ليست لعبة عض أصابع بين باريس وروما، إنها أكثر من ذلك، صراع وسباق مفتوح بين دولتين على الهيمنة على ليبيا، كل طرف يعتبر أنه الأحق، بل ولكل منهما تبرره وفق أسبابها الخاصة.

يقرّ مراقبون أن فرنسا سجلت نقطة لصالحها في هذا السباق، ببيان مجلس الأمن الأخير حول ليبيا، ولذلك سارعت لاستثمار هذا البيان الذي جدد فيه التأكيد على الالتزام بمخرجات مؤتمر باريس الذي عقد في الـ29 من شهر (مايو) الماضي، وعلى رأسها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في العاشر من شهر ديسمبر 2018م بالتوجه نحو ليبيا عبر تونس.

وفي هذا الإطار تأتي زيارة وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جون إيف لودريان، إلى طرابلس اليوم حيث إلتقى أبرز الفاعلين في عملية التسوية السياسية، ودفعهم للالتزام بتعهدات إعلان باريس، والذي يأتي بعد بيان مجلس الأمن الأخير حول ليبيا.

بيان مجلس الأمن الذي تبنى الرؤية الفرنسية للحل ، أكد على مخرجات باريس، الأمر الذي شكل دعما لوجهة النظر الفرنسية التي ترفضها إيطاليا وتشكك في جدواها.

لكن أعضاء المجلس حيث فرنسا عضو دائم فيه بخلاف إيطاليا، طالبوا جميع الليبيين بشكل عاجل، بضمان توفر الظروف الفنية والتشريعية والسياسية والأمنية اللازمة لإجراء الانتخابات، بما في ذلك ضمان مشاركة المرأة.

واعتبر أعضاء مجلس الأمن في بيانهم، أن المزيد من التأخير أو العنف لن يؤدي سوى إلى إطالة أمد معاناة الشعب.

واستثمارا لموقف مجلس الأمن أجرى لودريان في تونس اليوم حسب مصادر دبلوماسية محادثات مع وزير الخارجية التونسي خميّس الجهيناوي، حول تطورات تسوية الأزمة الليبية، خصوصًا عقب زيارات الجهيناوي إلى ليبيا قبل أسابيع.

وكان الوزير التونسي قد التقى قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر يوم الثلاثاء الماضي في بنغازي، بعدما زار طرابلس يوم 11 يونيو الماضي وطبرق يوم 26 من الشهر نفسه.

مصراتة في الميزان

 يصل الوزير الفرنسي إلى طرابلس وهو يتسلح ببيان مجلس الأمن، بهدف دفع الأطراف الليبية إلى تطبيق ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر باريس، حيث  ينتظر أن يلتقي لودريان الاثنين، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، كما أكدت تقارير صحفية أن السراج وافق على لقاء يعقده وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ببعض القيادات العسكرية التابعة للرئاسي، في قاعدة أبي ستة بالعاصمة طرابلس.

ويضم اللقاء حسب التسريبات رئيس الأركان بدفاع الوفاق عبد الرحمن الطويل ورؤساء أركان القوات الجوية والبحرية والبرية، صحبة أمراء المناطق العسكرية، محمد الحداد وأسامة الجويلي عبدالباسط مروان.

وكشفت المصادر أن هذا اللقاء يأتي على خلفية مساعي فرنسية لنشر قوة لها في المنطقة الغربية وخاصة مدينة مصراتة.

وكان عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن الشاطر، قد قال لصحيفة المتوسط إن وزير خارجية فرنسا سيزور مدينة مصراتة، خلال الأسبوع المقبل.

ونقلت وكالة الصحافة الليبية عن الشاطر، الخميس الماضي، قوله إن هدف الزيارة ممارسة الضغط على المدينة ذات الهوى الإيطالي، لقبول بتواجد قوات فرنسية على الأرض، لمحاربة الإرهاب.

وكشف رئيس لجنة الاعلام بالأعلى للدولة في تغريدة له على تويتر، الخميس، أن لقاءً جرى منذ شهر في تونس بين الفرنسيين وبعض العسكريين من مصراتة، لإنشاء تواجد عسكري فرنسي لمحاربة الاٍرهاب، لافتاً إلى أن الوفد المصراتي لم يوافق على الفكرة.

النفط محرّك الصّراع 

من جانب آخر قاربت الأكاديمية الإيطالية، ميكيلا ميركوري، النزاع المتصاعد بين فرنسا وإيطاليا حول ليبيا، لافتة إلى محاولة باريس الاستفادة من ضعف روما السياسي في الوقت الراهن، فيما يسعى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن يصبح «قائد أوروبا» الجديد.

وذكرت الباحثة، وهي أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة ماتشيراتا الإيطالية، ومؤلفة كتاب «ليبيا المجهولة»، أن ليبيا وأزمة الهجرة والأزمة السورية تبقى من نقاط التنافس الرئيسية بين إيطاليا وفرنسا.

وقالت ميركوري، في تصريحات إلى وكالة «سبوتنيك»، السبت، إن كلاً من باريس وروما تتبعان أهدافًا استراتيجية مختلفة في ليبيا، مشددة على أن السبب في ذلك هو النفط الليبي.

وقالت: "مصالح الدولتين في ليبيا لم تتطابق في 2011، عندما قفزت فرنسا لاستغلال الفرصة والتدخل في ليبيا بسبب النفط، ولايزال هذا الاتجاه فعالاً حتى الآن".

وفي إشارة إلى اختلاف سياستي فرنسا وإيطاليا بالنسبة إلى ليبيا، أشارت الباحثة الإيطالية إلى «دعم روما المعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، بينما تدعم باريس قائد الجيش المشير خليفة حفتر».

وقالت: "عبر دعم حفتر، فرنسا تريد إنشاء موطئ قدم لها في منطق برقة الغنية بالنفط، للبدء في التنقيب والبحث عن احتياطات النفط هناك".

وتحدثت الأكاديمية الإيطالية أيضًا عن أزمة الهجرة من ليبيا باتجاه أوروبا، وقالت إن أزمة الهجرة تظل أيضًا من أسباب الخلاف بين روما وباريس.

وقالت: "فرنسا وعدت بشكل متكرر بالتعاون مع إيطاليا بشأن أزمة الهجرة في البحر المتوسط، لكن هذا كان مجرد كلام، لم يُترجم إلى أفعال حقيقية على الأرض. وتستمر باريس في رفض استقبال مهاجرين داخل أراضيها، مع إرسال المهاجرين القادمين إليها إلى إيطاليا".

ورأت أنه "على إيطاليا التحرك بشكل أكثر فاعلية لتعزيز موقفها في ليبيا لتقوية موقفها من السياسة الخارجية".

نهايةً،يذهب مراقبون أن هذا ليس إلا تنافس القوى الكبرى على خيرات ليبيا ومكانتها الجيواستراتيجية ، وهذا بالطبع، ما كان ليكون بهذا الشكل التنافسي الوقح، لو أن ليبيا كانت معافاة ، وموحدة ، لأنه لو كان الأمر كذلك ، فإنها ما كانت لتستطيع أن تستحضر تلك الدول سياسية  فرق تسد بين الليبيين من أجل تنفيذ مآربها وخدمة مصالحها أولا، لأن القلعة الحصينة لا تسمح باختراقها، وهو ما يجب أن يتنبه الليبيون له.