تشهد العلاقات المصرية  التركية راهنا تدهورا غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين ، التي تعود الى القرن التاسع الميلادي  ، وهو تدهور مرشح حسب عديد المحللين الى  مزيد التصعيد  في الفترة القادمة اذا تمسك كل طرف بموقفه .

فلماذا حصلت القطيعة بين البلدين وماهي التداعيات الاقتصادية والسياسية على الطرفين ، وخاصة مصر ، بعد تدهور العلاقات بين البلدين اثر  عزل الرئيس السابق محمد مرسي؟

وما هي الرسالة التي أرادت قيادة مصر الجديدة  أن تبلغها للعالم من خلال اقدامها على هذه الخطوة مع تركيا ؟ ولماذا هاجمت أتقرة قرار غالبية الشعب المصري وعملت على تشويه القيادة الجديدة في الخارج ؟

  تبدلت العلاقات المصرية التركية بعد عزل الرئيس محمد مرسي في يوليو/ تموز الماضي عام 2013 ووصل الخلاف مع تركيا إلى ذروته بسرعة قياسية بعد قرار الحكومة المصرية بطرد السفير التركي واعتباره شخصاً غير مرغوب به في مصر، وتخفيض مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى القائمين بالأعمال. وهو قرار سرعان ما ردت عليه تركيا باستدعاء القائم بالأعمال المصري، وابلاغه طرد السفير المصري من تركيا، المتواجد أصلاً في مصر منذ ١٥ أغسطس/آب من نفس العام ، وذلك بالتزامن مع اكتفاء الرئيس التركي عبد الله جول في تصريحات تلفزيونية بالتعليق على الخطوة المصرية بالقول "أتمنى أن تعود علاقتنا مرة أخرى إلى مسارها ." وقد بررت الحكومة المصرية قرارها بتصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حيال الوضع المصري، حيث وجه انتقادات حادة للسلطة الجديدة في مصر، وجدد وصفه لما حدث في مصر بعد الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي بالانقلاب العسكري. . ووصفت الحكومة المصرية هذه التصريحات بأنها "تدخل غير مقبول في الشؤون الداخلية لمصر واستفزاز"، كما قال المتحدث باسم الوزارة بدر عبد العاطي لوكالة فرانس برس، متهماً تركيا بمحاولة تأليب الرأي العام العالمي ضد النظام المصري. لكن ماالذى جعل مصر تقدم على هذه الخطوة الاستباقية فى قطع العلاقات الدبلوماسية مع تركيا ؟ أعتقد أن أهمها على الاطلاق تصريحات أردوغان بوصف ما حدث فى مصر على أنه انقلاب وليس ثورة. فاستمرار تصريحات أردوغان ووصف مصر بـ"دولة البلطجية" وإشارته المتكررة بـ"إشارات رابعة"، باعتباره الشعار الذي "صنع وصمم" في تركيا، يؤكد أن رئيس الوزراء التركي لن يعطي فرصة للبعض من فريق حكومته لتهدئة التوتر غير المسبوق الذي تشهده العلاقات المصرية التركية، بما يدفع مصر إلى التشدد من جانبها ورفض عودة السفير المصري إلى أنقرة، فضلا عن رفض زيادة عدد أعضاء البعثة الدبلوماسية التركية في مصر إلى 90 عضوا، تحسبا لأن يكون ذلك مرتبطا بالرغبة في تكثيف التواجد الاستخباراتي التركي في مصر. هذه التطورات تنقل العلاقات من موقع التوتر المتصاعد إلى موضع المواجهة المحتملة، فتركيا أعادت سفيرها بالقاهرة ولم تُسمِ سفيرا جديدا، لكون السفير حسين عوني يعي جيدا طبيعة المشهد المصري ولديه علاقات سياسية وشخصية مع أغلب قيادات حركة الإخوان، ويستطيع أن يشكل حلقة وصل بين الحكومة التركية وأعضاء جماعة الإخوان، على نحو يعكس الإصرار التركي أن تشكل لاعبا مركزيا على الساحة المصرية، وهو ما قد يدفع بالتصعيد من جانب مصر. وعلى جانب آخر، فإن انتقال حالة المواجهة إلى الساحة الشعبية، خصوصا بعد الانتقادات التي وجهها رئيس الحكومة التركية إلى شيخ الأزهر، قد يعكس من ناحية تغير المزاج الشعبي والصورة النمطية لتركيا لدى قطاعات عريضة من المواطنين المصريين، وهو ما تجلى في تدشين مبادرات شعبية وإعلامية عديدة لمقاطعة المنتجات والأعمال الدرامية والسياحة في تركيا، ومن ناحية أخرى فإن ذلك يظهر تحول أردوغان من "الزعيم الملهم" إلى "الزعيم المتغطرس" الذي يسعى إلى النيل من استقرار مصر، خدمة لأغراض