تسعى تركيا جاهدة لإعادة التموضع في الساحة الليبية، بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد وخاصة بعد أن وضعت كل ثقلها وراء حكومة الوفاق التي باتت تمثل البوابة الرئيسية لأنقرة للتوغل في الداخل الليبي على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية،وذلك في محاولة لتثبيت حكم حلفائها في طرابلس والسيطرة على موارد ليبيا الغنية بالنفط.

ولم تعد تمر أيام أو أسابيع دون زيارات متبادلة بين المسؤولين الأتراك وحكومة الوفاق،آخر هذه الزيارات قام بها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو،الخميس 06 أغسطس 2020، إلى طرابلس، برفقة نظيره المالطي إيفاريست بارتولو،حيث استقبلهما رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج  بحضور وزير خارجية الوفاق محمد سيالة وعدد من المسؤولين الليبيين.

وقال المجلس الرئاسي إن اللقاء،يأتي في إطار عملية التشاور والتنسيق المستمر بين الدول الصديقة الثلاث، وتناول تطورات الوضع في ليبيا، و أهمية عودة المسار السياسي وبما يحقق الأمن الاستقرار في ليبيا.أضاف أنه تطرق "إلى عملية " ايريني " الأوروبية لتطبيق حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، وإلى ملف الهجرة غير الشرعية، والتصدي لمهربي البشر، حيث أبدت كل من تركيا ومالطا استعدادهما لتوفير احتياجات خفر السواحل الليبي من معدات وصيانة.

وتأتي زيارة أوغلو بعد أسبوعين من عقد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، اجتماعًا ثلاثيًا مع وزير داخلية حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، ووزير داخلية مالطا بايرون جاميلري، بتركيا، من أجل المسألة الليبية.وذكرت "سي.أن.أن"، النسخة التركية، ان باشاغا وجاميلري وصلا إلى تركيا بناءً على دعوة من وزير الدفاع التركي.وقبل الاجتماع الثلاثي التقى آكار بكل منهم جاميلري وباشاغا بشكل منفصل، وعقب انتهاء الاجتماعات المنفردة عقد اجتماعًا ثلاثيًا.

وبالتزامن مع تصاعد وتيرة الزيارات واللقاءات بين تركيا وحكومة الوفاق،تتواصل عمليات نقل المرتزقة الى الأراضي الليبية،حيث نقلت وكالة "ستيب" الإخبارية،عن مصادر خاصة قولها أن دفعة جديدة من المرتزقة السوريين الموالين لتركيا،تقدر بحوالي 1000 مقاتل من الكتائب الموالية لأردوغان وصلت إلى معبر حوار كلس وتمّ ترحيلها ظهر اليوم، لافتة إلى أن الدفعة الحالية ستتبعها دفعة أخرى مساء اليوم الخميس، تضم 1000 مقاتل آخرين من التشكيلات ذاتها وتشكيلات أخرى موالية لتركيا.

ودفعت تركيا بآلاف المرتزقة والعناصر الارهابية الى الأراضي الليبية خلال الأشهر الماضية،وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان،في بيان له السبت الماضي،إن أعداد الذين ذهبوا إلى ليبيا، حتى الآن، ارتفع إلى نحو 17 ألف مرتزق سوري، بينهم 350 طفلا دون سن الـ18، في حين بلغ عدد الإرهابيين الأجانب 10 آلاف.وأوضح المرصد أن تركيا تواصل جلب المزيد من عناصر المرتزقة إلى معسكراتها وتدريبهم.

وأكد اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي، في وقت سابق، أن تركيا استغلت فترة وقف إطلاق النار في جلب المزيد من المرتزقة ووسائل تدمير الأراضي الليبية.فيما وثق المرصد السوري مزيداً من القتلى في صفوف المرتزقة، لتبلغ حصيلة القتلى في صفوف الفصائل الموالية لتركيا جراء العمليات العسكرية في ليبيا، نحو 481، بينهم 34 طفلا دون سن الـ 18، وقادة مجموعات.

