البعض اختار زيارة أضرحة الأولياء الصالحين، وتوشيح خطاباتهم الجماهيرية بمقتطفات رثائية للموتى والشهداء، مباشرة من المقابر، فيما استعرض البعض الآخر قدراته في أداء وصلات غنائية، ومغازلة عدد من الجهات والمحافظات، وبعض الفرق الكروية الشهيرة في البلاد، طمعا في كسب ودّ أنصارها.. أمّا آخرون، فداعبوا الطبقات الفقيرة والمهمّشة، فاستقلوا الحافلات العمومية لاول مرة أو قدّموا فيضا من الوعود، بلغت حدّ الجزم بتحويل تونس إلى بلد نووي.. تقنيات مبتكرة ومتنوّعة تبنّاها مرشّحو الرئاسة التونسي، وأعطت شارة الإنطلاق لسباق ساخن نحو قصر قرطاج.

فمع انطلاق الحملة الانتخابية في كامل المناطق التونسية، غرة الشهر الجاري، بدا أنّ جميع الاستراتيجيات والتكنيكات مباحة من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من الناخبين، فشملت الدعاية الانتخابية شملت الأموات، طلبا لتأييد الأحياء.. زيارات ميدانية، واستهداف لمناطق شعبية وأماكن لم تنل حظّها من التنمية، وإصرار على ردّ الإعتبار للشهداء، ومداعبة غير مباشرة لفرق كروية منافسة.

عدد هام من المترشحين استهلّوا حملاتهم من المقابر. فضاءات روحية، تختزن بداخلها شحنة عاطفية قادرة على استقطاب الناخبين، ولفت الأنظار نحو البعد الانساني للمرشّح. فرئيس تيار المحبة (وسطي) الهاشمي الحامدي الذي عاد إلى تونس بعد غياب ناهز الـ 18 عاما قضاها في بريطانيا، قام، في أول نشاط له بتونس، بزيارة قبر محمد البوعزيزي مفجر الثورة التونسية التي أطاحت في 2011 بنظام زين العابدين بن علي في مدينة سيدي بوزيد (وسط غرب).

من جانبه، بدأ مرشح نداء تونس (ليبرالي)، الأوفر حظا، الباجي قائد السبسي، حملته الانتخابية أيضا من أمام ضريح الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير (جنوب شرق تونس العاصمة). أما الرئيس الحالي والمرشح للانتخابات الرئاسية المنصف المرزوقي فقد اختار بدوره زيارة ضريح أحد ضباط الجيش الذين سقطوا في مواجهة الجماعات الإرهابية بمدينة مجاز الباب التابعة لمحافظة باجة ( شمال غرب) داعيا الأهالي من هناك إلى "عدم التصويت للنظام القديم الذي قامت ضده الثورة حتى لا تذهب دماء الشهداء سدى".

أما مرشح الجبهة الشعبية حمة الهمامي فقد أدى كذلك زيارات إلى عدة أضرحة لشهداء الحقبة الاستعمارية ومن سقطوا في مواجهة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وضحايا الاغتيالات السياسية على غرار القياديين بحزبه شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

أسواق الجملة والمدن العتيقة والأسواق الأسبوعية تبقى أيضا مقصدا مفضلا لمرشحي الرئاسة التونسية، فقد عرفت بداية الحملة توجه كل من المرشحين المستقلين كمال النابلي ومنذر الزنايدي ومرشح حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي نحو الأسواق الأسبوعية وأسواق الخضار لجلب الانتباه واستمالة الباعة والمتبضعين ودعوتهم الى انتخاب هؤلاء، حتى أن المشهد اللافت للنظر هو نظم صور المرشحين والمعلقات المصاحبة لبرنامجهم الانتخابي إلى جانب صناديق الخضار والفواكه في طريقة منتظمة ومتناسقة.

وإضافة إلى ذلك، فإنّ التطلعات لدخول قصر قرطاج الرئاسي دفعت البعض إلى تغيير الخطاب السياسي المعهود لهم، فمرشّح الجبهة الشعبية (يسار) حمة الهمامي، أصبح يركّز أكثر في خطاباته الإعلامية وفي برامجه الانتخابية على النزعة الدينية، وعلى التذكير دوما بالهوية والثقافة الاسلامية، فضلا عن أداء بعض المعتقدات الإسلامية، بل لم يفوت فرصة وجوده في محافظة القيروان (وسط) قبل أيام ليؤدي زيارة رفقة زوجته راضية النصرواي إلى مقام الولي الصالح "سيدي علي نصر الله" في منظقة نصر الله التابعة لهذه المحافظة.