غربية، وهو ما عبر عنه، أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية المصري وقد أكد محمد رماح المتخصص في شؤون العلاقات المصرية الخارجية : إن ثمة احتمال أن تكون الحكومة المصرية قد اتخذت قرارها ليس فقط بسبب تصريحات رجب أردوغان الأخيرة، بل قد يضاف إلى ذلك مؤتمر كانت قد استضافته تركيا ناقش أوضاع حقوق الإنسان في مصر في ظل السلطة الحالية. ووفقاً لرماح، لم يصل التدهور في علاقات البلدين بعد إلى ذروته، وخصوصاً أن ما تم كان فقط تخفيضا للعلاقات وليس قطعها. وأشار إلى أن "ثمة اجراءات لا يزال بإمكان الحكومة المصرية اتخاذها، ولو تدريجياً، إذا استمر تدهور العلاقات بين البلدين على هذا النحو. أما وزير الخارجية الأسبق/ محمد العرابي ورئيس حزب المؤتمر المصري ، فانه رأى أن الخطوة التي اتخذتها مصر هي تعبير مشروع عن الاستياء من أداء الحكومة التركية، لافتاً إلى أن الأمر "ربما يتضمن بعض الخسائر التي قد تتكبدها مصر من جراء تخفيض مستوى العلاقات مع تركيا، ولا سيّما وأنها المرة الأولى التي يصل فيها التدهور في العلاقات بين البلدين إلى هذا الحد". لكن العرابي قلل من أهمية كلفة هذا التصعيد قائلاً "ليس هناك ما يساوي أهمية وقف التدخل في شؤوننا الداخلية". وأَضاف "تمثل تلك الخطوة أهمية قصوى على صعيد توجيه رسالة لدول العالم كله مفادها أن مصر لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية، على نحو يضع تلك الدول أمام ضرورة الاختيار بين الاستمرار في محاولة التدخل أو استمرار العلاقات مع مصر. ". في المقابل، ذهب عادل سليمان/ أستاذ العلوم الاستراتيجية ، إلى اعتبار أن هذه الخطوة "شديدة الحدة، يبدو معها أن مصر اتخذت قرارها المتسرع هذا تحت ضغوط عصبية في المقام الأول" وأوضح أن القرار بُنيت مبرراته على العلاقات الوطيدة بين تركيا ونظام الرئيس (المعزول) مرسي، وتجاهلت الحكومة ما قد يسفر عنه قرارها من خسائر على الصعيد الاقتصادي في ظل العلاقات الوطيدة بين البلدين في هذا السياق"، على عكس التعاون في المجال العسكري بين البلدين البسيط والذي ينحصر في تدريب يجري كل سنتين بخلاف مشاركة تركيا في مناورات النجم الساطع، التي تضم مصر والولايات المتحدة. . وحول التبعات الاقتصادية بعد هذا التصعيد، يقول عادل لمعي رئيس مجلس الأعمال المصري التركي إن الأمر "يبدو أكثر تعقيداً، ولا سيّما على خلفية التباطؤ الاقتصادي في مصر"، معللاً ذلك بأن "حجم الاستثمارات التركية في مصر يصل إلى نحو مليار ونصف مليار دولار في شركات تضم 52 ألف عامل وموظف مصري ، لمعي رفض التعقيب على قرار الحكومة المصرية بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع تركيا، لكنه نفى " أن تكون الحكومة المصرية قد استشارت المجلس قبل اتخاذ قراره وأكد على أن مجلسه "يسعى في الأساس للتأكيد على فصل الشقين الاقتصادي والسياسي في سياق العلاقات مع تركيا"، مشيراً إلى "لقاء ضم أعضاء في المجلس مع وزير التجارة والصناعة المصرى قبل نحو شهر للتأكيد مسبقاً على هذا المعنى، ولا سيّما أن المستثمرين الأتراك في مصر هم جزء أصيل من نسيج الشعب التركي بينما الأزمة يجب أن تنحصر في أداء الحكومة التركية فحسب" على حد تعبيره. . وأشار عبد الاله بن سعود السعدون المحلل السياسي المختص بالشؤون التركية والعربيَّة بقوله: أن رد الفعل التركي جاء مفاجئًا لكل القوى العربيَّة السياسيَّة بمعاداة ثورة الشعب المصري ووصفها بالانقلاب العسكري والمطالبة بشرعية الصندوق الانتخابي لصالح عودة الرئيس المعزول محمد مرسي ، إن الشعب العربي كله يتمنى من الحكومة التركية أن تعيد حساباتها وتتراجع عن مواقفها المؤيِّدة لجماعة الإخوان المسلمين الذي ثبت انتحارها سياسيًّا ومعاداتها للشعب المصري الثائر واحترام القرار السياسي لشعب مصر وسيادة الدَّوْلة والاتجاه نحو استعادة الأخوة العربيَّة التركية المتأصلة.

