منذ ثلاث سنوات التحق مئات من الأوروبيين الشباب ذكورا وإناثا بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق و سوريا (داعش). و في الأغلب الأعم قد تم جذبهم و غسل أدمغتهم ثم تجنيدهم عن طريق    الشبكة العنكبوتية. و قد باتوا يمثلون خطرا حقيقيا على بلدانهم الأصلية في حالة عودتهم. و هي ظاهرة تقلق الرأي العام في فرنسا على وجه الخصوص نظرا لعدد المغادرين و صغر سنهم إذ نجد من بينهم من لم يتعد عمره أو عمرها الــ 14 سنة، و قد ازداد التخوف إثر الجريمة الإرهابية التي هزت باريس و العالم كله في بداية سنة 2015 و التي راح ضحيتها 17 فرنسيا و فرنسية على يد إرهابيين بعضهم تلقى تكوينا عسكريا تحت إشراف مجموعات إرهابية إسلاموية خارج فرنسا، في اليمن  و باكستان و أفغانستان.                                               

 وجدت الإعلامية الفرنسية "آنا إيرال " نفسها  في قلب هذه الإشكالية منذ مدة حيث نشرت كثيرا من المقالات حول الإسلاموية و خاصة مسألة الشبان القصر المغرر بهم و قد التقت ببعضهم و حاورت أولياءهم. "كنت محتاجة للذهاب إلى أبعد، كنت أريد أن أفهم،  أحس ما يعيشه هؤلاء الشبان الذين كثيرا ما اقتربت منهم و الذين تبتلعهم الدعاية الإسلاموية التي تجتاح الشبكة العنكبوتية. كيف يمكن لطفلة تبلغ من العمر 14 سنة سواء كانت من عائلة مسلمة، علمانية، كاثوليكية أو يهودية أن تتطرف في مدة لا تزيد عن شهر."                                                   

                                                                                     

لمحاولة التعرف عن قرب على طريقة التغرير بهؤلاء المراهقين واستدراجهم للقتال في سوريا و استغلال المراهقات جنسيا، كانت  الصحفية الفرنسية الشابة  تتجول منذ أشهر في فضاء الانترنيت تحت اسم مستعار علها تصل إلى معلومات وتتعرف على تفاصيل قصص بعض الشبان  الفرنسيين الذين سافروا إلى سوريا ولاكتشاف كيفية اشتغال الشبكات الجهادية التي جندتهم و من هؤلاء الذين يقفون خلفها؟                                                                                                                        

و لحسن حظها تعرفت عن طريق الفايسبوك على قائد كتيبة من كتائب داعش المقاتلة في سوريا بل هو الذي حاول خداعها معتقدا أنها صيد طيع ، و لم يمر يومان حتى عبّر لها الإرهابي أبو بلال و هو فرنسي من أصول جزائرية  عن حبه لها و طلب منها أن تلتحق به كزوجة و راح يعدها بحياة نعيم في سوريا. وهي فرصة نادرة استغلتها الكاتبة لمحاولة سبر أغوار نفس هذا المروّج للإرهاب تحت اسم الجهاد و لتقف على أساليب الجهاديين على الشبكة العنكبوتية في استمالة الشباب و خداعهم.  و من مجرد تحقيق كانت تنوي نشره في صحيفتها ساقها هذا اللقاء إلى مغامرة  مهنية خطيرة حكتها في 257 صفحة تحت عنوان" في جلد جهادية، تحقيق في قلب شبكات تنظيم داعش التجنيدية".                                                                                         

قدمت الصحفية نفسها لهذا الذي يوصف في أوساط داعش على أنه أقرب الجهاديين الفرنسيين لأبي بكر البغدادي،على أنها "ميلاني"، شابة فرنسية في العشرين من العمر اعتنقت الدين الإسلامي منذ مدة قصيرة ضد إرادة أهلها و هو ما أسال لعابه وأصبح دائم الاتصال بها على الفايسبوك و السكايب لمدة شهر كامل. و كي تنطلي عليه الحيلة و تستل منه أكثر ما يمكن من معلومات، باتت ترتكب الأخطاء الإملائية إراديا و ارتدت  الحجاب و حتى الجلباب كلما تواصلت  معه عن طريق  السكايب فيديو و استعملت في حديثها بعض كلمات عربية لإظهار حسن نيتها و استعدادها للقيام بالــ "هجرة " التي يشجعها  عليها : " لك روح جميلة يا ميلاني  و إن مكثت بين هؤلاء الكفار ، ستأكلك نار جهنم". " خلته في بادئ الأمر أبله بعض الشيء"، تقول من جهتها، و لكن بعد استماعها إلى خطاباته الدعائية المتبجحة الكثيرة انتبهت إلى إمكانية افتكاك منه بعض معلومات واعترافات قد تشفي غليلها الصحفي. و ليس هذا فحسب بل تقول أن طموحها قد تجاوز التزاماتها المهنية  و لم يعد، مع مرور الوقت، مجرد كتابة موضوع بقدر ما أصبح همها تخريب ما يفعل هذا المنحرف من مناكر. " لا يمكن أن أنسي الفتيات اللواتي قد يسقطن في فخه، كان علي أن افضح ألاعيبه و أتصدى لخططه الشيطانية."  هنا  نفضل الأوروبيات المعتنقات للإسلام لأنهن أقل برودة جنسية من السوريات، هكذا كان يقول لها ملخصا ما يختلج في نفوس ذئاب داعش من شبق. و لماذا تسأله ميلاني ؟" ما شاء الله، يجيب مبتسما ابتسامته الغادرة، أنتن حازمات في دينكن و في نفس الوقت متفتحات على مباهج الحياة، لستن مثل الكافرات السوريات اللواتي يكتفين بارتداء الحجاب و لكنهن لا يعرفن كيف يسعدن  الرجال!" و في الحقيقة يبحث الجهاديون عن زوجات  لهم على النت لأنهم حينما وصلوا إلى سوريا أدركوا كره السوريات لهم و هذا لا يريدون قوله و لذلك يحاولون جذب المراهقات الأوروبيات بالحديث عن سعادة القيام  بالجهاد و الذود عن المظلومين و غيرها من الأكاذيب.                                                                                               

