ينتظر أن تحدد النتائج المنتظرة لجولة الإعادة للإنتخابات الرئاسية التونسية طبيعة التوازنات السياسية في البلاد ، خصوصا وأن حالة الإستقطاب الثنائي ستتأكّد أكثر بين طرفين يتجاذبان المشهدالسياسي ،وهما التيار المدني الديمقراطي الحداثي ويمّثّله حزب حركة نداء تونس بزعامة الباجي قائد السبسي ، وقوى الإسلام السياسي والتيارات الثورية الراديكالية ( التحالف الثوري الإخواني )ويمثّلها الرئيس المتخلي المنصف المرزوقي ، ويرى المراقبون أن إسلاميي تونس يبدون إستماتة غير عادية في الدفاع عن حظوظ المرزوقي لأسباب عدة من أبرزها الدور المحوري الذي يخص به الدستور الجديد رئيس الدولة في مجالات الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية ، وكذلك في تشكيل هيئة المحكمة الدستورية التي سترى النور خلال العام القادم
فقد دخل المترشح المنصف المرزوقي الذي كان حزبه ( المؤتمر من أجل الجمهورية ) قد إكتفى بنسبة 1.84 بالمائة من عدد الأصوات في الإنتخابات البرلمانية في السادس والعشرين من أكتوبر ، إنتخابات الأحد الماضي مدعوما بقواعد حركة النهضة التي تم تجييشها لمساندته بقوة ،و بأنصار حزب التحرير والجماعات السلفية المتشددة وروابط حماية الثورة المنحلة ، وكذلك ببعض الأحزاب ذات التوجهات الثورية الراديكالية والمتحالفة ضمنا مع المشروع الإخواني كحركة وفاء برئاسة عبد الرؤوف العيادي الذي حصل على نسبة 0.11 بالمائة من اصوات الناخبين، والتيار الديمقراطي الذي يقوده محمد عبو وله ثلاثة مقاعد في البرلمان الجديد ، وهما حزبان منشقان أساسا عن حزب المؤتمر ، ،الى جانب القوى المستفيدة أكثر من غيرها من مرحلة حكم الترويكا ،والتي تخشى مجيء حكام جدد يعيدون فتح ملفات الأعوام الثلاثة الماضية ، مما قد يفسد عليها مصالحها
ويبدو واضحا أن من صوتوا لحركة النهضة في الإنتخابات البرلمانية ومثّلوا نسبة 31.79 من الأصوات المدلى بها كانوا في الموعد لدعم المرزوقي ، الذي حصل على نسبة 33.43 بالمائة من جملة الأصوات المصرّح بها
ويرى المراقبون أن حركة النهضة وقوى الإسلام السياسي أستنفدت كل خزّانها الإنتخابي في دعم المرزوقي ولتصل تقريبا الى ذات نتيجة الإنتخابات البرلمانية وهو الحصول على المركز الثاني في ترتيب القوى السياسية في البلاد
اليسار ضد المرزوقي
وإستطاع اليسار التونسي المتمثل في الجبهة الشعبية تحقيق نتيجة إيجابية بالحصول على حوالي 10 بالمائة من أصوات الناخبين لفائدة مرشحه حمّة الهمامي ، وهي نسبة ستذهب في أغلبها الى المترشح الباجي قائد السبسي من باب التوافق بين الطرفين حول أسس الدولة المدنية والعداء المعلن لقوى الإسلامي السياسي التي باتت مرتبطة بمشروع المرزوقي في الحكم ، علما وأن الجبهة الشعبية تحمّل مرحلة حكم الترويكا بالمسؤولية السياسية عن إغتيال إثنين من قيادييها هما شكري بلعيد ومحمد البراهمي ،كما أن الجبهة كانت قد إشتركت مع حركة نداء تونس في تشكيل جبهة الإنقاذ في يوليو 2013 وفي إعتصام الرحيل والحراك الشعبي الذي عجّل بتنظيم الحوار الوطني وإتمام إنجازالدستور بالشكل الذي ظهر عليه ثم بالإطاحة بحكومة علي العريض في يناير 2014 ، وفي أكثر من مناسبة صرحت قيادات الجبهة أنها لن تدعم المرزوقي في أي حال من الأحوال
ويجد أنصار عدد من المترشحين الرئاسيين مثل سليم الرياحي وكمال مرجان ومنذر الزنايدي أنفسهم أقرب الى قائد السبسي نظرا لمرجعياتهم الدستورية والليبيرالية ،
في الأثناء ، يشير المراقبون الى أن مساندي المرزوقي إستنفروا كل قواتهم وإستنفدوا كل طاقاتهم خلال إنتخابات الأحد نظرا لطبيعة إلتزامهم الإيديولوجية ، وقد وصل الأمر الى حد مشاركة أطراف كانت ترفض العملية الديمقراطية من الأساس مثل التيارات السلفية وحزب التحرير في التصويت بكثافة ، كما يجد المرزوقي دعما من بعض مرشحي الرئاسة الحاصلين على نسب ضعيفة من الأصوات من بينهم مصطفى بن جعفر ( 0.65 بالمائة )وعبد الرزاق الكيلاني (0.54 بالمائة ) وحمودة بن سلامة ( 0.18 بالمائة ) ومحمد الحامدي (0.17 بالمائة )

تحالفات قادمة
