تشهد جبهة الجنوب الليبي تطورات جديدة تنذر بمزيد من التصعيد بين الجيش لوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج،وهو ما يشكل حلقة جديدة في مشهد الأزمة الليبية الشائكة،وينذر بمزيد من التعقيد في منطقة الجنوب القابلة للانزلاق نحو المجهول نتيجة تشابك الأجندات الإقليمية والدولية المحيطة بها.

إلى ذلك،أعلن الجيش الوطني الليبي،الجمعة، إغلاق أجواء الجنوب أمام حركة الطيران، في وقت يواصل فيه عملياته العسكرية لـ"مكافحة الإرهاب والجريمة".وقالت غرفة عمليات القوات الجوية في القيادة العامّة للجيش الوطني الليبي، إنّ عمليات الهبوط والإقلاع من وإلى مطارات ومهابط المنطقة الجنوبية، أصبحت محظورة منذ صباح اليوم الجمعة، إلا بعد موافقتها.

وأكّدت في بيان لها، أنّ "أي طائرة، من أيّ نوع أو طراز أو تبعيّة محليّة أو خارجية تحلّق في هذا المجال دون تصريح، سيتمّ إجبارها على الهبوط قسرًا في النقاط والقواعد المحدّدة لركن القوات الجوية".و شدّدىالبيان، على أنّ عدم امتثال أي طائرة، وفقًا لما تمّ التنصيص عليه، سيجري معاملتها كهدف معادٍ، مؤكدًا بأن أي "طائرة أجنبيّة تحاول الهبوط حتى في المهابط الترابية، ستكون هدفًا مشروعًا على الفور لنيران مقاتلات سلاح الجوي الليبي".

ويأتي هذا التطور غداة تصاعد التوتّر في الجنوب الليبي، مع اندلاع مواجهات عسكرية مباشرة بين قوات الجيش الوطني الليبي،مجموعة مسلحة تابعة لحكومة الوفاق الوطني،وذلك في اعقاب سيطرة القوات المسلحة الليبية على حقل "الشرارة النفطي"، الذي يعد أكبر حقول ليبيا النفطية في جنوب البلاد.

وأفادت وسائل إعلام محلية أن مجموعة مسلحة تابعة لقبائل التبو الموالية لحكومة الوفاق، هاجمت صباح،الخميس 07 فبراير 2019، الكتيبة 177 التابعة للجيش الوطني الليبي والمتمركزة بمدينة أوباري، وهو ما أسفر عن مقتل 8 أشخاص وجرح 7 آخرين حسب الأرقام التي أعلن عنها مستشفى أوباري.

وتنذر هذه الاشتباكات الأخيرة بتصعيد محتمل بين القوات الموالية لحكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي، من أجل السيطرة على المناطق الاستراتيجية الغنية بالنفط في منطقة الجنوب، خاصة حقلي الشرارة والفيل اللذين ينتجان يوميا حوالي 400 ألف برميل نفط ويعتبران أهم حقول في البلاد النفطية.

وكانت القيادة العامة للجيش الوطني قد أعلنت في بيان مقتضب، مساء أول من أمس، انتهاء قواتها من تأمين حقل "الشرارة" النفطي الواقع بحوض مرزق أوباري، وحثت المؤسسة الوطنية للنفط، الموالية لحكومة السراج والتي تتخذ من طرابلس مقراً لها، على ضرورة الإعلان عن رفع حالة القوة القاهرة، التي أعلنت عنها في وقت سابق، بسبب سيطرة جماعات مسلحة على الحقل قبل نهاية العام الماضي.

وأمام هذه المخاوف،سارعت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا،لدعوة جميع الأطراف لتجنب التصعيد في حقل الشرارة النفطي، أكبر حقول البلاد، وقالت إنها لن تستأنف العمليات الاعتيادية لحين استعادة الأمن.وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله في بيان: إن "سلامة العاملين ستظل من أولوياتنا القصوى، ونحن نطالب كافة الأطراف بتجنب النزاعات والتوقف عن الزج بمنشآت القطاع في التجاذبات السياسية".

وحذّرت أوساط ليبية في وقت سابق من تصعيد محتمل بين الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة الوفاق، وذلك عقب إرسال الأخيرة تعزيزات عسكرية إلى حقل الشرارة النفطي بذريعة تأمينه.وجاء ذلك بالتزامن مع تعيين رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فائز السراج، علي كنة، آمراً لمنطقة سبها العسكرية، وهي خطوة رأى مراقبون أنّها تهدف الى خلط الأوراق في جنوب البلاد.

وقبل يوم من تعيين علي كنه من قبل السراج آمرا لمنطقة سبها العسكرية، أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بيانا أدان فيه حملة الجيش الوطني ضد قوات المعارضة التشادية والجماعات الإرهابية في المنطقة الصحراوية بجنوب غربي البلاد شاجبا ما وصفه بـ "التصعيد العسكري الذي يحدث في بعض مناطق الجنوب الليبي.

وأثارت تحركات السراج انتقادات كبيرة في الأوساط الليبية وسط تأكيدات على أنها تأتي في اطار ضغوط جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيمات الإسلام السياسي،التي تسعى لاجهاض تحركات الجيش الوطني الليبي الساعية لتحرير منطقة الجنوب الليبي من سيطرة المليشيات الأجنبية والعناصر الارهابية.