 و قد دونت الكاتبة حواراتها معه و كل ما باح به  ووقفت بشكل مباشر على قدراته في السيطرة البسيكولوجية على الأبرياء.  "  لكل وظيفته ، حينما تصلين إلى هنا،  ستتابعين برنامجا تكوينيا عاديا إذا لم تكن لديك تجربة سابقة  : دروس في اللغة العربية في الصباح، و تدريب على إطلاق النار في المساء. ستقيمين في  كتيبة جل أفرادها من المفرنسين، بينهم من له تجربة جهادية كبيرة ومن المعرفة ما يكفي للإشراف على إرشادك في أمور دينك. في غضون أسبوعين ، إما أن تصبحي قوية بما فيه الكفاية لمباشرة الجهاد و تلتحقين بجبهة القتال و العمليات السرية . و إما تتخصصين في مجال خاص مثل التجنيد والتجسس المضاد.  كما يمكنك أن تقومي بمهمات نبيلة كزيارة الجهاديين الجرحى في المستشفيات أو توزيع الأدوية على المحتاجين. و يمكنك أن تصبحين داعية و تدرسين القرآن للجهلة. و في الوقت المتبقى لك، أنت حرة في  فعل ما تشائين ، فالحياة جميلة هنا و الأسعار  منخفضة جدا. نحن نقاتل هنا لنعيش سعداء".  كلام معسول يكون قد أغرى به كثيرا من البريئات القاصرات مستغلا عواطفهن و حبهن الحقيقي للعدالة و نصرة المظلوم. و لكن يتلعثم لسان أبي بلال الفرنسي حينما تسأله ميلاني عن حقيقة هؤلاء الذين تجبرهم داعش على القيام بعمليات انتحارية بمجرد أن تكتشف بأنهم ينوون الهروب و العودة إلى بلدانهم في أوروبا؟                                       

 "هذا غير صحيح بتاتا فالانتحاري هو الأقوى. هنا ننظر إلى القوة من زاويتين: الإيمان و الشجاعة. فالذي يفجر نفسه في سبيل الله، ستكون الجنة مكافأته. "بطبيعة الحال هو لا يقول أن الأكثر ضعفا هم الذين يكلفون بالأعمال المضنية التي يحتقرها أقوياء داعش.  و لا  يعترف بأن من فكر  في الهروب من مستنقع داعش عن قرب ستواجهه معضلتين :  فتوى داعشية تكفر كل من فكر في الهروب، وبعض أتراك متواطئين مع الإرهاب يسهلون الدخول إلى سوريا و يمنعون الخروج.                     

ما هو عملك هناك في الشام؟ قتل الناس. هكذا يجيب دون لف و لا دوران! يمكن أن نفعل بالكفار ما نريد، يمكن حرقهم، خنقهم، كلما كان موتهم فضيعا كلما أرضينا الله!                                                                                           

" تردد كل يوم على مسامعي أنك لا تنتظر سوى الفوز بالجنة، تقول له ميلاني ، لماذا لا تنقذ عملية انتحارية أنت أيضا؟" يبقى صامتا مترددا لبرهة ثم يجيب متظاهرا بجدية مصطنعة " لا تزال الدولة الإسلامية في حاجة إلي هنا... لم يأت أجلي بعد ." في انتظار ذلك يطلب منها أن تحضر له معها بعض العطور الباريسية الشهيرة شانيل و ديور، فهل يتعطر قبل أن يقتل الأبرياء؟                                                                     

 

انقلب السحر على الساحر وفضحت الكاتبة استراتيجية التنظيم الإرهابي و طرق خداعه و هكذا مست دجالي الجهاد في كبريائهم و كان طبيعيا أن يتصرفوا التصرف الذي لا يعرفون غيره و هو التهديد بالقتل وهكذا قرأت على النت  تهديدا يقول : " اقتلوها و ليكن موتها بطيئا و أليما، اغتصبوها، ارجموها ."