تواصل منطقة إفريقيا جنوب الصحراء زخم نموها السريع. ووفقاً لآخر تقديرات مجموعة «كيو ان بي»، بلغت نسبة النمو في هذه المنطقة 5,0% في عام 2013 ويتوقع لها أن تصل نسبة 6,0%-6,5% خلال هذه السنة على خلفية الإنفاق الاستثماري الضخم وتنامي حجم الطبقة الوسطى. وهذا يجعل من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء ثاني أسرع الاقتصاديات نمواً في العالم..كما يبرر لنا أن نسأل: هل تصبح إفريقيا جنوب الصحراء صيناً ثانية؟ بحسب مجموعة «كيو ان بي»، سيكون من الضروري تنفيذ استثمارات قوية في البنية التحتية ومتابعة العمل بسياسات متحفظة بشأن الاقتصاد الكلي إذا كان للمنطقة أن تحقق نسبة نمو مرتفع ذات رقمين وأن ترتقي إلى مرتبة الأسواق الناشئة.

بدأت النهضة الاقتصادية لإفريقيا جنوب الصحراء منذ أواسط التسعينيات. فبعد سنوات من الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية، جاء جيل جديد من القادة الأفارقة الذين شرعوا في العمل على مسار الإصلاحات الهيكلية الشاق بدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وقد تطلب ذلك إحكام السيطرة على التضخم، وزيادة التحصيلات الضرائبية، وخفض الإعانات الحكومية المفرطة..وإعادة توجيه الإنفاق الحكومي نحو الاستثمارات طويلة الأجل في مجالات الثروة البشرية، مثل التعليم والصحة. وفي نفس الوقت، منح المجتمع الدولي إعفاءات سخية من الديون لمعظم دول المنطقة على نحو مكّنها من الخروج من أسر الديون الثقيلة التي تراكمت عليها خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات.

مذهلة:

وقد كانت نتائج هذه النهضة الاقتصادية مذهلة بحق. فقد بدأ عدد من دول المنطقة، بعد سنوات من الركود الاقتصادي والتضخم العالي في ثمانينيات القرن العشرين، تحقيق نمو سريع خلال العقدين الماضيين في ظل تضخم معتدل. وتمكنت دول مثل إثيوبيا، وموزمبيق، ورواندا، وتنزانيا، ويوغندا، رفع نسب نمو ناتجها المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لأربعة أضعاف في المتوسط، مع خفض نسب التضخم بصفة عامة لرقم واحد. والأهم من كل ذلك، هو أن هذا التحسن الاقتصادي ساعد الملايين من الأفريقيين على الخروج من دائرة الفقر والارتقاء إلى مستوى الطبقة الوسطى.

الطبقة الوسطى:

وعلاوة على هذه الإحصاءات الاقتصادية العالية، حدث تطور آخر أكثر إثارة في سياق النهضة الاقتصادية لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء. فبينما كان النمو الاقتصادي للمنطقة مرتبطاً في الماضي بأسعار السلع العالمية بصفة أساسية، مثل أسعار الكاكاو والنحاس والنفط الخام وغيرها، جاء النمو الاقتصادي الجديد مدفوعاً بصفة متزايدة بالطبقة الوسطى الأفريقية الآخذة في التعاظم.وعلى سبيل المثال، فإن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء هي أسرع أسواق الهاتف المحمول نمواً في العالم، حيث تضاعف نمو تراخيص الهاتف المحمول بمتوسط نسبة مركبة بلغت 44% خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2012 وفقاً لاتحاد شركات الهاتف المحمول (جي أس أم). وقاد ذلك إلى انطلاق موجة من استخدامات التكنولوجيا الرقمية التي تراوحت بين الخدمات المصرفية عبر الهاتف في كينيا إلى سائقي سيارات الأجرة الذكية في جنوب إفريقيا.

التحديات:

ما الذي يمنع منطقة إفريقيا جنوب الصحراء من تحقيق نمو أسرع، ومن أن تصبح الصين الثانية؟ بحسب مجموعة «كيو ان بي»، تحتاج المرحلة الثانية من النهضة الاقتصادية الأفريقية لأن تكون مدفوعة باستثمارات ضخمة في البنية التحتية وسياسات اقتصادية متحفظة ومتواصلة لدعم النمو في القطاعات الأخرى من الاقتصاد.فكما شاهد الكثيرون خلال سفرهم داخل أفريقيا، فالمطارات مكتظة بالمسافرين، والإمداد الكهربائي غير موثوق، والموانئ غير كافية، والطرق غير معبدة في معظمها. والمطلوب هو ردم هذه الفجوة في البنية التحتية لتمكين المنطقة من تحقيق نمو عال ذات رقمين. وسيحتاج ذلك إلى سياسات جيدة من قبل الحكومة لتمويل المشاريع الاستثمارية الضخمة مع تفادي تحمل أعباء ديون ضخمة مجدداً على نحو يؤدي إلى إفساد الضبط المالي الذي تحقق خلال العقدين الماضيين. فباستثمارات ضخمة في البنية التحتية وتواصل العمل بسياسات متحفظة في الاقتصاد الكلي، بإمكان منطقة إفريقيا جنوب الصحراء أن تتحول من دون شك إلى عملاق اقتصادي.

*نقلا عن صحيفة "البيان "الاماراتية