تسيطر على ليبيا ظروف بالغة التعقيد في ظل تعمق الخلافات القائمة بين أطراف النزاع الداخلية سياسياً وعسكريا ومع أجواء التحشيد والتموضع التي تشهدها العاصمة الليبية منذ أشهر، تنطلق المحاولات الأممية في محاولة لإيجاد حل سياسي في وقت تتواصل فيه سياسة التعنت منذرة بجولة جديدة من الصراع في دولة تعاني منذ سنوات من تداعيات الانقسامات على جميع المستويات.

ومنذ اندلاع الأزمة الليبية في العام 2011،  سارعت الأمم المتحدة للتدخل لحل النزاع الدائر في البلاد. ففي سبتمبر/أيلول من نفس العام،  أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الذي حمل رقم 2009 والذي نص على إنشاء بعثة للدعم في ليبيا،  وإقرار أن تفويض تلك اللجنة هو مساعدة الليبيين في استعادة الأمن العام والنظام،  وتحسين دور القانون،  وتشجيع المصالحة الوطنية،  وتوسيع سلطة الدولة،  واستعادة الخدمات العامة،  وحماية حقوق الإنسان وتحسينها،  واتخاذ الخطوات اللازمة لتعافي الوضع الاقتصادي.

وخلال السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة فيها، تعاقب على ليبيا أكثر من مبعوث أممي،  لكن أغلب تلك المساعي باءت بالفشل وهو ما أثبته الواقع المعاش ويؤكده وبشكل متزايد تصاعد وتيرة الأحداث الدامية، والفوضى العارمة والانعدام الكلى للأمن وغياب كل معالم الدولة في ليبيا،  والذي دفع و لا زال يدفع ضريبته الشعب الليبي بكل شرائحه وفى مختلف المناطق، من موت و دمار و هجرة وتهجير ونزوح متواصل ومتضاعف.

آخر هؤلاء المبعوثين الأمميين كان اللبناني غسان سلامة الذي بدا واضحا أنه يسعى جاهدا إلى إبعاد شبهة التحيز لطرف ليبي على حساب آخر.حيث انخرط في لقاءات ومشاورات داخلية وخارجية،  انتهت بإعلانه وعلى هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك،  خارطة عرفت باسم "الخطة الأممية" في 20 سبتمبر/أيلول من العام 2017،  تستوعب في جزء منها الاتفاق السياسي،  لكنها في الوقت نفسه تتجاوزه في مسائل أخرى،  في إعلان ضمني بفشل اتفاق الصخيرات.

وأكد المراقبون،  أن الحرص على التواصل مع كافة الأطراف دونما تمييز،  داخليًا وإقليميًا ودوليًا،  يعد أحد أهم التغيرات في نمط عمل البعثة الأممية لليبيا في ظل ولاية غسان سلامة،  خاصة بعد تواصل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مع أطراف تم إقصاؤها من جولات الحوار السابقة كأنصار النظام السابق،  وهو ما يشير لمحاولة إعادة صياغة دور الأمم المتحدة في ليبيا.

لكن اندلاع الصراعات وتردي الأوضع الأمنية في العاصمة الليبية طرابلس وسط عجز حكومي كبير عن تحجيم نفوذ المليشيات، دفع بالمبعوث الأممي غسان سلامة لانتقاد هذه الأوضاع، وهو ما جعله في مرمى الانتقادات السياسية والاتهامات المتكررة لحكومة الوفاق التي يترأسها فائز السراج، والمليشيات المتحالفة معها.

وكانت بداية التوتر بين المبعوث الأممي وحكومة الوفاق وحلفائها، في أغسطس من العام 2018، حين صعدت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من نبرتها الحادة تجاه الميليشيات المسلحة المتصارعة في العاصمة طرابلس، حيث وجهت للمرة الأولى اتهاماً علنياً ونادراً لحكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج بالتواطؤ عبر وزارة داخليتها مع هذه الميليشيات.

وأعربت البعثة عن "إدانتها الشديدة لأعمال العنف والتخويف وعرقلة عمل المؤسسات السيادية الليبية من قبل رجال الميليشيات"،  الذين يشكلون ما يعرف بـ"كارتيل طرابلس"،  في مقاربة مع وفاق الوطني،  المؤسسات السيادية ويمنعونها من أداء عملها بشكل فعال"،  مؤكدة أن"التدخل في عمل المؤسسات السيادية وفي الثروة الوطنية الليبية أمر خطير ويجب أن يتوقف على الفور".