وتتباين وتقترب قراءات المحللين السياسيين المصريين والأتراك للخلاف الذي يعصف بعلاقة البلدين، فيذهب المصريون  الى ترجيح كفّة تصاعد التوتر على نحو يضاعف خسائر تركيا، وهو ما لا يقرأه الأتراك الذين يرفضون مقولة ان هناك تدخلا لأنقره في الشأن المصري. ويرى الدكتور مصطفى اللباد/ خبير الشؤون والعلاقات التركية- العربية ومدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية بالقاهرة: أن في مقدمة خسائر تركيا، هو تراجع نفوذها الإقليمي بعد إسقاط حكم حركة الإخوان المسلمين، الأمر الذي يقوض مساعي أنقرة لبلوغ مرحلة "الدولة القائد" في المنطقة.  

أما المحلل السياسى التركى/ محمد فاتح أوقومش، فيرى أن وصف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لأحداث رابعة العدوية بـ"المذبحة"، لا يعد تدخلا في الشأن المصري. وقال"إن دور انقرة كان يمكن ان يكون اكثر ايجابية، لو اتخذت موقفا حياديا مع رفض تدخل العسكر في العملية الديمقراطية"، لافتا الى انه كان ممكنا أن تلعب تركيا دورا وسيطا بين أطراف الصراع المصري، لأن مصر اليوم تحتاج إلي وسيط قوي وأمين". وقد اعتبر محمد عبدالقادر خليل الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، أن فصول التوتر في العلاقات المصرية مع تركيا لم تتجل بعد، إذ إنها مرشحة للتصعيد على نحو أوضح وأكبر خلال الفترة المقبلة، مضيفا أن العلاقة باتت طردية بين استقرار مصر وتوتر العلاقات مع تركيا. ولفت إلى أن القيادة المصرية باتت تدرك نمط الدور السلبي الذي لعبته تركيا على الساحة المصرية المحلية في مواجهة مؤسسة الجيش المصري، وعلى الساحة الخارجية من خلال محاولة نزع الشرعية عما قام به القائد العام للقوات المسلحة المصرية، عبر الترويج دوليًّا وإقليميًّا بأن ما قام به الفريق أول عبدالفتاح السيسي يمثل انقلابًا على رئيس مدني منتخب، دون أن تأخذ في اعتبارها التداعيات السلبية المحتملة لاستمرار مرسي في الرئاسة على حالة السلم والأمن الداخلي، وهو الملف الذي تُعنى به القوات المسلحة المصرية تاريخيًّا قبل غيرها من المؤسسات، ومن ضمنها حتى مؤسسة الرئاسة.