وفي هذا السياق،اعتبر النائب البرلماني، إبراهيم الدرسي من مدينة بنغازي بشرق ليبيا، أن تعيين علي كنه "آمرا للمنطقة العسكرية سبها مرده شعور المجلس الرئاسي برئاسة السراج، وداعميه من جماعة الإخوان والميليشيات، بالغيرة من الترحيب الواسع لقوات الجيش الليبي الذي أبداه سكان منطقة فزان".

وأشار الدرسي في تصريح لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"،الى أن هذا التعيين هدفه إجهاض جهود الجيش لبث الاستقرار في جنوب البلاد.وتابع الدرسي، "لا أعتقد أن لهذه التحركات من الرئاسي أي أثر كبير على سير العمليات العسكرية إلا في القليل وردة الفعل المستنكرة والمنددة من كل التركيبات الاجتماعية ومناطق فزان أثبتت مدى التأييد الذي تحظى به القوات المسلحة".

من جهته،اعتبر المحلل السياسي الليبي، كمال المرعاش،إن تلك التحركات تعكس "الارتباك والتخبط اللذين يعاني منهما السراج وحكومته، في التعامل مع العملية العسكرية للجيش الليبي لتحرير الجنوب من الفوضى وانتشار عصابات التهريب والإرهاب، ومتمردي دول الساحل والصحراء".

ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن المرعاش قوله،إن مخاوف حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج من انتقال التأييد الشعبي لعملية الجيش الليبي إلى طرابلس، دفعت السراج إلى تبني نفس محاولات بث الفتن في مناطق سيطرة الجيش، تماما كما فعل من قبل في شرق البلاد".واعتبر أن تعيين علي كنه وهو من الطوارق، الهدف منه "محاولة تأليب الطوارق في جنوب البلاد ضد الجيش"، معربا في هذا السياق أن مثل هذه المحاولات "لن تنجح في وقف التأييد الشعبي للجيش".

واتهمت لجنة الدفاع والأمن القومى فى مجلس النواب الليبى، الخميس، المجلس الرئاسى فى طرابلس بالتحالف مع القاعدة وتنظيم الإخوان الإرهابى برعاية قطرية، لضمان البقاء فى ظل الفوضى وانعدام الأمن بالبلاد.وطالب رئيس اللجنة، طلال الميهوب، بالوقوف صفا واحدا خلف المؤسسة العسكرية الليبية لطرد العصابات المتواجدة فى الجنوب، وإفشال مشروع قطر فى بلاده، ورفض كل ما يصدر عما يعرف بالمجلس الرئاسى الليبى، وتحديدا فى الأمور العسكرية.

ويعيش الجنوب الليبي وضعا أمنيا صعبا منذ سنوات،وتصاعدت وتيرة التهديدات والمخاطر خلال الأشهر الماضية مع تصاعد نشا العصابات الأجنبية والتنظيمات الارهابية وهو ما دفع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر للتوجه نحو المنطقة المنسية في محاولة لتحريرها وفرض الامن.

وكان المتحدث باسم الجيش الليبي العميد أحمد المسماري، أعلن في وقت سابق بدء عملية عسكرية واسعة لـ"مكافحة الإرهاب والجريمة" في مناطق مختلفة جنوب البلاد.وقال المسماري، إن "القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر أمر ببدء عملية عسكرية شاملة؛ لتطهير الجنوب الغربي، ولحماية الدولة، وضمان أمن المواطن، وفرض هيبة القانون، وتلبية لنداءات أهلنا في الجنوب الغالي الذي يعاني من الإرهاب والجريمة بمختلف أشكالها".

وأضاف أن "الحملة تهدف إلى المحافظة على وحدة وسلامة التراب الليبي، وتأمين مقدرات الشعب الليبي من النفط والغاز، وحماية منظومة النهر الصناعي، وإيصال الخدمات الأساسية للمواطن وفتح الطرق وتأمينها، وفرض القانون ووقف الهجرة غير الشرعية، وتأمين الشركات النفطية والأجنبية".

وحضيت عمليات الجيش الليبي بترحيب وتأييد داخلي واسع كما حضيت باشادة دولية حيث أعلنت الخارجية الفرنسية، أن العمليات العسكرية التي قام بها الجيش الوطني الليبي مؤخرا سمحت بالقضاء على أهداف إرهابية مهمة، وقد تسمح أيضا وبشكل دائم بإعاقة نشاط مهربي البشر الذين ينشطون في هذه المنطقة بين الساحل والمتوسط.

وجاء هذا الموقف بعد قصف جوي فرنسي لرتل من مسلحي المعارضة التشادية في جنوب ليبيا،وهو ما اعتبره كثيرون تأييدا ضمنيا لجهود الجيش الليبي للقضاء على العصابات المسلحة التي استباحت الجنوب الليبي، ورفضا لبعض الأجندات الإقليمية التي تسعى إلى استدامة الفوضى في ها البلد الغني بالثروات.

ويرى مراقبون أن انتصارات الجيش الوطني الليبي وارتفاع أسهمه داخليا وخارجيا بدأت تزعج الأطراف المناوئة لها وعلى رأسها تيار الاسلام السياسي بقيادة جماعة الاخوان المسلمين التي تسعى لعرقلة تقدم الجيش بهدف الابقاء على حالة الفوضى التي تمثل بيئة مناسبة للمليشيات الموالية لها والتي تبسط نفوذها على خاصة في العاصمة الليبية طرابلس.