تعانى ليبيا منذ سنوات،من فراغ لمؤسسات الدولة التى تساهم فى ارساء الأمن والاستقرار وبسط سلطة القانون فى البلاد وذلك فى ظل إنتشار ميليشيات مسلحة تفرض سيطرتها فى الغرب ولاسيما فى العاصمة طرابلس،علاوة على خطر التهديدات الإرهابية التي تمثل مصدر قلق يتجاوز ليبيا نحو دول المنطقة والعالم.

إلى ذلك،حذر سيرجي لافروف، وزير خارجية روسيا، خلال لقاء إعلامي مشترك مع نظيره التونسي خميس الجهيناوي، من "تواصل خطر المجموعات الإرهابية في ليبيا" المجاورة، وقال إنه اتفق مع الجانب التونسي على التنسيق الأمني ومكافحة التنظيمات الإرهابية على المستوى الثنائي، وفي إطار منظمة الأمم المتحدة.

ووصل سيرغي لافروف،السبت، إلى تونس العاصمة بدعوة من نظيره التونسي خميس الجهيناوي،وذلك بعد أن زار كلا من الجزائر والمغرب.وبحث الجانبان آفاق العلاقات الثنائية، وعدداً من الملفات الدولية، أهمها الأوضاع في الشرق الأوسط، بما فيها الملف الليبي.

وشكَّلت الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا أهم محاور المشاورات بين البلدين، لما تحظى به تونس من مكانة استراتيجية في علاقتها مع ليبيا المجاورة، وإمكانية مساعدتها على حلحلة الأوضاع المتأزمة، والسعي إلى إقناع الأطراف المتناحرة بضرورة إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، تُنهي الصراع الدائر هناك مذ نحو ثماني سنوات، دون التوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف.

وأشار وزير الخارجية الروسي لدى لقائه رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي بقصر قرطاج،الى ضرورة تضافر جهود المجموعة الدولية لحث كافة الفرقاء الليبيين على إيجاد تسوية تضمن وحدة ليبيا واستقرارها على أن يكون ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة ومع مراعاة دور ومواقف دول الجوار.

من جانبه، أبرز الرئيس التونسي أن تونس تعتبر تحقيق الاستقرار في ليبيا عاملا حيويا لضمان أمن واستقرار منطقة شمال إفريقيا والبحر المتوسط، مضيفا أن تونس تهدف من خلال المبادرة الرئاسية إلى حث الأشقاء الليبيين على مواصلة الحوار من أجل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ودائمة تضمن تحقيق الاستقرار والتفرغ لإعمار ليبيا.

وتحرص روسيا على التواصل مع دول الجوار الليبي والتنسيق معها،وخاصة انها تعتبر من أبرز الفاعلين في الازمة الليبية.ويأتي اهتمام موسكو بموقف دول الجوار،لدعم أي خطوة في اتجاه التسوية السياسية للأزمة مع معارضة أساسية للتدخل العسكري في هذا البلد الممزق.فهذه الدول التي ترتبط بعلاقات وحدود مع ليبيا لن توافق إلا على الحل القائم على عدم التدخل الخارجي في ليبيا وهو نفس الشئ الذي تحرص موسكو على تأكيده.

وتسعى روسيا إلى المساهمة في حل الأزمة الليبية، قبل دخول مرحلة إعادة الإعمار، التي تعتبرها عدة دول غربية منافسة، ومن بينها فرنسا وإيطاليا، فرصة سانحة تشكل "انفراجة اقتصادية مهمة" لعدد من الشركات التي ستسهم في إعادة الإعمار، والمحافظة على عدد من المصالح الاقتصادية المهمة، وعلى رأسها موارد الطاقة الهائلة المتوفرة في ليبيا.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة، إن تحديد مواعيد نهائية للانتخابات في ليبيا ليس تحركا بناء لأن على الأطراف السياسية أن تتفق أولا على حل سياسي لإنهاء الصراع في البلاد.وقال لافروف للصحفيين بعد محادثات في الرباط مع نظيره المغربي ناصر بوريطة "سلطنا الضوء مرارا على السمة غير البناءة في تحديد مواعيد نهائية في ليبيا".مضيفا أن الليبيين يحتاجون للاتفاق أولا على قواعد الانتخابات.

