بيّنت جلسة الحوار الوطني المنعقدة أول أمس أنه لا تزال هناك حاجة للأحزاب السياسية التي ستدخل غمار الانتخابات المقبلة للتخاطب في ما بينها وأنه لا يزال للرباعي الراعي لهذا الحوار دور يلعبه. فقد كان الحضور كبيرا، وبشخصيات من الصف الأول من مختلف الأحزاب التي شاركت في الجلسة. وجاءت المداخلات لتعكس عدم الرضا عن بعض ما حدث حتى الآن في الحملة الانتخابية، كما عكست مخاوف جدية من أن تلقي بعض الممارسات التي تتنافى مع قواعد الشفافية والنزاهة بظلالها على الانتخابات المقبلة، وخاصة إذا ما تطورت هذه الممارسات إلى ما هو أخطر.

برزت خلال هذا الحوار مشكلتان أساسيتان تعلقت الأولى بالمال السياسي وبمدى نجاعة عمليات مراقبة تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب والتصدي الفعلي للتجاوزات الحاصلة في هذا الباب، والثانية بالمشرفين على مكاتب الاقتراع ومدى حيادهم واستقلاليتهم وهي قضية من المنتظر أن تعرف تفاعلات جديدة في الأيام القادمة نظرا لحساسيتها وتعقيدها ولضيق الوقت الذي لن يكون معه ممكنا تغيير الكثير في هذا الصدد. ولكن اللافت أن قضية المشاركة في الانتخابات المقبلة لم يقع التطرق إليها خلال هذا الاجتماع ولا يبدو أنها تمثل هاجسا كبيرا للأحزاب السياسية ، والحال أنها تبقى مسألة هامة جدا ولا بد من الاشتغال عليها من قبل كل الأطراف. فحملات حثّ التونسيين على المشاركة في الانتخابات بقيت الى حدّ الآن محتشمة جدا. وقضية حجم المشاركة المنتظرة تزداد أهمية عندما نعرف أن نحو 40 بالمائة ممن يحق لهم الانتخاب في تونس لم يقوموا بالتسجيل ، وهم لذلك لن يشاركوا في هذه الانتخابات يضاف إليهم عدد المسجلين الذين لن يتحولوا إلى مراكز الاقتراع يوم الانتخابات للإدلاء بأصواتهم لسبب أو لآخر. واستنادا إلى مظاهر النفور الذي أصاب التونسيين من السياسة وإلى خيبة أملهم في السياسيين بسبب الأزمات المتعددة التي عاشتها البلاد وكان السياسيون طرفا في بعضها، أو عجزوا عن حلها بالتوافق والحوار فإن نسبة المشاركة قد تتحول إلى معضلة وإلى نقطة الضعف الرئيسية للانتخابات المقبلة، التي يخيّم عليها خظر ضعف المشاركة، وفي صورة تأكد ذلك فإن الأمر سيكون بمثابة النقطة السوداء في المسار الديمقراطي الذي تخطو بلادنا خطواتها الأولى على دربه.

لم يعد هناك وقت كبير للقيام باللازم لحث أقصى عدد من التونسيين المسجلين بالقائمات الانتخابية على الاقتراع. وواضح أن ما تقوم به هيئة الانتخابات ليس كافيا ... فضلا عن أن الرسائل والمضامين التي اعتمدتها الهيئة في الومضات التلفزيونية والإذاعية للتشجيع على المشاركة في التصويت جاءت أحيانا باهتة وبعيدة على لغة التونسي البسيط العادي، ولم تثر اهتمام الكثيرين من عامة الشعب.

لقد تعرض الميثاق الانتخابي الذي طرحه الرباعي الراعي للحوار الوطني على الأحزاب المشاركة في جلسة أول أمس إلى قضية المشاركة في الانتخابات ودعا كل الأطراف إلى القيام بجهد في هذا الباب. وهي دعوة بحاجة إلى أفعال وإلى التجسيد على أرض الواقع. ويمكن للرباعي أن يقوم بدور في هذا المجال بشكل جماعي وبشكل منفرد أيضا وذلك من خلال قيام كل منظمة بحث منخرطيها على المشاركة في الانتخابات. كما أنه على العديد من الجمعيات الأخرى التي تتحدث كثيرا ولا تكاد تفعل شيئا مفيدا أن تستفيق من سباتها العميق وأن تقوم بمبادرات في هذا الاتجاه والكف عن لعب دور المتفرج في لحظة هامة وتاريخية ستعيشها البلاد. 

* عن « التونسية »