مع الحديث على أهمية التركيبة الاجتماعية للمدن والمناطق الليبية في أي انتخابات مستقبلية، يبرز النقاش حول التركيبة الاجتماعية لمدينة بنغازي كونها مدينة مهمة في أي جسم سياسي مستقبلي بسبب حجمها على المستوى والوطني وزيادة عدد ممثيلها أكثر من غيرها بعد طرابلس، وفي هذه النافذة، تسلط بوابة إفريقيا الإخبارية الضوء على مدينة بنغازي الكبرى بصفتها ثاني أكبر المدن الليبية وعاصمة إقليم برقة شرق البلاد.

أول ما يرد في الذهن عند الحديث عن مدينة بنغازي هو النفوذ القبلي تاريخيا على الأرض، حيثا تعتبر مدينا بنغازي من المنطلق القبلي التاريخي أرضا لقبيلة العواقير، إحدى أكبر قبائل برقة بصفة خاصة وليبيا بصفة عامة، حيث يعود تصاعد نفوذ هذه القبيلة في منطقة بنغازي الكبرى إلى فترة ما قبل القرن الثامن عشر عقب ما عرف تاريخيا بحرب الجوازي والعواقير المشهورة.

ولا يزال المكون الاجتماعي العقوري جزء أصيلا وأساسيا من تركيبة المجتمع البنغازي المتنوع، وقد شهدت المدينة عبر تاريخها من قبل فترة الجهاد، وفترة النظام الملكي، وفترة نظام القذافي وما بعده تقلد عديد القيادات من قبيلة العواقير لمناصب عليا في تمثيل المدينة والحديث باسمها، وما تكليف عميد بلدية بنغازي الحالي المستشار عبد الرحمن العبار العقوري إلا دليلا آخر على قوة وحضور هذا المكون في المدينة.

إلى جانب قبيلة العواقير، تحضر في مدينة بنغازي مكونات اجتماعية أخرى على غرار قبيلة المغاربة والعرفة والبراعصة والفواخر إلى جانب قبيلة العبيدات الكبيرة، كما تحضر أيضا قبائل هاجرت من غرب ليبيا في الماضي على غرار قبائل مصراتة بمختلف تركيباتها من عرب وشركس، إضافة إلى قبائل ورفلة والفواتير وغيرهم، وما يميز مدينة بنغازي عن سواها هي التناغم والتعايش والانصهار بين هذه المكونات كافة، حتى أطلق على المدينة اسم "رباية الذايح"، نظرا لترحيبها بالغريب واحتضانها له ضمن أهلها وساكنيها.

أما على مستوى بنغازي الكبرى، فيغلب عليه الطابع القبلي البرقاوي بشكل واضح، حيث يحضر هذا الطابع في مناطق هلال بنغازي ابتداء من منطقة توكرة شرقا مرورا بمدينة الأبيار، ومن ثم مدينة سلوق، وانتهاء بمدينة قمينس الساحلية، حيث تمثل هذه المناطق نصف دائرة حول مدينة بنغازي.

وإذا انطلقنا من ضاحية توكرة على الساحل الشرقي لمدينة بنغازي فنجد أن المكون الغالب فيها هو لقبيلة العواقير دون منازع، حيث تسكن توكرة والمناطق الصغرى جنبها أفخاذ العواقير من عبادلة وخفيفات وماضي ونجم وغيرهم، أما في مدينة الأبيار في الجنوب الغربي لبنغازي فنجد أفخاذا أخرى من قبيلة العواقير تتمثل في القطارنة والعمارنة وبعض العوائل الأخرى، إلى جانب فخذ البدور في المليطانية وجيرانهم من أبناء عمومتهم.

أما بالاتجاه إلى الجنوب الغربي لمدينة بنغازي وتحديدا بلدية سلوق، فنجد مكون العواقير حاضرا بقوة أيضا متمثلا في عائلتي سديدي وإبراهيم، غير أنهم يتقاسمون النفوذ مع قبيلة أخرى هي قبيلة الفواخر من المرابطين في برقة إحدى قبائل بني سليم العربية في ليبيا، حيث يسكن سلوق أفخاذ الفواخر من عائلة أولاد أم شيبة بتركيباتهم؛ بوعلي، والأجيرب، وعباس، وعلي، وبوزويدة، إضافة إلى عويدات وتوزر. وهي نفس المكونات في مناطق السلك والجحف جنوب سلوق، إلى جانب جيرانهم من قبيلة العوامة في مسوس، والشهيبات في وادي الباب، والجملة في الطيلمون، إضافة إلى اسعيط ومعدان في جردينة.

في غرب بنغازي تبرز علينا مدينة قمينس الساحلية، وهي أيضا موطن تاريخي لقبيلة العواقير، غير أن الطابع القبلي يعتبر أقل ظهورا في قمينس مقارنة بسلوق والأبيار وتوكرة، حيث يتعايش في المدينة خليط من قبائل العواقير والجملة والفواتير والمصاريت وورفلة وغيرهم.

مدينة بنغازي، والتي كانت العاصمة المشتركة السابقة لليبيا حسب دستور استقلال ليبيا العام 1951، أصبحت بفضل هذا التنوع الديموغرافي إحدى أهم المراكز الثقافية في البلاد وفي شمال إفريقيا، حيث أنجبت المدينة قامات ثقافية من مختلف هذه المكونات مثل الأديب والكاتب خليفة الفاخري، والأديب والفيلسوف الصادق النيهوم، وأول مذيعة في ليبيا  "بنت الوطن" الراحلة خديجة الجهمي، والكاتب والفنان التشكيلي والمصور فتحي العريبي، والشاعر عبدالسلام قادربوه، وأخرون كثر.