وتواصل تركيا ارسال المرتزقة في محاولة للتحشيد لمعركة سرت،فيما تتواصل تحركاتها التصعيدية ميدانيا حيث تحدثت تقارير اعلامية عن اسقاط سلاح الدفاع الجوي التابع للجيش الليبي مساء الثلاثاء الماضي طائرة مسيرة تركية اجتازت الخط الأحمر"سرت – الجفرة".ونقل موقع ارم نيوز الاخباري عن الضابط محمود الهمالي،أن المضادات الجوية التابعة للجيش استطاعت إسقاط الطائرة بعد وصولها لمنطقة وادي جارف جنوب غربي سرت.

وفي المقابل،يواصل الجيش الليبي التأكيد على جاهزيته لصد أي عدوان تركي محتمل،ووبحث القائد العام للقوات المُسلحة العربية الليبية خليفة حفتر، اليوم الخميس، في مدينة بنغازي مع ضباط غُرف العمليات وعددٍ من القيادات وأمراء المناطق العسكرية، آخر التطورات العسكرية، والوقوف على جاهزية كافة وحدات القوات المُسلحة.وفق ما أكده مكتب اعلام القيادة العامة.

وكان حفتر،تعهد الأحد الماضي،خلال كلمة للجنود والضباط أثناء تفقده كتيبة طارق بن زياد التابعة للجيش الليبي، بهزيمة الأتراك وطردهم من ليبيا.وقال حفتر إن: "الأتراك جاؤوا إلى بلادنا ليعيدوها إلى التخلف الذي ساد تحت حكمهم ولكننا سننتصر عليهم".وأضاف: "سنواصل الدفاع عن وطننا ولن نقبل بالاستعمار التركي".

وتسعى تركيا للسيطرة على مدينة سرت واشترطت في وقت سابق وقف اطلاق النار في ليبيا بانسحاب الجيش الوطني الليبي من المدينة والحقول الليبية ما كشف بوضوح أطماع أنقرة في الثروات النفطية الليبية.لكن هذه الأطماع تصطدم هذه المرة بمصر،الجارة القوية لليبيا والتي سبق أن أكدت أن منطقة سرت-الجفرة خط أحمر.

ويأتي استمرار الانتهاكات التركية وتصعيدها المتواصل في وقت تستمر فيه الانتقادات للتدخلات الخارجية في البلد الذي يعاني الانقسامات والصراعات منذ سنوات.ونددت الولايات المتحدة الأمريكية،الثلاثاء بجميع التدخلات العسكرية الأجنبية في ليبيا، بما فيها استخدام المرتزقة والمتعاقدين العسكريين، وقالت إن الليبيين أنفسهم هم من يجب أن يعيدوا بناء بلد موحد.

وجاء في بيان لمستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي روبرت أوبراين: أنّ "الولايات المتحدة قلقة للغاية إزاء تصعيد النزاع في ليبيا، ونحن نعارض بشدّة تدخل القوات الأجنبية، بما في ذلك استخدام المرتزقة".وأضاف أوبراين ،إنّ الصراع في ليبيا الغنية بالنفط، والتي تتمتّع بموقع استراتيجي، يطرح "تهديدات خطيرة للاستقرار الإقليمي والتجارة العالمية".

وأكد مستشار الأمن القومي الأمريكي،إن الرئيس دونالد ترامب تحدث مع عدة قادة في العالم بشأن ليبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وإنه من الواضح "عدم وجود طرف منتصر".مشيرا إلى أن "الليبيين يمكن أن يربحوا فقط إن اتّحدوا لاستعادة سيادتهم وإعادة بناء بلد موحّد".

ويشير مراقبون الى أن النظام التركي الذي يعتمد على حكومة الوفاق لمحاولة شرعنة غزو ليبيا ومحاولة السيطرة على ثرواتها النفطية بما يخدم مصالحه،بات يمثل عائقا كبيرا أمام محاولات الوصول الى تسوية سياسية في البلاد،كما أن تحركاتها المشبوهة في المنطقة تنذر بمواجهة اقليمية خاصة مع مصر التي تسعى لحماية أمنها القومي على الحدود مع ليبيا.ويؤكد الكثيرون أن الموقف المتوتر بات يحتم صرامة دولية أكثر تجاه الانتهاكات التركية والتي تهدد بتحويل ليبيا الى مصدر خطر اقليمي ودولي.