وستكون ملامح الحكم القادم جزءا من تحالفات جولة الإعادة للرئاسيات ، حيث أن الجبهة الشعبية ( 15 مقعدا في البرلمان ) لا تمانع في التحالف مع حركة نداء تونس ولكن شريطة إستبعاد حركة النهضة وحلفائها من الحكومة القادمة ، وفي حالة الوصول الى تفاهم معها فإن نسبة الأصوات التي حصل عليها مرشحها حمة ستكفي في حالة توجيهها الى قائد السبسي لحسم المواجهة المنتظرة لفائدته ، كما أن حزب الإتحاد الوطني الحر ( 16 مقعدا ) يبدو أقرب الى حركة نداء تونس ،وبالتالي فإن أنصاره سيصوّتون في غالبيتهم لفائدة قائد السبسي ، خصوصا في حالة التوافق بين الطرفين حول قاعدة التعاون في تشكيل الحكومة القادمة ،
كما أكد حزب المسار الديمقراطي الإجتماعي ( وهو الحزب الشيوعي الأسبق الذي حمل في ما بعد إسم حزب حركة التجديد ثم حزب المسار ) عن دعمه للسبسي ، وهو ذات ما أعلن عنه حزب المبادرة الدستورية الذي يتزعمه المترشح كمال مرجان ( آخر وزير للخارجية في عهد بن علي ) ، ومترشحون مستقلون للرئاسيات دعوا أنصارهم للتصويت للباجي قائد السبسي من بينهم منذر الزنايدي ، والعربي نصرة ، وعلي الشورابي ،وعبد الرحيم الزواري ونورالدين حشاد ،و يطمح السبسي الى تحريك جزء مهم من النسبة التي لم تشارك في إنتخابات الأحد الماضي ،الى جانب تحويل المواجهة القادمة الى « معركة مصير » بين طرفين متناقضين يتخذ موضوع الهوية الواجهة الأساسية للصراع القائم بينهما
تباينات جهوية
ينتظر التونسيون تحديد ملامح الهوية الحضارية و الثقافية والسياسية لبلادهم خلال جولة الإعادة بعد أن قطعوا شوطا مهما في هذا الإتجاه خلال الإنتخابات البرلمانية ثم في الجولة الأولى للإنتخابات الرئاسية ، غير أن المراقبين يرون أن الصراع قد يتجه الى مسارات داراماتيكية حذّر الرئيس الحالي المنصف المرزوقي من حصولها في حال عدم إنتخابه ، وذلك نتيجة الإستقطاب المناطقي الذي أكد قياديون من حركة نداء تونس أن أنصار وداعمي المرزوقي عملوا على إحداثه عبر نشر الإشاعات وتزوير الحقائق وتدليس الوثائق وإثارة النعرات القبلية والجهوية ، فمناطق الجنوب التونسي إتجهت في الإنتخابات البرلمانية لدعم حركة النهضة التي تعود جذور بعض قياداتها مثل رئيسها راشد الغنوشي وأمينها العام علي العريض الى تلك المناطق ، وهو ذات ما حصل مع المترشح المنصف المرزوقي ذي الجذور الجنوبية التي تعود الى مدينة دوز من ولاية قبلّي ( جنوب غرب )
كما تم التركيز في هذا الإتجاه على أن الحكم سيعود الى مناطق الساحل والشمال في حالة وصول قائد السبسي الى سدة الرئاسة ، وتم ترويج وثائق مزورة مفادها أن الحكومة القادمة ستقوم بالإنتقام من أهالي الجنوب بسبب دعمهم للمرزوقي وقوى الإسلام السياسي ،وهو ما نفاه الأزهر العكرمي القيادي في حركة نداء تونس جملة وتفصيلا
وتشير نتائج الدور الأول للرئاسيات أن مناطق الساحل والشمال ذات الكثافة السكانية أعطت أسبقية النتائج للباجي قائد السبسي بينما حصل المرشح الهاشمي الحامدي على المركز الأول في سيدي بوزيد ( وسط ) وفاز المنصف المرزوقي بالأسبقية في ولايات الجنوب وبعض ولايات الوسط ،

إرتباط
يرتبط قائد السبسي بأنصار المدرسة البورقيبية والمدافعين عن مقومات الدولة التونسية الحديثة بمن فيهم التجمعيون من أتباع الحزب الحاكم سابقا والذي يعود تاريخه تأسيسيه الى العام 1920 على يد المصلح الشيخ عبد العزيز الثعالبي ثم تم تجديده وإعاده بعثه في العام 1934 على يد الزعيم الحبيب بورقيبة ونخبة من الشباب العائد لتوه من باريس بعد إتمام دراسته في الجماعات الفرنسية ،وقد حمل الحزب إسم الحزب الحر الإشتراكي الدستوري مع بداية التجربة الإشتراكية في البلاد أوائل الستينيات من القرن الماضي ، ثم إسم التجمّع الدستوري الديمقراطي في العام 1988 أي بعد فترة وجيرة من تولي زين العابدين بن علي الحكم
وتعتبر النتيجة التي حصل عليها قائد السبسي في الإنتخابات الرئاسية متجاوبة مع نتيجة حزبه في الإنتخابات البرلمانية والتي بلغت 39.17 بالمائة وأعطته المرتبة الأولى في عدد مقاعد البرلمان ب86 مقعدا