في الوقت الذى تتصاعد فيه حدة المعارك في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس،عقب الهجوم الذي يشنه الجيش الوطني الليبي منذ منتصف أبريل الماضي لتحرير المدينة من المليشيات المسلحة، تتزايد حدة الإنتقادات لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، التي تتهم بالانحياز الى جانب الجماعات المسلحة ضد الجيش.

آخر هذه الاتهامات،جاء على لسان رئيس لجنة السيولة في مصرف ليبيا المركزي/ البيضاء، رمزي آغا،الذي أن معلومات من مصادر مطلعة أفادت بوجود نقص حاد في رصيد السيولة النقدية لدى المصرف المركزي في طرابلس؛ ما يهدد بعدم استطاعته تلبية احتياجات المصارف التجارية قبل حلول شهر رمضان.

وأرجع آغا في منشور له على صفحته بموقع فيسبوك السبب في نقص السيولة إلى أعطيات المجلس الرئاسي لمسؤولي الميليشيات وتسخير جل السيولة لهم.وبين أن اتصالات جرت مع شركة "ديلا رو" الإنجليزية بخصوص إرسال شحنات سريعة تقدر بمليار دينار من فئة 10 دنانير قبل حلول شهر رمضان، والشركة اعتذرت لعدم قدرتها على تنفيذ طلب المركزي.

وكشف آغا عن اتصالات جرت بين رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، ومحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، مع سفير المملكة المتحدة لدى ليبيا، فرانك بيكر، طالبًا منه التدخل السريع والضغط علي الشركة لتحقيق ذلك الطلب.وأفاد بأن مجموعة مسلحة، جميع أفرادها ملثمون يستقلون سيارات لا تحمل إشعارات، حضرت إلى إدارة الإصدار بمقر مصرف ليبيا المركزي بطريق الشط واستلموا 45 مليون دينار نقدًا.

وختم آغا بالقول :"للأمانة لم يتم التعرف على أفراد هذه المجموعة التي تحصلت على الأموال وسط تكتم شديد وجار حاليًّا التفتيش عن مصدر الصك الذي تم السحب به"، مشيرًا إلى أن المركزي خصص يومي، الجمعة والسبت لفتح أبواب خزائنه للسحب من قبل الميليشيات.بحسب ما نقل موقع "ارم نيوز" الاخباري.

وكان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج أعلن تخصيص مبلغ  ملياري دينار ليبي (1.4 مليار دولار أمريكي) لدعم المليشيات لقتال الجيش الوطني الليبي في العاصمة طرابلس.ووجه مدير مكتب السراج، يوسف المبروك، خطابين إلى كل من مدير مكتب رئيس ديوان المحاسبة ومدير مكتب محافظ مصرف ليبيا المركزي ومدير مكتب شؤون الوزارة بوزارة المالية، بتخصيص 484 مليون دينار "لتغطية الاحتياجات الضرورية بسبب الاحتياجات الاستثنائية نتيجة الأحداث الجارية

وأثار القرار شكوكا حول الهدف منه،حيث حذر رئيس لجنة الرقابة بمجلس النواب، زايد هدية،في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، من وصول الأموال الليبية المصروفة من المجلس الرئاسي والمصرف المركزي في طرابلس إلى المتطرفين.

وأشار النائب إلى أن هذه المبالغ الضخمة قد تصل إلى أوكار الجماعات الإرهابية كتنظيم داعش والقاعدة والجماعة الليبية المقاتلة وغيرها خارج البلاد، وقد يتم تمويل عمليات إرهابية من هذه الأموال المنهوبة في ليبيا أو في دول أخرى تستهدفها هذه الجماعات الإرهابية، مطالبا رؤساء المصارف التجارية وكافة موظفي المصارف بتحمل مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية والقانونية تجاه بلدهم وشعبهم بكل شجاعة، والتقيد بالتعليمات المشار إليها.

وتلقي هذه التطورات الضوء على حقيقة تغلغل المليشيات المسلحة في حكومة الوفاق وسيطرتها على دواليب الدولة وهو ما ذهبت اليه النائبة البرلمانية الليبية، سلطنة المسماري،التي قالت "إن السراج، الذي يعمل خارج الشرعية منذ توليه السلطة، يخضع لإرادة وإملاءات الميليشيات المُسلحة التي تُهيمن على أموال الدولة ومواردها ودواعش المال العام".

ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن المسماري قولها،أن "ارتهان السراج للميليشيات وصل إلى درجة أنه أقر ما سُمي بالترتيبات المالية التي يصرف من خلالها أموال ليبيا من دون قيد أو رقابة، حتى أنه قام مؤخرا بصرف ملياري دينار للميليشيات المُسلحة وللإرهابيين لمواجهة الجيش الليبي في معركة تحرير طرابلس".مشددة على أن تلك الممارسات "تؤكد انخراط السراج في ملفات فساد تجعله تحت طائلة القانون".

ويتهم السراج بالسيطرة على المؤسسات المالية الليبية وتوظيف مقدراتها لخدمة الميليشيات.حيث قام (السراج)،في فبراير الماضي، بصفته رئيس مجلس أمناء المؤسسة الليبية للإستثمار بتعيين القياديين في جماعة الإخوان المسلمين، مصطفى المانع، عضوًا بمجلس إدارة مؤسسة الاستثمار (الصندوق السيادي لثروة ليبيا)، ويوسف المبروك، نائبًا لرئيس مجلس إدارة المؤسسة، بصلاحيات مدير عام وهو ما أثار جدلا واسعا في ليبيا حيث نددت به أطراف ليبية كثيرة.

وقالت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان،في بيان لها، إنها تضع كل الليبيين أمام أكبر صور الفساد الإداري والمالي، وتحالف قوى السلطة والمال لإنتاج أبشع أنواع الفساد في أعلى كيانات الدولة المتمثل في قرار السراج، بتعيين كل من مصطفى المانع عضوا بالمؤسسة الليبية للاستثمار، ويوسف المبروك نائباً لرئيس مجلس الإدارة بمؤسسة الاستثمار، مذكرة بأن كل التعيينات التي أجراها السراج، مبنية عن صلة القرابة أو زمالة الدراسة، أو المحاصصة، بعيدا عن أي معيار للكفاءات والمهنية والخبرة.

وجاء هذا التعيين ضمن ما أعتبر تمكين السراج لجماعة الإخوان في مفاصل الدولة الليبية ، عبر تعيينهم في المناصب العليا. فالجهاز المالي الليبي، يعاني من وقوعه تحت سيطرة أفراد من جماعة الإخوان. ويعتبر المصرف المركزي بطرابلس، على رأس هذه المؤسسات الخاضعة للإخوان، إذ ينتمي كل أعضاء ما يعرف بالهيئة المركزية للرقابة الشرعية بالمصرف للجماعة، فيما يترأس اللجنة المعنية بمراجعة العمليات المصرفية والتأكد من مطابقتها للشريعة، حمزة أبوفارس، الذي أٌدرج على قوائم الإرهاب الموضوعة بمعرفة دول الرباعي العربي ، على خلفية علاقته بقطر والتنظيمات الإرهابية.

وتعد ليبيا إحدى أغنى دول الإقليم نفطياً،لكن ورغم ذلك فقد بات تردي الأوضاع المعيشية السمة الأبرز في حياة الليبيين.حيث شهد الاقتصاد الليبي،خلال السنوات التي أعقبت إندلاع الأزمة في العام 2011،تعثرات كثيرة تمثلت في ارتفاع سعر صرف الدينار، والتذبذب في الإنتاج النفطي وصادراته اليومية.

ورغم محاولات تجاوز الأزمات الاقتصادية التي تواجهها البلاد،فإن  تواصل انسداد الأفق السياسي في البلاد واستمرار صراع الشرعية،الذي يفتح الباب للميليشيات المسلحة لنهب البلاد واستنزاف ثرواته،يلقي بظلاله على امكانية انقاذ الاقتصاد المتهاويي وتحسين الأوضاع المعيشية المتردية للمواطن الليبي.

ومنذ الرابع من أبريل الجاري،أطلق الجيش الوطني الليبي عملية "طوفان الكرامة" العسكرية في محاولة لتحرير العاصمة الليبية طرابلس من سيطرة المليشيات المسلحة.ومع تسارع وتيرة الاشتباكات المسلحة في ضواحي العاصمة يصر الجيش الليبي على حسم المعركة في أقرب وقت في مؤشر يعتبره مراقبون نهاية لاستنزاف المليشيات لثروات البلاد وبداية لارساء الاستقرار والمصالحة.