شهدت الساحة الليبية خلال عام 2020، عدة تطورات على جميع الأصعدة وعاش الليبيون خلال هذا العام على وقع الصراعات المتكررة التي زادت جائحة كورونا من وطأتها اضافة الى استمرار الأزمات الاقتصادية التي أثرت على الوضع المعيشي للمواطن.كما شهد العام تحركات دولية خففت من حدة الصراعات وفتحت الباب أمام المفاوضات بين الفرقاء ليتجدد الامل في تسوية طال انتظارها.
على المستوى السياسي،،شهد العام 2020 تحركات مكثفة لاحتواء الأزمة الليبية كانت بدايتها مع مؤتمر برلين للسلام من أجل ليبيا الذي احتضنته العاصمة الألمانية في شهر كانون الثاني، بحضور الفرقاء الليبيين اضافة الى الدول المؤثرة في الصراع الليبي وهي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وروسيا، وفرنسا، والصين، وتركيا، وإيطاليا، والإمارات، ومصر، والجزائر، والكونغو.
ودعا المؤتمر الى توحيد المؤسسات الليبية، ووقف التدخلات الخارجية، واحترام حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، ووقف إطلاق النار.كما نص على ثلاث مسارات لحل الأزمة: المسار العسكري وذلك بتشكيل "لجنة عسكرية" مؤلفة من 10 ضباط، خمسة عن كل جانب، تحدد آليات تنفيذ وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى نزع سلاح المليشيات في ليبيا وتفكيكها وإعادة إطلاق مسار المصالحة.
والمسار الثاني سياسي أفضى فيما بعد للاتفاق على الانتخابات العامة 24 ديسمبر/كانون أول 2021.أما المسار الثالث فكان اقتصاديا، وتم بموجبه إعادة إنتاج النفط ومحاولات توحيد المصرف المركزي وسعر الصرف وإصلاحات أخرى.
وعقب ذلك انطلقت المباحثات في المسار الاقتصادي حيث استضافت العاصمة المصرية القاهرة، في 9 و10 فبراير/شباط 2020،أولى جولاتها.شارك باللقاء 28 خبيرًا اقتصاديًا وماليًا، وتم التوافق خلالها على تشكيل ثلاث لجان وهي: اللجنة المصرفية وتعنى بمعالجة الانقسام في الجهاز المصرفي وما يتبعه من مسائل، ولجنة توزيع الإيرادات العامة بعد الجدل الذي دار حول سوء إدارة المال العام، ولجنة الإعمار والتنمية.
وتزامن ذلك مع انطلاق محادثات المسار العسكري من خلال اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)،والتي عقدت في الأسبوع الأول من فبراير/شباط 2020، في مدينة جنيف بسويسرا، وانتهت باتفاق طرفي النزاع الليبي على وقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى البلاد وإخراجهم من الأراضي التي دخلوها.
وفي الأثناء كانت التدخلات التركية قد تصاعدت وتيرتها في ليبيا،فمنذ بداية العام شهدت الأراضي الليبية تدفقا متزايدا للمرتزقة الموالين لأنقرة من سوريا الى ليبيا لدعم قوات حكومة الوفاق ضد قوات الجيش الليبي.كما استمرت تركيا في نقل شتّى أنواع العتاد والسلاح وتهريبه الى ليبيا، مما ساهم في زيادة تأجيج الانقسام في الداخل الليبي ومنع أي تسوية سياسية قادمة.
وبدت أطماع تركيا تتوضح مع توقيعها مذكرة التفاهم مع حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج حول التعاون الأمني والعسكري وترسيم الحدود البحرية، والتي شكّلت حجر الأساس للوجود التركي في ليبيا وأثارت جدلا واسعا داخليا وخارجيا. واعتبر كثيرون أن تركيا تعمل جاهدة على تعزيز نفوذها  شرق البحر المتوسط ما يهدد دول المنطقة عموما.
وعلى وقع تزايد التدخل التركي والدعم الكبير الذي تقدمه لحكومة الوفاق شهدت ليبيا تطورات عسكرية كان أبرزها سقوط قاعدة "الوطية" الجوية التي كانت خاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي،ومثل هذا السقوط منعرجا بالغ الخطورة ومتوقعًا بالنظر الى حجم الضربات الكثيفة التي شنتها طائرات من غير طيار تركية، وكانت تستهدف بشكل يومي امدادات السلاح ومخازنها داخل هذه القاعدة.
تلا ذلك تراجع الجيش الوطني الليبي وسقوط أغلب مدن الغرب الليبي في يد المرتزقة الموالين لتركيا وكان آخرها مدينة ترهونة التي كانت تمثل ابرز مناطق تمركز القوات المسلحة الليبية.وشهدت ترهونة وغيرها من مدن الغرب الليبي انتهاكات واسعة ارتكبتها المليشيات ومرتزقة تركيا لقيت تنديدا محليا ودوليا واسعا وألقت الضوء على حجم المؤامرة التركية على أمن البلاد.