ولم تحدد البعثة في بيانها أي أسماء،  ولم تذكر هوية الميليشيات التي اتهمتها بالتدخل في إدارة شؤون البلاد،  لكنها دعت في المقابل حكومة السراج إلى "اتخاذ الخطوات اللازمة لمقاضاة المسؤولين عن هذه الأعمال الإجرامية". وأضافت،  أن "الأمم المتحدة ستقدّم تقريراً بهذا الشأن إلى المجتمع الدولي،  وستعمل مع جميع السلطات المختصة للتحقيق في إمكانية فرض عقوبات ضد أولئك الذين يتدخلون أو يهددون العمليات التي تضطلع بها أي مؤسسة سيادية تعمل لصالح ليبيا والشعب الليبي".

وإعتبر مراقبون،  بيان البعثة إعترافا مبطنا بفشل حكومة الوفاق في كبح جماح الجماعات المسلحة الي حاولت شرعنتها. وظاهريًا،  تتبع ميليشيات طرابلس إلى وزارة داخلية حكومة الوفاق،  وتنفذ أوامرها وتدافع عنها من جهة،  من جهة آخرى تمارس كل ما يصب في صالحها،  دون اعتبار لقانون أو عرف أو حقوق إنسان. وتبدأ نشاطات هذه الميليشيات من التجارة غير الشرعية إلى الخطف على الهوية إلى استعباد المهاجرين والمتاجرة بهم،  إلى التحكم في عمليات صرف الأموال من البنوك وقرارات المؤسسات السيادية وحتى ساعات وصول التيار الكهربائي وطرح الأحمال بالقوة.

وفي سبتمبر 2018، شن المبعوث الأممي هجوما حادا على السياسيين في ليبيا حيث قال في كلمته أمام الدورة 39 لمجلس حقوق الإنسان في نيويورك،  إن البرلمانيون الذين انتخبوا في 2012 و 2014 والذين يشكلون مجلسي الدولة والنواب لا يطمحون لشيء سوى البقاء في مناصبهم إلى أبد الآبدين بينما لا يرتقي أداء حكومة الوفاق الوطني المعينة إلى المستوى المطلوب ولا تزال تصارع لإثبات وجودها بينما يسعى الآخرون لسحقها ولكن دون طرح بديل مقنع.

واستنكر مجلس الدولة التابع لحكومة الوفاق تصريحات سلامة هذه، وأفاد المجلس،  في بيان له، أن تصريحات سلامة بشأنهم  تعد منافية للحقيقة،  مشيراً إلى أن ذلك يذكره حق المجلس في مواقفه المستمرة بدعم الاتفاق السياسي وتضمينه دستورياً واستعداده للتوافق مع مجلس النواب لتعديله ولإعادة تشكيل المجلس الرئاسي والسلطة التنفيذية والمناصب السيادية بما ينهي ازدواجية المؤسسات ومساعيه التي لم تتوقف في سبيل التوصل إلى حلول تقود إلى إنهاء المراحل الانتقالية والوصول إلى المرحلة الدستورية.

وأوضح المجلس،  أنه بادر بإصدار قانون للاستفتاء على الدستور وإحالته إلى مجلس النواب ،  معبرا عن رفضه لاستمرار المرحلة الانتقالية أو الانتقال بالبلاد إلى المرحلة الدائمة.وأشار المجلس،  أنه لم يكن يوماً طرفاً معرقلاً لتنفيذ الاتفاق السياسي ولذلك فإنه يرفض ما ذهب إليه رئيس البعثة في تصريحه لمنافاته لحقيقة مواقفه.

وفي الرابع من أبريل/نيسان 2019، اندلعت المعارك على تخوم العاصمة اللليبية طرابلس بعد أن أطلق الجيش الوطني الليبي عملية عسكرية بهدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة في المدينة.وفتحت هذه المعركة الباب أمام العديد من المليشيات والمطلوبين محليا ودوليا للانضمام لحكومة الوفاق مازاد من حدة الانتهاكات والجرائم ودفع المبعوث الأممي الى توجيه انتقاداته لحكومة السراج.