وتأتي تصريحات المسؤول الروسي في وقت يحاول المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة حشد الجهود من أجل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال العام الجاري يسبقها استفتاء على الدستور وعقد مؤتمر وطني جامع.وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص غسان سلامة في نوفمبر/تشرين الثاني إنه يأمل في إجراء الانتخابات بحلول يونيو/حزيران لكن لم يتم سن قوانين أو وضع إطار دستوري لإجراء الانتخابات.

وقالت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الشهر الماضي إن بإمكانها تنظيم استفتاء في فبراير/شباط إذا تلقت تمويلا من الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة برئاسة فائز السراج والتي تتخذ من طرابلس مقرا لها.وترغب الأمم المتحدة في عقد مؤتمر وطني لليبيين في أوائل العام الجاري للتغلب على الانقسامات وتحديد ما إذا كانوا يريدون انتخابات برلمانية أو رئاسية.

وبموجب خطة فرنسية، كان من المفترض أن تجري ليبيا انتخابات عامة يوم 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي لكن جرى التخلي عن هذه الخطة بسبب تزايد العنف في طرابلس بين المليشيات المسلحة التي تسيطر على المدينة وعدم تحقق تقدم بين البرلمانين المتنافسين في الغرب والشرق لإيجاد حل سياسي.

ولم تنجح إصلاحات أمنية أعلنت عنها حكومة الوفاق في الحد من سلطات المليشيات المسلّحة في العاصمة الليبية.حيث شهد جنوب العاصمة الليبية على مدى اسابيع اشتباكات بين "قوة حماية طرابلس"، وهي تحالف عسكري يضم فصائل مسلحة من المدينة و"اللواء السابع مشاة" وهو من مدينة ترهونة (غرب). وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 16 شخصا وجرح 65 آخرين، بحسب وزارة الصحة.

وتنضاف الى هذه الاوضاع الأمنية المتردية تصاعد وتيرة الصراعات الدولية حول ليبيا والتي تهدد باطالة الأزمة في البلاد.حيث طفت على السطح خلال الآونة الأخيرة،خلافات بين إيطاليا التي استعمرت ليبيا في القرن الماضي، وفرنسا الساعية إلى تأمين مصالحها النفطية في ليبيا وغيرها من البلدان الأفريقية، وهو ما زاد من تعميق الخلافات بين الطرفين، وصراعهما الخفي على الثروات التي تزخر بها الأراضي الليبية.

واندلعت الأزمة بين البلدين عندما قام ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي، بانتقاد سلوك فرنسا تجاه الأوضاع المتأزمة في ليبيا بقوله إن فرنسا "لا ترغب في تهدئة الأوضاع في ليبيا التي يمزقها العنف، لأنها تسعى فقط للمحافظة على مصالحها في قطاع الطاقة". مضيفاً في لقاء مع إحدى القنوات التلفزيونية أن فرنسا "لا ترغب في استقرار الوضع في ليبيا، ربما بسبب تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا".

وما زالت ليبيا غارقة في الفوضى والانقسام السياسي، الذي حول البلاد الى ساحة حرب كبيرة،مع تواصل تردى الأوضاع في البلاد،التي جعلت من ليبيا لقمة سائغة للتدخلات الأجنبية، لتتحوّل ليبيا إلى ساحة صراع وتنافس بين القوى الدولية الباحثة عن تدعيم مصالحها في هذا البلد النفطي،في وقت يأمل فيه الليبيون في إنهاء الإنقسامات وعودة الاستقرار لهذا البلد الممزق،لكن البعض يرى بأن التسوية في هذا البلد مازالت صعبة المنال في ظل محاولات خارجية لاطالة أمد الصراع.