تواصل قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر تقدمها في العاصمة الليبية طرابلس في مواصلة للعملية العسكرية "طوفان الكرامة" التي أطلقتها القيادة العامة منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي والتي تسعى من خلالها لإنهاء نفوذ المليشيات المسلحة التي ترسخ وجودها منذ سنوات والقضاء على العناصر الارهابية التي استغلت الفراغ الأمني لتنتشر في عدة مناطق.

وتتواصل المعارك في محيط العاصمة الليبية، وسط حديث عن تراجع المليشيات واقتراب ساعة الحسم، حيث يواصل الجيش الوطني الليبي ضرباته الجوية مستهدفا مواقع قوات حكومة الوفاق والتي كان آخرها القصف الجوي بمنطقة التوغار جنوب منطقة السواني بطرابلس، والذي تزامن مع تقدم ميداني للقوات المسلحة حيث أكد مصدر عسكري لـ بوابة إفريقيا الإخبارية سيطرة قوات الجيش الليبي على محور الخلاطات جنوب العاصمة طرابلس بشكل شبه الكامل.

وكانت قوات الجيش الوطني الليبي تمكنت، مساء السبت، من السيطرة بشكل كامل على منطقة العزيزية بعد طرد قوات الوفاق منها. وقال بيان للجيش الليبي إن قوات الجيش واصلت بسط سيطرتها على مناطق بعد منطقة العزيزية حتى كوبري الزهراء الذي يربط العزيزية بطرابلس والزاوية.وأشار البيان إلى أن "المليشيات التي طردت من العزيزية فرت إلى مدينة الزاوية غرب طرابلس".

وأشار المركز الإعلامي إلى أن الشباب المؤيدين للجيش استطاعوا التعامل مع المليشيات التابعة لمناطق المطرد وأبوعيسي والتي هربت من العزيزية، واستطاعوا السيطرة على 3 سيارات مسلحة وكمية من الذخائر تعود لفلول المليشيات.

وفي سياق متصل، تتواصل المؤشرات حول تركيبة القوات الموالي لحكومة الوفاق حيث كشف بيان آخر للجيش الليبي العثور على عدد كبير من الجثث في منطقة الساعدية، يعود أغلبها لأشخاص من الأفارقة الذين تم تجنيدهم من قبل مليشيات الوفاق لمحاربة الجيش الليبي. ووفق البيان، فإن الجيش الليبي أبلغ الهلال الأحمر بمكان الجثث، حيث تعرف بعض الأسرى الأفارقة على عدد من أصحاب هذه الجثث، حيث أصيب بعضهم خلال المعارك وأمر الجويلي بقتلهم خوفًا من وقوعهم أسرى بيد الجيش الليبي.

ومنذ أيام كثف الجيش الليبي من ضرباته بهدف تضييق الخناق على المليشيات وذلك بعد تمكنّه الجمعة من تدمير أكبر مخزن يضم أسلحة دفاعية جوية تركية بمدينة مصراتة. وقال الجيش الوطني الليبي، إن قواته دمرت منشآت دفاعات جوية تركية في مدينة مصراتة 200 كلم شرق طرابلس.

وأكد اللواء أحمد المسماري الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي، في بيان عبر صفحته الرسمية على فيسبوك الجمعة، أن "القوات الجوية استهدفت منشآت تخزين معدات دفاعات جوية في مصراتة، تستخدم من قبل الميليشيات والجماعات الإرهابية، لتخزين معدات وأسلحة دفاع جوي تركية". وأضاف "نجمت عن هذه الغارات انفجارات هائلة نتيجة تدمير واحتراق صواريخ وذخائر مخزنة في هذه المرافق".

كما حذر المسماري الجماعات والميليشيات المسلحة من محاولة تعريض أو تهديد أمن وسلامة قواتها المسلحة والمدنيين للخطر، من خلال استجلاب أو استيراد أي نوع من أنواع الأسلحة أو الذخائر من الخارج. وأكدت القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني تعرض مدينة مصراتة للقصف الجوي، معلنة إسقاط طائرة مسيرة للجيش الليبي وهو ما نفاه الأخير.

