ارتفع عددها ليناهز 262 حالة.
و فسّر التقرير هذا التنامي للانتهاكات المسلطة على الطفل ،بتراجع الحواجز النفسية والاجتماعية لدى المواطن التونسي وتعامله مع الاعتداء الجنسي بوعي مقارنة بالسنوات السابقة ،وهو ما شجعه على الإفصاح بذلك لدى السّلط المعنية،كما أنّ اهتمام الإعلام المفرط ببعض الحالات المتضررة خلال السنة الماضية والتشهير بأصحابها شجّع الأولياء على كسر حواجز الصمت في هذا المجال وجعلها من المواضيع المألوفة بعدما ظلت لسنوات طويلة من المواضيع المسكوت عنها.
ولايات رائدة
وكشف التقرير عن تسجيل أغلب حالات الاعتداء الجنسي في ولايات تونس الكبرى وإقليم الشمال الشرقي للبلاد والوطن القبلي . و من شأن هذه المعطيات أن تفتح الباب لإعداد دراسات اجتماعية دقيقة تبحث عن أسباب تفشي الاعتداء الجنسي على الأطفال من الجنسين في هذه الولاية الرائدة مقارنة بغيرها من الولايات.
إهمال
أغلب الأطفال المهددين بالخطر ينتمون إلى المرحلة الأولى من التعليم الأساسي، تليها المرحلة الثانية من التعليم الأساسي.ومثلما عرفت الأوساط الاجتماعية محدودة الدخل والفقيرة مختلف عوامل التهديد ،تفشت أيضا الظاهرة في الأوساط الميسورة ماديا من خلال تسجيل 866 حالة.و من أهم عناصر الخطر التي تعرض لها هؤلاء الأطفال نجد عجز الوالدين أو من يسهر على الرعاية عن الإحاطة والتربية بسبب الفقر وضعف المقدرة الشرائية.إلى جانب التشرد والإهمال والتجاهل والامتناع عن إلحاق الطفل بمقاعد الدراسة ،وتنصّل الأسرة من الدور الرقابي الذي تقوم به،و دفع الطفل إلى التسول والاستغلال الاقتصادي وتعرضيه للعنف الجسدي،إلى جانب استخدامه في الجريمة المنظمة مثل "النشل" لكنها بنسب قليلة حسب ما بين ذلك التقرير المذكور.
تفكك أسري
وتبين الإحصائيات أن 1500 حالة اهتم بها مندوبو حماية الطفولة عاشت التفكك الأسري سواء بانعدام التعايش بين الأبوين بالفراق أو بالطلاق،أو فقدان الطفل لوالديه وبقاؤه بلا سند عائلي ،ومن بينها رصد 672 حالة في هذا المجال تنتمي لأسر مبنية على علاقة غير شرعية،أي تم إنجابهم خارج إطار الزواج. وبين التقرير أن 798 من الأطفال الذين تدخلت لأجلهم مكاتب حماية الطفولة ولدوا خارج إطار الزواج(علاقات غير شرعية).
أماكن التهديد
الغريب في هذا التقريب أن منزل الطفل كان أكثر إطار مكاني تعرض فيه هذا الأخير للخطر ،إذ تعلقت به أغلب الإشعارات بنسبة فاقت 64 بالمائة والبقية في الشارع.
ومثلت سوء معاملة الطفل وممارسة العنف والعقاب البدني من أهم عناصر الخطر المسجلة في المنزل مما يعني أن منطق الأسر التونسية في التعامل مع الطفل يعتمد أساسا على التأديب بالضرب،والحجز خاصة في ولايات داخلية.
مندوب حماية الطفولة
يذكر أن إحداث خطة مندوب حماية الطفولة في تونس تعود إلى سنة
1996 لتلقي الإشعارات بخصوص الأطفال المهددين والمعرضين لمصادر الخطر المختلفة ،وتقدير التهديد وتحديد الحاجات الحقيقية للطفل المهدد، ورسم الأولويات لوضع خطة التدخل وإيجاد الحل.