أما الغناء والطرب فهما سمتان من سمات مرشح تيار المحبة (وسطي) الهاشمي الحامدي الذي واصل حملته الانتخابية مترنّما بـ "وصلاته" الغنائية التي طغت، في بعض الأحيان، على تصريحاته. فبعد أن أدى أغنية التعليلة التونسية "لا الاه الا الله والفرح واتنا" وسط حلقة من انصاره بمدينة سوسة (شرق)، أطلّ، في وقت لاحق، على مستمعي إحدى الإذاعات التونسية الخاصة على المباشر بأغنية "متى اشوفك يا غايب على عيني".

ومن الغناء إلى الوعود الخارقة، فالحامدي لم يفوّت على نفسه فرصة الخوض في الجانب الاقتصادي، لكي لا يحسب عليه تغييب المنحى الإجرائي لبرنامج "العدالة الإجتماعية" الذي يتبنّاه، حيث أكّد للأناضول أنّه سيجعل من تونس "دولة نووية"، لا تقلّ وزنا غن الدول المتقدّمة، وسيحوّلها إلى مكان يطيب فيه العيش، ويتمتّع فيه السكان بـ "الرفاه الإجتماعي".

ولم يتوان الحامدي كذلك عن مغازلة عدد من الجهات، لا سيما وأنه وعد أهالي محافظة القيروان (وسط) بجعلها عاصمة تونس، وأن ذلك سيكون من أولولياته إثر انتخابه لهم رئيسا، بينما وعد المرشّح المستقلّ، الكاتب والصحفي التونسي الصافي سعيد، في اجتماع شعبي بالمدينة نفسها، بتحويلها إلى "عاصمة ثانية".

وفي السياق ذاته، استثمرت شخصيات سياسية أخرى إلى جانب سعيد، أمثال مصطفى كمال النابلي، ترشّحها كمستقلة لتُذكّر المواطن التونسي خلال الاجتماعات الشعبية والمنابر الإعلامية بأن البلاد في حاجة إلى رئيس جمهورية مستقل غير متحزب ذو شخصية قوية، داعيين الناخبين إلى التصويت لهم.

كما مثل اقتحام الأوساط العمومية والغوص في الحياة اليومية للمواطن التونسي استراتيجية اعتمدها بعض المرشحين على غرار المنذر الزنايدي الذي لفت انتباه أهالي محافظة القصرين (وسط غرب) عند امتطائه حافلة نقل عمومية بين مدينتي سبيطلة والقصرين تتبعه سيارات حملته الانتخابية، والأمر سيّان بالنسبة للمرشّح المستقلّ عبد الرزاق الكيلاني الذي اتخذ من مقاهي محافظة القصرين مكانا لحملته الانتخابية حتى يقترب أكثر من المواطنين ويلتمس منهم دعمه والتصويت له.

وفي سياق متصل عمد الهاشمي الحامدي إلى ارتياد مطعم شعبي بأحد أكبر الأحياء الشعبية في تونس (حي التضامن) وتناول وجبة هناك وسط زغاريد النسوة ممن يدعمون ترشحه ووسط هتافات أنصاره.

أمّا عالم كرة القدم، والذي يستهوي الغالبية العظمى من التونسيين، فقد طرقه عدد من المرشّحين، للحصول على ودّ أنصاره، من ذلك مرشّح حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي، والذي، رغم إشرافه على النادي الافريقي، والذي يعدّ من أبرز الأندية الكروية التونسية، إلاّ أنّه لم يفوّت على نفسه فرصة مغازلة فريق الترجي الرياضي، خصمه الأزلي، وذي الشعبية الجماهيرية الكبرى، طمعا في كسب ود أنصاره وتجنب أي "تصويت عقابي" من جانبهم.

الرياحي دعا، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ كرة القدم التونسية، المكتب الجامعي التونسي الى إعادة مقابلة النادي الافريقي وشبيبة القيروان، التي جرت الأحد الماضي في إطار مسابقة الدوري التونسي، وانتهت بفوز فريقه (النادي الافريقي)، بعد إجماع خبراء اللعبة على أن ضربة الجزاء التي فاز بها الإفريقي في الدقيقة 93، غير صحيحة.

وتستمر الحملات الانتخابية التي بدأت غرة نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي لـ27 مرشحا إلى حدود 21 من الشهر نفسه على أن يكون اليوم التالي مخصصا للصمت الانتخابي.

وسيكون الاقتراع خارج تونس أيام 21 و22 و23 نوفمبر/تشرين الثاني. أما موعد عملية الاقتراع بالداخل فسيكون في 23 من الشهر ذاته.