فخلال احاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن الدولي، في 29 يوليو 2019، أكد مبعوث الأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا غسان سلامة، "أن انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان ربما  تكون قد وقعت أثناء اجتياح قوات حكومة الوفاق لمدينة غريان التي كان يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي".مشيرا الى "إن حرب طرابلس تسببت في مقتل أكثر من 1000 شخص بينهم 106 مدنيين".

ودعا سلامة "السلطات في المدينة إلى وقف الأعمال العسكرية في مطار معيتيقة"،  في إشارة إلى استخدام حكومة الوفاق المطار لأغراض عسكرية ما يجعله مستهدفاً من قبل طائرات الجيش ويعرقل حركة الملاحة الجوية فيه.كما أشار في إحاطته إلى اختطاف مدير مركز الرقابة الأغذية والأدوية في طرابلس من قبل مسلّحين طلباً للفدية.

ودان سلامة خلال إحاطته الدورية حول تطورات الأوضاع في ليبيا،  محاولة النواب المؤيدين لحكومة الوفاق تأسيس برلمان موازٍ في طرابلس،  مشيراً إلى أن "القوى الخارجية المتدخلة في ليبيا،  لها دور كبير في تحديد مستقبل البلاد". ورأى أن توافق هذه القوى شرط لبدء مفاوضات لوضع ترتيبات سياسية وأمنية جديدة بين أطراف الأزمة في ليبيا".

وأثارت احاطة سلامة غضب حكومة الوفاق التي سارع رئيسها فائز السراج الى استدعاء المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة،  وتسليمه مذكرة تتضمن احتجاجاً على ما وصفه ب"مغالطات في إحاطته لمجلس الأمن حول الوضع في ليبيا".فيما وصف عضو مجلس النواب الموازي في طرابلس سليمان الفقيه إحاطة سلامة أمام مجلس الأمن بانها "مخيّبة للآمال".

وقال الفقيه إن "إحاطة سلامة أمام مجلس الأمن كانت مخيّبة للآمال وبدت وكأن البعثة تبرر بها ما وصفه بأفعال حفتر". وذكر أن عمل سلامة في البعثة الأممية لدى ليبيا أصبح يتّسم "بانحياز غير مقبول وتمرد على الاتفاق السياسي ومخالفته لقرارات مجلس الأمن"،  متسائلاً "لو أن حكومة الوفاق شنّت هجوماً على بنغازي لتحريرها من المشير خليفة حفتر،  هل هذا من حقها؟ وهل سيلتزم سلامة الصمت؟".

ومن جهته،  أعلن مجلس الدولة الاستشاري الثلاثاء 30 يوليو/تموز، أن رئاسته تدارست مع رؤساء اللجان الدائمة في المجلس الإحاطة التي قدمها سلامة لمجلس الأمن حول الوضع في ليبيا، موضحاً في بيان صحافي "أنه يعمل على إعداد رد كتابي يُقدم إلى الأمين العام والدول الأعضاء في مجلس الأم، ن يبين ما جاء في هذه الإحاطة مما وصفها بـ"المغالطات" بخصوص تقييم الوضع في ليبيا".

كما تحدت رئاسة أركان الجيش،  التابعة للسراج،  المبعوث الأممي بأن يقدم قائمة بالمتطرفين،  الذين قال إنهم يقاتلون ضمن صفوف قواتها،  وتوعدت بملاحقته قانونياً،  مشيرة إلى أنها اتخذت جميع الإجراءات لمنع التحاق أي إرهابي،  أو متطرف بتصنيف دولي بعناصرها.وتابعت في بيان لها "لا نعلم ما الشيء الذي اعتمد عليه سلامة في إحاطته،  إلا إذا كان معتمدا على ما يرد على لسان مسؤولي القوات المعتدية على الحكومة الشرعية والعاصمة،  الذين وصل بهم الأمر إلى اتهام السراج نفسه بالإرهاب والتطرف".

وبعدما حملت سلامة المسؤولية الكاملة لما ورد في إحاطته،  حذرت من أنه في حال عدم تقديم قوائم المتطرفين والإرهابيين،  حسب تصنيف الأمم المتحدة،  فإنها ستعتبر ما ورد في إحاطته "محاولة لتشويه الجيش"،  التابع لحكومة السراج.

