مسابقات لحفظ القرآن الكريم، وصلوات تعقبها حلقات دينية، وأدعية، وصدى أصوات خاشعة تنبعث من العدد القليل من المساجد في لومي عاصمة توغو.. ديناميكية روحية بلغت أوجها  استعدادا لاستقبال شهر الصيام.

 

في توغو، تتّسم التحضيرات لشهر رمضان الكريم بحيوية كبيرة.. أنوار براقة تلف المساجد، وسجاد فاخر يزيّن باحاته وقاعات الصلاة فيها، وأشغال لا تعرف التوقّف لإصلاح وصيانة التجهيزات الصوتية والصحية التابعة لها.. نشاط وحيوية تميّز هذه الفترة من كل عام، حتى أنّ العاصمة تتحوّل فجأة من مدينة تعيش على وقع رتيب إلى مكان يعجّ حركة وحياة، رغم أنّ مسلمي توغو يمثّلون أقلية في البلاد، حيث لا يتجاوز عددهم ثلث سكان البلاد، أي حوالي 1.8 مليون نسمة، من إجمالي السكان، البالغ عددهم 7 ملايين نسمة.

 

"أستعدّ، منذ بضعة أشهر، لاستقبال هذا الشهر الكريم، والتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى عبر أداء فريضتي الصيام والصلاة".. بهذه الكلمات، استهل محمد أوالي، الشاب التوغولي المسلم (35 عاما) حديثه للأناضول، مضيفا بنبرة هادئة: "سأضاعف جهدي في العبادة، وسأقوم بقراءة القرآن والإكثار من الحسنات، وبكلّ ما أوصانا به النبي (محمد) عليه الصلاة والسلام".

 

الأئمة في جميع مساجد البلاد  ضاعفوا بدورهم من خطبهم ونصحهم للمسلمين، مذكّرين بأن صيام شهر رمضان هو فريضة على كلّ مسلم بالغ وقادر على القيام بذلك، وأنّه مناسبة روحية للتخلّص من العادات السيئة، ومساعدة الفقراء والدعاء.

 

أما الأطفال والمراهقون ممّن لم يكتب عليهم الصيام بعد، فهم أيضا مدعوون إلى الانقطاع عن الأكل والشرب لفترة من اليوم، بغرض التعوّد على الصيام.. هكذا يقول الكبار في العائلات التوغولية تشجيعا للصغار على خوض هذه التجربة الروحية الفريدة من نوعها.

 

الحاج مصطفى محمد، نائب الإمام بـ "مسجد الخير" في لومي، قال للأناضول: "حين نصلي كأسرة واحدة، فإننا نعزّز الأواصر الروحية بيننا، ونقدّم مثالا طيبا للأطفال يقتدون به، بل إننا نطلب منهم تجربة الصيام لإختبار المعنى الحقيقي للشهر الكريم"، مضيفا: "نطلب من الأطفال الذين بلغوا الـ 7 سنوات فأكثر، أن يصوموا حتى منتصف النهار، ليتمكنوا من استيعاب البعد الروحي للشهر الكريم".

 

وفي "مسجد الخير" في لومي، لا يدّخر القائمون عليه جهدا لتعزيز القيم الروحية للمؤمنين خلال شهر رمضان، فبالإضافة إلى إقامة الصلوات من أول الشهر حتى نهايته، فإنهم يقيمون الحلقات الدينية لتفسير تعاليم الدين والآيات القرآنية.

 

الحاج مصطفى محمد قال إنّ الإمام المتوكّل زكريا، والذي من المتوقع أن يصل إلى البلاد قادما من الولايات المتحدة الأمريكية، سيتكفّل، على مدى ساعتين ونصف يوميا خلال شهر رمضان، بترجمة القرآن الكريم، مشيرا إلى أنّه من المنتظر أن يستقبل مسجده من 500 إلى 700 مسلم، بينهم نساء، رغم أنّهن لا يعتبرن من رواد المسجد في باقي أشهر السنة.

 

"نسعى إلى توفير مساحة أكبر للنساء في المسجد خلال هذه الفترة"، يتابع محمد، "بما أنهن لا يتوافدن بأعداد غفيرة إلا خلال الشهر الكريم، ولذلك نخصص لهن أماكن أكثر في الخلف".

 

حدث ديني هام تنتظره أيضا العاصمة التوغولية خلال شهر رمضان الكريم، حيث من المتوقع أن "تحتضن المرحلة النهائية للمسابقة الوطنية لحفظ القرآن، وذلك بقصر المؤتمرات، من 5 يوليو/ تموز إلى 19 من الشهر نفسه"، بحسب ساليفو كاليم ياكوبو المتحدث باسم جمعية طلبة وتلامذة مسلمي توغو المنظمة لهذا الحدث.

 

ساليفو قال للأناضول إنّ "37 مرشحا سيخوضون المرحلة النهائية، بينم العديد من الأجانب وخاصة من دولة بنين".

 

التحضيرات لهذه المسابقة الوطنية جارية من طرف المرشحين بحماس كبير، ففي بعض الجامعات، يحرص الطلبة على حمل كتاب القرآن الكريم معهم أينما حلّوا، لاستثمار فترات الراحة بين الدروس، أو خلال تنقّلهم، لمراجعة ما حفظوه، والتثبّت من سلامة نطقهم للحروف، بل إن البعض الآخر فضّل تحميل السور القرآنية على هاتفه أو حاسوبه المحمول، والإكتفاء بوضع السماعات طوال الوقت لحفظ الآيات القرآنية وترديدها سرا حينا وجهرا أحيانا.

 

تايرو يونس، طالب في جامعة لومي، وأحد المرشحين للدور الجهوي، قال للأناضول: "نقوم، ليلا، بمراجعة ما حفظناه، حيث نبدأ أحيانا في نحو الساعة العاشرة ليلا لنفرغ من ذلك في الثالثة فجرا.. إنها مرحلة مصيرية بالنسبة لنا، وتتطلب الكثير من الاستعداد والتركيز".

 

وتنتظم مسابقة حفظ القرآن لهذا العام تحت شعار "الإسلام هو أن نعيش معا رغم الاختلاف"، ويعدّ هذا الحدث مناسبة لترسيخ قيم وتعاليم الدين الاسلامي الداعية إلى التعايش السلمي بين المسلمين وجميع الطوائف الأخرى. ساليفو كاليم ياكوبو عاد ليقول في هذا الصدد: "نريد أن نظهر للعالم بأسره أنّ الاسلام يحثّ على التعايش المشترك، وذلك منذ أيام النبي محمد (صلعم) والذي تمكّن من التعايش مع اليهود والمسيحيين والوثنيين دون أي مشاكل"، مضيفا: "علينا نحن المسلمون أن نبلغ، اليوم، هذه المرحلة الروحية من التسامح والتي مكنت نبينا من التعايش السلمي مع بقية الديانات (والمعتقدات)".