في ظل التنافس الحادّ بين الرباط والجزائر على الغاز الأفريقي، وبالتوازي مع اتفاق المغرب ونيجيريا على المضي قدماً في إنجاز مشروع أنبوب الغاز "إفريقيا-الأطلسي" الرابط بين البلد الإفريقي المنتج للغاز وأوروبا مروراً بالمغرب، أعلنت الجزائر والنيجر ونيجيريا اتفاقها لبدء وضع "اللبنات الأولى" لتسريع مشروع لمد خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الكبرى (TNGP).
وبدفع من أزمة الطاقة الدولية التي اشتعلت منذ بدء الحرب الأوكرانية أواخر فبراير/شباط الماضي، عاد "المشروع الحلم" الذي يتمثل بأنبوب الغاز العابر للصحراء بين الجزائر والنيجر ونيجيريا لتصدُّر الأضواء، بعد مماطلة استمرت عقدين.
وعلى هامش الاجتماعات التي عُقدت في العاصمة النيجيرية أبوجا خلال الأيام الماضية، أعلن وزراء الطاقة بالجزائر والنيجر ونيجيريا، محمد عرقاب ومهاماني ساني محمدو وتيمبري سيلفا، اتفاقهم على وضع "اللبنات الأولى للدراسات التقنية لتجسيد مشروع الأنبوب العابر للصحراء في "أقرب الآجال"، مع إعلان مواصلة المشاورات على أعلى مستوى لإزالة العراقيل التي قد تعترضه. حسبما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية.
أنبوب غاز عابر للصحراء الكبرى
بعد أن ظلّ على لوحة الرسم لعقدين من الزمن، قرّرت الجزائر ونيجيريا والنيجر في فبراير/شباط الماضي إحياء المشروع المتوقف الذي قُدرت تكلفته بـ13 مليار دولار وقت توقيع إعلان نيامي في عام 2002.
ويبلغ طول خط الأنابيب 4128 كيلومتراً، وسيربط واري في نيجيريا بمحور الغاز الرئيسي في حاسي الرمل في الجزائر، ويمرّ عبر النيجر، بما في ذلك 1037 كيلومتراً في نيجيريا، و841 كيلومتراً في النيجر، و2310 كيلومترات في الجزائر. وقُدرت سعته السنوية بما يصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
يُذكر أن الجزائر ونيجيريا كانتا وقعتا مذكرة تفاهم بشأن خط الأنابيب في عام 2002، لكنها لم تُحرِز سوى تقدم محدود بسبب تأخُّر تمرير قانون إصلاح قطاع النفط في نيجيريا، الذي أُقرّ أخيراً في يوليو/تموز 2021. لكن جذور الفكرة الأولى ترجع إلى سبعينيات القرن الماضي، إذ طُرح المشروع لأول مرة على أنه فرصة لتنويع إمدادات الغاز في الاتحاد الأوروبي.
وفي الاجتماع الذي عقد في أبوجا يوم 20 يونيو/حزيران الجاري، تَعهَّد وزراء الطاقة في الجزائر والنيجر ونيجيريا بتسريع العمل في تطوير خط أنابيب الغاز العابر الصحراء المصمَّم لنقل 30 مليار متر مكعب من الغاز في السنة إلى السوق الأوروبية عبر الساحل المتوسطي الاستراتيجي الجزائري.
فيما اتُّفق على مواصلة المشاورات من خلال الفريق الفني الذي شُكّل في أبوجا، وتكليفه إعداد دراسات الجدوى اللازمة للمشروع. كما اتُّفق على أن يجتمع الوزراء الثلاثة مرة أخرى في موعد أقصاه نهاية يوليو القادم في الجزائر.
حلم إفريقي يسعد الأوروبيين
مع احتداد أزمة الطاقة العالمية الحالية والجهود الأوروبية للتخلص التدريجي من واردات الغاز الروسي، يُنظَر إلى مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء المتوقف على أنه فرصة لاستثمار موارد الغاز الهائلة في نيجيريا والمساعدة على تلبية الطلب الأوروبي.
إذ سيمكّن خط الأنابيب هذا أوروبا من الاستفادة المباشرة من احتياطيات الغاز الكبيرة في الدول الإفريقية الثلاث، وبالتالي تنويع إمداداتها في أعقاب أزمة الطاقة الحالية. في المقابل سيساهم الخط في خلق مصادر إيرادات مهمة لأسواق الغاز الإفريقية.
من جهة أخرى تناقش نيجيريا والمغرب مشروعاً مشابهاً بخط أنابيب يزيد طوله على 5600 كيلومتر يربط البلدين بأوروبا عبر إسبانيا. سيساعد هذا على إيصال الغاز النيجيري إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تتطلع الحكومة في الرباط إلى توفير مصادر جديدة للغاز الطبيعي، بعد أن علّقَت الجزائر العمل في خط أنابيب الغاز إلى إسبانيا عبر المغرب بسبب الخلافات السياسية.
في حديثه خلال اجتماع حول تجديد المشروع في أبوجا، أشار وزير الطاقة النيجيري تيمبري سيلفا، إلى أن اكتمال المشروع تأخر كثيراً، وذكر أن المشروع الذي ظل على لوحة الرسم منذ سنوات، بحاجة إلى تفعيله، لا سيما مع ارتفاع أسعار الغاز بشدة وزيادة الضغط من أوروبا لزيادة الإمدادات إلى القارة على خلفية الحرب الروسية-الأوكرانية، لأن الغاز أصبح سلاحاً في الحرب الدولية.
وأضاف سيلفا: "عند تسخير الغاز من النيجر والجزائر ونيجيريا بشكل صحيح، فسيضيف كثيراً إلى الإمدادات العالمية ويضع القارة على خريطة العالم". وأشار إلى أن "علينا كأفارقة أن نُظهِر للعالم أننا قادرون على العمل معاً وبناء بنية تحتية رئيسية مثل (TNGP) للإشارة إلى أن إفريقيا بلغت سن الرشد، لأن هذا النوع من مشاريع التكامل الإقليمي هو ما يريد العالم رؤيته".
من جانبه أشار وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب في تصريحاته، إلى أن مشروع "TSGP" سيكون له تأثير كبير وإيجابي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان الإفريقية، وأضاف: "يقدم الخط نفسه مصدراً جديداً للإمداد للأسواق التي يتزايد طلبها باستمرار، للمكانة التي سيحتلها الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة في المستقبل، ضمن مساعي تحقيق الحياد الكربوني على المدى القصير".

*عن موقع TRT عربي