وأعلن الجيش الوطني في بيان لمركزه الإعلامي، أول من أمس، أنه أصبح بإمكان قواته الجوية تدمير أي تمركزات أو تحركاتٍ مشبوهة، لافتاً إلى أن طياريه يقومون بدورهم على أكمل وجه، ويُنفذون التعليمات بشكل مثالي في الرصد واستنزاف قدرات العدو. وأكد البيان أن "القوات الجوية تُحكِم السيطرة على كامل المجال الجوي، وبكفاءاتها العالية تمكنت من تغطية كل مناطق العمليات، وجعلها تحت أنظار مقاتلاتها".

وتشير هذه التطورات الى اصرار الجيش الليبي على حسم المعركة لكنه يتبع استراتيجية محددة تعمل على استنزاف المليشيات والتقدم ببطيء وهو ما يعزوه مسؤولون الى المحافظة على سلامة المدنيين. وكان القائد العام للقوات المسلحة الليبية، المشير خليفة حفتر، أكد في وقت سابق إن الجيش الليبي قادر على حسم معركة طرابلس في غضون 48 ساعة، عبر اجتياح كاسح بالأسلحة الثقيلة من جميع المحاور، مشيرا الى أن ذلك سيؤدي إلى دمار المدينة وخسائر كبيرة في صفوف المدنيين من سكانها.

أكد حفتر في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية أن:"حرب تحرير طرابلس ليست مشروع مقاولات يمكن أن نضع له جدولًا زمنيًا محددًا". لكنه تحدث عن استراتيجية بديلة لتدارك وقوع ضحايا من المدنيين في المواجهات، عبر "استدراج المجموعات إلى ضواحي المدينة، ومن ثم إلحاق خسائر فادحة في صفوفهم"، وهو ما حدث في العديد من المحاور خلال الفترة الماضية.

وفي غضون ذلك، تواصل قيادات تيار الاسلام السياسي التكشير عن أنيابها والكشف عن نواياه، حيث شن ‏عضو المؤتمر الوطني السابق محمود عبدالعزيز الورفلي، هجوما على رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، قائلا ان الأخير بارك للجيش الليبي القضاء على الإرهاب في بنغازي، وهو يذوق اليوم نفس الموقف في العاصمة طرابلس، بحسب قوله.

وطالب عبد العزيز، بإطلاق سراح الإرهابيين من السجون للانضمام للوفاق، وقال موجها حديثه لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج: "أطلق سراح الموجودين في السجون (من مجلس شورى ثوار بنغازي)، وأقسم بالله العظيم سوف يكونوا، خلال أسبوع، في الجفرة واجدابيا لو حدث ذلك". كما طالبه بقطع العلاقات مع كل من فرنسا ومصر والإمارات.

وتزايد ارتباك قيادات تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" في ظل الخسائر الكبيرة التي منيت بها المليشيات التابعة لها بالرغم من الدعم التركي والقطري الكبير. وقبل مطالبات عبدالعزيز بالاستعانة بالإرهابيين استنجدت قيادات اخوانية بالتدخل الخارجي أملا في الحفاظ على آخر معاقلها في الغرب الليبي.

فمنذ أيام دعا رئيس مجلس الدولة، القيادي الاخواني خالد المشري، لفرض "حظر جوي على الطيران العسكري في الأجواء الليبية"، مطالبا بتكرار تجربة التدخل الغربي في البلاد في العام 2011. واعتبر المشري أن الصمت الدولي تجاه ما يحدث في ليبيا هو ما يشجع على الاستمرار في الانتهاكات وتكرارها الأمر الذي يفاقم الأزمة على المستويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. على حد تعبيره.

من جهته، طالب المفتي المعزول الصادق الغرياني، من مقر إقامته بتركيا، في برنامج تلفزيوني عبر قناة "التناصح"، بالتحالف مع أي جهة تضع حدا لما أسماه العدوان المصري الفرنسي، واتخاذ إجراءات محددة تبدأ بقطع العلاقات، وتكون هناك مطالب واضحة ومحددة مثل منظومة الدفاع الجوي. ودعا الغرياني حكومة الوفاق إلى عمل تحالفات مع إيران وتركيا والحوثيين، وقطع العلاقات مع فرنسا ومصر والإمارات والأردن.