وبدورها أعربت وزارة المواصلات بحكومة الوفاق عن استغرابها من تصريحات سلامة بأن الحكومة تستخدم مطار معيتيقة لأغراض عسكرية،  وقالت في بيان إن المطار يستخدم لحركة الملاحة الجوية المدنية،  وليست العسكرية. وبعدما أكدت تعرض المطار لاستهدافات متكررة،  حذرت الوزارة من تداعياتها وخطرها على سلامة الركاب والعاملين في القطاع،  فضلا عن الأضرار الجسيمة.

واتهمت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق المبعوث الأممي بوضع ما وصفته بـ"معلومات مغلوطة وغير صحيحة في إحاطته"،  وأكدت في بيان لها أنها "انحازت لتوازنات سياسية على حساب كشف الحقيقة والموضوعية،  وسجلت إخفاقا من البعثة الأممية"،  على حد تعبيرها.

المليشيات والقيادات الاخوانية انبرت بدورها لانتقاد سلامة حيث اتهم احميدة الجرو،  الناطق الرسمي باسم مليشيا "لواء الصمود" التابع لحكومة الوفاق الذي يقوده المطلوب دوليا صلاح بادي، المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، بالتحيز.فيما شن المفتي الاخواني المعزول الصادق الغرياني، هجوما شرسا على سلامة، مطالبا برحيله عن ليبيا،  للمحافظة على سيادة البلد وكرامته،  مضيفا أن سلامة يتقلّب في نعيم ليبيا بأموالها ويتحالف مع أعدائها للقضاء على تطلّعات شعبها في الاستقرار والحياة الكريمة وحكم القانون،  على حد زعمه.

كما طالبت ميليشيات مسلحة تُطلق على نفسها "القوة المساندة طرابلس"،  تابعة لرئاسة أركان حكومة الوفاق،  بضرورة إخراج المبعوث الأممي غسان سلامة من ليبيا.وقالت القوة في بيان نشرته عبر صفحتها على "فيسبوك": إن "المدعو غسان سلامة أصبح جزءًا رئيسيًا من أزمة ليبيا الحالية.. لو كان فيه خير لقام بحل الأزمة في بلاده لبنان".

وأضافت القوة أن المبعوث الأممي لم يفرق بين "الحق والباطل" وبين "المعتدي والمعتدى عليه" في إحاطته أمام مجلس الأمن حول الوضع في طرابلس.وأشار البيان إلى أن غسان سلامة ذكر بأن هناك متطرفين يحاربون مع قوات الوفاق،  بينما حسب البيان فإن "عملية بركان الغضب" هي عملية "ضد المتطرفين وقطاع الطرق بجميع مسمياتهم".وأكدت المجموعة المسلحة في ختام بيانها أن بقاء غسان سلامة في العاصمة طرابلس "هو طعن في ظهور الرجال وخيانة لدماء قتلاهم"،  مطالبة جهات الاختصاص بـ"التدخل فورًا قبل فوات الأوان".

الموقف العدائي الذي اتخذته حكومة الوفاق وحلفائها من المبعوث الأممي لم يكتفي بالتصريحات المنددة والاتهمات المتكررة بل تجاوز لك ليصل حد تحريف تصريحاته بهدف بث الشائعات في البلاد بما يخدم مصالحها على الأرض.وآخرها كان الحديث المزعوم عن انسحاب الجيش الوطني الليبي من معركة تحرير العاصمة الليبية طرابلس.

حيث نشرت وسائل اعلامية موالية لحكومة الوفاق وأخرى محسوبة على جماعة "الإخوان" المسلمين الحليف الرئيسي للسراج، نقلا عن تصريحات أدلى بها المبعوث الأممي إلى صحيفة فرنسية،  أكد فيها أن المشير حفتر اشترط الحصول على مناصب سيادية مقابل انسحاب محتمل لقواته جنوب طرابلس.كما نقلت اعتبار المبعوث سلامة هجوم حفتر،  بأنه إهانة له شخصيا وللأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش،  كون اندلاع الحرب جاء تزامنا مع زيارة غوتيريش إلى طرابلس قبل أكثر من خمسة أشهر.

لكن مصادر من داخل البعثة الأممية، أكدت في تصريحات خاصة لـ"بوابة افريقيا الإخبارية"،  إن التصريحات التي أدلى بها المبعوث الأممي خلال مقابلة مع صحيفة ليبيراسون الفرنسية،  تم اجتزاؤها وتحريفها من قبل بعض الوسائل الإعلامية،  لافتة إلى أن النص الأصلي للمقابلة ليس به أي مشاكل.

وأكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،  تحريف تصريحات المبعوث الخاص غسان سلامة،  بشأن شروط المشير خليفة حفتر قائد قوات "الجيش الوطني" لوقف الحرب جنوب العاصمة طرابلس.وأوضحت البعثة الأممية،  في تغريده عبر حسابها بموقع التواصل الإجتماعي (تويتر)،  أنها تحذر "من التحريف المتكرر الذي يقدم عليه البعض لتصريحات رئيس البعثة والممثل الخاص للأمين العام كما حصل مجددا اليوم".ودعت بعثة الأمم المتحدة،  الجميع إلى مزيد من المهنية في نقل الوقائع والتصريحات.

واتهم الجيش الليبي جماعة "الاخوان" بالوقوف وراء التحريف المتعمد لتصريحات سلامة،  حيث أكد المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة،  أن ‏حقيقة تصريحات غسان سلامة لصحيفة ليبراسيون الفرنسية والتي يعمل تنظيم الإخوان الإرهابي على توظيفها هي كارثة لهم،  موضحًا أنها تُضيف لملفات كذبهم وتدليسهم نوعا آخر من الكذب حتى على المؤسسة الأممية. وأضاف المركز،  أن سلامة قال بوضوح إن قائد الجيش خليفة حفتر،  يشترط نهاية الميليشيات،  ويشترط إعادة هيكلة سلطة الدولة،  مُستدركًا: "ويقول سلامة إن المعسكر المقابل لحفتر لا يمتلك تصورًا واضحًا،  وليس كما ادّعوا".

ومن جانبه،  نفى اللواء أحمد المسماري،  المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي،  وجود أي مفاوضات بشأن انسحاب الجيش مؤكدا استمراره في حرب تحرير العاصمة. وقال المسماري،  إنه تم تحريف تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة،  التي تحدث فيها عن المفاوضات بين قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر وحكومة الوفاق الوطني.

وأضاف عبر صفحته في "فيسبوك": "القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية المشير خليفة حفتر لم ولن يفاوض يوما على منصب،  فما يقوم به سيادته،  وضباط،  وضباط صف،  وجنود والقوى المساندة،  أسمى وأرقى من اَي منصب".مؤكدا أن "القوات المسلحة ماضية في حربها على الاٍرهاب والجريمة إلى أن يتحرر كل تراب الوطن الغالي وينعم أهلنا بالأمن والأمان ويمارسون حقهم الديمقراطي في بيئة آمنة وحياة مستقرة اقتصاديا واجتماعيا".

وليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها آلة "الاخوان" الاعلامية لاستغلال تصريحات المبعوث الأممي لنشر الشائعات خدمة لمصالحها وأبرز هذه الشائعات كانت وفاة القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر، في أبريل 2018، إلا أن اتصال غسان سلامة بحفتر نسف شائعاتهم، لكنه جعل المبعوث الأممي في مرمى تحريف الاخوان وانتقاداتهم.

حيث نشر موقع النبأ وهي القناة الفضائية التابعة للجماعة الليبية المقاتلة التي تبث من تركيا ويمولها عبد الحكيم بلحاج،  والمصنف على قوائم الإرهاب،  تقرير ذكرت فيه "إن سلامة وقع تحت الضغط،  وإن تصريحاته بشأن مكالمته لحفترغيرمنطقية،  وادعت أن الإمارات وفرنسا وإيطاليا،  ضغطوا على المبعوث الأممي ليعلن أن حفتر لا يزال حيا.

وأكمل الموقع المدرج على الكيانات الارهابية، "قبل أيام وتحديدا في الـ13 من إبريل في الوقت بدل الضائع بعدما تكاثفت الأخبار وأحاطت بحياة حفتر وكادت تقطع بوفاته،  تدخل المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة وأشهر للإعلام عبر تغريدة له،  تواصله مع قائد المليشيات،  وصرح بعدئذ لـ النبأ في محادثة بريدية مع مراسلة النبأ،  بأن مكالمته مع الرجل استمرت عشر دقائق،  وتواصلت البعثة لاحقا عبر مكتبها مع القناة ونفت لها مضمون العاجل المتعلق باستمرار مكالمة سلامة مع حفتر عشر دقائق،  وطلبت من النبأ سحبه من صفحتها والالتزام بالمنشور في حسابها الرسمي،  غير أنها تراجعت عن مطالبتها عندما أخبرها مكتب القناة في طرابلس بأن لديه نسخة مكتوبة من المراسلة مع المبعوث الأممي.