  ومع هذه التطورات تحولت عين تركيا الى الشرق الليبي والموانئ النفطية التي تمثل أبرز أسباب اصرار الرئيس التركي على حشر أنفه في الشأن الليبي.وعملت أنقرة على التحشيد على أطراف مدينة سرت  كونها مفتاح السيطرة على منطقة "الهلال النفطي" في ليبيا ، والتي تساهم بنسبة 60٪ من صادرات النفط الليبية.ومدينة سرت التي لديها حقول نفط مهمة ومرافق تحميل الناقلات،ذات أهمية عسكرية أيضًا،كونها مدينة حامية تسمح بالسيطرة على الساحل الليبي بين طرابلس إلى الغرب وبنغازي من الشرق.
لكن أطماع أردوغان اصطدمت برفض مصر التي أكدت أن منطقة سرت-الجفرة خط أحمر.ففي 20 يونيو 2020، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن أي تدخل من الجانب المصري في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية، خاصة مع مواصلة دول خارجية عمليات تسليح المليشيات المتطرفة، مشيرا إلى أن "سرت والجفرة خط أحمر"، وأن جاهزية القوات المسلحة المصرية للقتال صارت أمرا ضروريا.
وفي 24 يونيو/ حزيران،أكد المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، أن الشعب الليبي سيطلب رسميًا من مصر التدخل بقوات عسكرية إذا اقتضت ضرورات الحفاظ على الأمن القومي الليبي والأمن القومي المصري، وذلك دفاعا شرعيًا عن النفس حال قيام الميليشيات الإرهابية والمسلحة بتجاوز الخط الأحمر الذي تحدث عنه الرئيس السيسي ومحاولة تجاوز مدينتي سرت أو الجفرة.
وعقب هذا التوتر الكبير شهدت ليبيا حدثا هام في آب 2020 حين تمّ الإعلان عن قرار وقف إطلاق النار الصادر في بيانين عن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ورئيس مجلس النواب شرقي ليبيا عقيلة صالح.ومثل هذا الاعلان منعرجا جديدا في المشهد الليبي حيث فتح الباب أما عودة المفاوضات والاجتماعات بين الفرقاء الليبيين برعاية أممية ودولية لحل الأزمة ساسيا.
ففي 6 سبتمبر/أيلول 2020،انطلقت في مدينة بوزنيقة بضواحي العاصمة المغربية الرباط، جولة من الحوار الليبي بين وفدين من طرابلس وطبرق.واتفقت خلالها الأطراف الليبية على المناصب السياديّة، وتأجيل البت في منصب محافظ البنك المركزي، والاتفاق على آلية اختيار رؤساء ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية وهيئة مكافحة الفساد، دون تحديد أسماء على أن ينقل كل فريق هذه التفاهمات إلى مجلسه لكي يصدر بشأنها القرار المُناسب.
وبالتزامن مع حوار بوزنيقة، عقد ممثلو الفعاليات الليبية الأساسية في 10 سبتمبر/أيلول 2020، اجتماعًا في مدينة مونترو السويسريةوأوصى المشاركون بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مواعيد لا تتجاوز 18 شهرا، والعمل على مسار المصالحة الوطنية والاجتماعية، وإنهاء ظاهرة الاحتجاز غير القانوني والإدانة لأسباب سياسية، وتفعيل قانون العفو عن السجناء السياسيين، والعمل على العودة الآمنة للمبعدين والنازحين.
وفي 29 سبتمر/أيلول 2020،اجتمعت قيادات عسكرية وأمنية ليبية تمثل شرقي وغربي البلاد، بمدينة الغردقة المصرية، اتفق خلاله الفرقاء، على تشكيل هيئة عسكرية مشتركة تضم جميع الليبيين، وتوزيع المناصب العسكرية بحسب الأقاليم الليبية، ضمن خطط دمج أبناء ليبيا في مؤسسة عسكرية موحدة، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية المختلفة.
‎بعد أيام من لقاء الغردقة، احتضن المغرب الجولة الثانية من حوار بوزنيقة في الفترة بين 2 و6 أكتوبر/تشرين أول 2020، ووقع وفدا مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة، مسودة اتفاق بشأن معايير اختيار شاغلي المناصب السيادية في ليبيا.وتتمثل المؤسسات السيادية في محافظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات ورئيس المحكمة العليا والنائب العام.
وتواصلت بعد ذلك الاجتماعات في غدامس الحدودية مع الجزائر حيث ناقشت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة بنود تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار،كما شهدت تونس أولى جلسات الحوار بين الفرقاء الليبيين، في الفترة بين 9 و16 نوفمبر/تشرين 2020، بإشراف أممي، واتفق المجتمعون على تحديد تاريخ إجراء الانتخابات الوطنية يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021.
ويكشف تعدد المبادرات رغبة دولية في سد حالة الفراغ السياسي في ليبيا، وذلك بالعمل على التقريب بين وجهات النظر للأطراف المختلفة، وتعزيز مسار التحول الديمقراطي والاتفاق على شكل العملية السياسية والدولة.ويترقب الليبيون ما ستسفر عنه التحركات الدولية والجهود التى تبذلها لإنجاح الاتفاق السياسى ودفع كافة الأطراف للالتزام بالعملية السياسية بعيدا عن التصعيد العسكرى الذى لن يكون حلا للأزمة الراهنة التى تعصف بأمن واستقرار البلاد، إضافة لمساعدة البلاد فى المرور من الازمة السياسية العاصفة التى تهدد البلاد.