وتشير هذه التصريحات الى التخبط الكبير الذي تعيشه قيادات تيار الاسلام السياسي مع تواصل خسائرها الميدانية في وقت يواصل فيه الجيش الليبي حصد الدعم المحلي وكانت 17 مدينة ومنطقة من الجبل الغربي والساحل الغربي، قد أعلنت الأسبوع الماضي، تجديد دعمها وتأييدها للقوات المسلحة في عملياتها العسكرية بالعاصمة طرابلس.

ويأتي هذا الدعم في محاول لإنهاء نفوذ المليشيات التي تواصل جرائمها وانتهاكاتها في حق المدنيين في طرابلس والتي كان آخرها، استهداف احدى المليشيات لسيارة بمنطقة الساعدية جنوب العاصمة طرابلس، ما أسفر عن مقتل 5 أشخاص من عائلة واحدة، واتهمت بلدية قصر بن غشير القوات التابعة لحكومة الوفاق بالتورط في الحادث.

وتبين أن الضحايا أفراد من عائلة ضابط في الجيش الليبي، وهو العميد ميلود أمحمد التميمي الذي تقدمت القيادة العامة بالتعزية في مقتل أفراد أسرته. وقال مدير مكتب القائد العام للجيش خيري خليفة عمر في برقية تعزية موجهة للتميمي "تلقينا ببالغ الحزن والأسى خبر استشهاد أفراد أسرتكم على أيدي مليشيات الغدر والإرهاب بقتلهم المتعمد في دلالة واضحة على ما ترتكبه هذه الجماعات الإرهابية من ترويع وقتل المواطنين المدنيين العزل". وأكدت القيادة العامة أن "القصاص للشهداء قد اقترب وأن الحسم بات قاب قوسين أو أدنى".

وأكد المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري، عبر صفحته الرسمية، مقتل عائلة التميمي، على أيدي الجماعات المسلحة، بالرماية عليهم، لحظة خروجهم من منطقة الساعدية، أدّى إلى وفاة امرأة وأبنائها الاثنين وأختها. وأشار المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني، أن الحادثة، ستبقى من الشواهد الحية على إجرام المجموعات المسلحة، التي سيُعاقبها الجيش الوطني على أفعالها، في معركته المستمرة.

ويتعرض المدنيون في طرابلس للقمع على يد المليشيات المسلحة التي تواجه كل من يعاضها بالسلاح. وكان المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الليبى، أكد في مايو الماضي إن المليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق اعتقلت تعسفيا وأخفت قسرًا مئات الأشخاص من مؤيدي القوات المسلحة الليبية في طرابلس. وأفاد المركز في بيان له أن مليشيات مصراتة ألقت القبض على نحو 180 شخصًا من مؤيدي الجيش الليبي وقامت باحتجازهم بإحدى المزارع الواقعة على طريق السدرة.

وأشار المركز الإعلامي التابع للجيش الليبي إلى أن المحتجزين جرى سجنهم داخل ما يعرف بـ "مزرعة المجدوب" والموجودة فيها غرفة عمليات لبعض مليشيات مصراتة، هذا إن لم يتم نقلهم لجهة أخرى، مؤكدا أن عمليات القبض والاحتجاز ليست الأولى من نوعها، حيث سبق اقتياد الكثيرين لمجرد الاشتباه بتأييدهم للقوات المسلحة الليبية.

ومنذ سنوات، يتعرض الليبيون في العاصمة الليبية طرابلس، في ظل سيطرة المليشيات المسلحة عليها، لشتى أنواع الجرائم من اعتقال تعسفي، خطف، قتل، احتجاز بدون محاكمة في ظل غياب حكومة قادرة على بسط سلطتها على مجموع تراب البلاد. ويرى مراقبون أن إنهاء سيطرة الميليشيات، التي لم تتوانى في الدول في تحالفات مع التنظيمات الارهابية ودول أجنبية لنهب ثروات ليبيا، بات ضروريا للخروج بالبلاد من أزمتها وتحقيق الأمن والاستقرار في ربوعها.