واستمرت سلسلة التصريحات الهجومية على غسان سلامة سواء بالنفي أو التشكيك فيه حيث أكد القيادي في حزب العدالة والبناء عبد الرزاق العرادي، على صفحته بموقع فيسبوك، " إن ما حدث مع حفتر  قد يكون مسرحية محبوكة بإخراج إقليمي وسيدفع حفتر فاتورة هذه المسرحية وهذا الخداع لشعبه،  وأما مكالمة سلامة فلا تخرج عن كونها إما أنه صادق أو ضحية أو مغامر".

 ونشرت صحيفة عربي 21 الملوكة لقطر تقرير بعنوان "غضب من تصريحات غسان سلامة.. ودعوات للاحتجاج وقفة احتجاجية"،  حيث أكدت "إن مؤسسات مجتمع مدني وشخصيات عامة قد أعلنت عن عزمها تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر البعثة الأممية في منطقة جنزور غرب العاصمة طرابلس،  احتجاجا على تصريحات البعثة الأممية بإجراء اتصال بين اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يتلقى العلاج في باريس ورئيس البعثة غسان سلامة"،  ولم تذكر الصحيفة أسماء تلك المنظمات أو موعد الاحتجاجات التي ذكرتها.

ويشير متابعون للشأن الليبي الى أن محاولات حكومة الوفاق والمليشيات الموالية لها تحريف تصريحات المبعوث الأممي المتكررة تندرج تحت باب الحرب الاعلامية ومحاولة تحقيق انتصارات معنوية عبر تشويه الخصم.فالحديث الأخير عن استعداد حفتر لانسحاب محتمل من الحرب واشتراطه فقط مناصب في الدولة، هو محاولة للتشكيك في الأهداف التي رسمها الجيش للمعركة وهي تطهير العاصمة من الميليشيات ما يمهد لبناء دولة القانون الخالية من مظاهر التسلح الفوضوي.

محاولة التشكيك في أهداف الجيش الليبي كشفتها تصريحات المسؤولين في حكومة الوفاق التي حاولت استغلال التصريحات المزعومة للمبعوث الأممي، حيث وصف عضو مجلس الدولة الاستشاري،  إبراهيم صهد، الأربعاء،  المطالب التي اشترطها خليفة حفتر،  لإنهاء الحرب في طرابلس وما حولها،  بـ"الهدف الرخيص" الذي تزهق الأرواح من أجله.

وقال صهد،  بحسب تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"،  إن الشروط التي نقلها المبعوث الأممي لدى ليبيا،  غسان سلامة،  لانسحاب حفتر،  لقاء ضمانات ومطالب بالحصول على ‎مناصب مهمة في ‎الدولة،  بمثابة هدف الأخير لشن حربه على العاصمة.واعتبر صهد،  أن هذه المطالب هدف وصفه بـ"الرخيص"،  مشيرًا إلى أن الأرواح الغالية تزهق،  وتهدم المدن،  ويُشرد الناس،  وترتكب الانتهاكات من أجله.على حد زعمه.

ومنذ انطلاق العمليات العسكرية في طرابلس تجندت وسائل الاعلام الموالية للاخوان في محاولة لتشويه الجيش الليبي.وكان الناطق الرسمي باسم قوات الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري،  وجه في أبريل الماضي،  نداء لليبيين لأخذ الحيطة والحذر من حملة تضليل إعلامي على وسائل إعلام معادية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة،  تستهدف تشويه عملية طرابلس وقلب الحقائق على الأرض.

ومنذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،  أطلق الجيش الليبي عملية عسكرية تهدف إلى تحرير طرابلس من الميليشيات والمجموعات الإرهابية. وما زالت المعركة بعد أكثر من خمسة أشهر تراوح مكانها،  لكن مراقبين يقولون إن الجيش قادر على حسم المعركة مشيرين الى أن التحالفات القائمة في طرابلس في طريقها الى التفكك خاصة مع الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها المليشيات الموالية للاخوان وهو ما دعاها لبث الشائعات أملا في بث البلبلة في صفوف الجيش بما يعطل دخوله للعاصمة.