كان تيار الإسلام السياسي الرابح الأكبر من انتفاضات الربيع العربي التي انطلقت في 2011 وأطاحت بعدد من الحكام العرب من سدة الحكم. لكن الأمور سرعان ما تغيرت في عام 2013 الذي شهد تآكلا واضحا في مكاسب هذا التيار خاصة بمصر أكبر الدول العربية سكانا، وفي تونس مهد انتفاضات الربيع العربي وكذلك في ليبيا.

 ففي مصر، فازت جماعة الإخوان المسلمين في خمسة انتخابات أجريت بعد سقوط حسني مبارك في انتفاضة 2011 ، وانتخب محمد مرسي المنتمي للجماعة رئيسا للبلاد ليتولى السلطة في يونيو 2012.

أخونة الدولة تطيح بإخوان مصر

لكن في عام 2013 ومع تدهور الوضع الاقتصادي وتزايد الصراع مع المعارضة الليبرالية التي كانت تشكو من سعي جماعة الإخوان للسيطرة على مفاصل الدولة فيما عرف آنذاك بمصطلح "أخونة الدولة" زادت حالة الاحتقان والاستقطاب السياسي في البلاد.

وفي الثالث من يوليو ، أعلن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي تحت ضغط الشارع انتهاء المهلة دون التوصل لحل، وأعلن خارطة للطريق تضمنت عزل مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور رئيسا مؤقتا للبلاد وتشكيل حكومة مؤقتة. كما تضمنت الخارطة تعطيل العمل بالدستور وتشكيل لجنة مؤلفة من 50 شخصا لتعديله.

وفي ديسمبر 2013 اتهمت الحكومة جماعة الإخوان بالوقوف وراء هجوم انتحاري استهدف مديرية أمن الدقهلية في مدينة المنصورة شمالي القاهرة وقررت الحكومة إعلانها "جماعة إرهابية".

النهضة تستبق "سيناريو مصر" بتقديم تنازلات

ولم يكن الوضع في مصر غائبا عن بال حركة النهضة الاسلامية في تونس التي قدمت العديد من التنازلات السياسية في 2013 خشية تكرار ما حدث في مصر على ما يبدو.  واستقالت الحكومة الائتلافية التي تقودها الحركة بقيادة حمادي الجبالي يوم 19 فبراير بعد تزايد الاحتجاجات في أعقاب اغتيال المعارض البارز شكري بلعيد في السادس من فبراير .

وأدت حكومة جديدة برئاسة علي العريض المنتمي أيضا للنهضة اليمين يوم 14 مارس. وعقب تولي العريض قتل عدد من أفراد قوات الأمن في هجمات بألغام في منطقة جبل الشعانبي قرب الحدود مع الجزائر.

وساء  الوضع  بالنسبة للنهضة بعد اغتيال معارض اخر وهو محمد البراهمي أمام منزله في أريانة يوم 25 يوليو الذي يوافق الاحتفال بعيد الجمهورية. وتلا الحادث موجات احتجاجية للمطالبة باستقالة الحكومة ومن بينها اعتصام أمام المجلس التأسيسي وهو ما دفع أربع منظمات كبرى في البلاد لإطلاق مبادة للحوار الوطني وهي اتحاد الشغل واتحاد الأعراف ورابطة حقوق الانسان وعمادة المحامين. وتوافقت أغلب الأحزاب على هذه المبادرة ووقعت في الرابع من أكتوبر على خارطة طريق تضمنت استقالة حكومة العريض دون المساس بالمجلس التأسيسي وبرئاسة الجمهورية. وانطلق الحوار الوطني يوم 25 أكتوبر بعد أن تعهدت حكومة العريض بالاستقالة كتابيا.

وبعد مناقشات صعبة تعثرت مرارا أعلن مساء 14 ديسمبر عن اختيار مهدي جمعة وزير الصناعة في حكومة العريض ليشكل حكومة جديدة مستقلة ذات كفاءات لتسيير الأعمال حتى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في 2014.

وقال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التي تتبنى مبادئ فكرية مقربة من جماعة الإخوان المسلمين في مقابلة تلفزيونية في أواخر نوفمبر إن الموافقة على استقالة حكومة العريض لا تعني خروج الحركة من الحكم "لأن الحكومة ستكون حكومة الجميع".

تطورات مصر تنعكس على لييبا

 وكانت نهاية عام 2012 غير سعيدة لتيار الاسلام السياسي في ليبيا بعد فوز تحالف  القوى الوطنية الليبرالي بأكثرية مقاعد المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الذي اختار السياسي الليبرالي علي زيدان رئيسا للوزراء. ورغم ذلك شارك حزب العدالة والبناء المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا في حكومة زيدان ممثلا بخمسة وزراء من أصل 24 وزيرا وهي وزارات النفط والاقتصاد والكهرباء والإسكان والشباب والرياضة.

وكما هو الحال في تونس كان للأوضاع في مصر انعكاسا في ليبيا.. فقد هاجم محتجون مناهضون للجماعة عدة مكاتب ومقار لحزب العدالة والبناء في مناطق متفرقة في ليبيا في يوليو. وحذرالمراقب العام للجماعة في ليبيا من محاولة استدعاء المشهد المصري باقصاء الاخوان من الحياة السياسية في ليبيا وقال إن ذلك سيؤدي إلى نتائج "كارثية".

ورغم تراجع دور الجماعة إلا أنها تسعى على ما يبدو إلى استغلال العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها حكومة زيدان.. ودفعت الأزمات السياسية والأمنية المتلاحقة محمود جبريل رئيس الوزاء السابق ورئيس تحالف القوى الوطنية لطرح مبادرة جديدة تسمى "مبادرة الإنقاذ الوطني" في محاولة للخروج من الازمة.