نزول الأطفال للشوارع كمقاتلين أو جواسيس أمر في غاية الخطورة، فالطفل لا يستطيع التحكم في تصرفاته وغالبا يسئ التصرف بعيدا عن مراقبة ذويه، فما بالك إن وجَد نفسه طليقا دون مراقبة ويتصرف كالبالغين وفي يده قطعة سلاح تجعل منه مصدر خوف للكبار قبل الصغار.

لم يعد المقاتلون الكبار هم الوحيدون الذين يسببون قلقا وخطرا على الأخرين بل أن المقاتلون الصغار أصبحوا يشكلون الخطر الأكبر ويشكلون مصدر قلق على حياتهم وحياة الأخرين.

قد أظهر تقرير المفوضية الأوربية الأخير في يناير 2014 أن 7 ملايين طفل متضرر من النزاعات المسلحة الدائرة في أفريقيا وأسيا وأن حوالي 250000 طفل محارب في المناطق المتنازع عليها.

وفي كثيرٍ من النزاعات يتولى الأطفال دورا مباشرا في القتال، وبصرف النظر عن كيفية تجنيد الأطفال، وعن الأدوار التي تُوكل إليهم فالأطفال هم ضحايا هذا النزاع، وفي الأغلب ينتج عن مشاركتهم آثار خطيرة صحية ونفسية وجسمية، وأغلبهم يتعرض للعنف والاعتداء الجنسي، وغالبيتهم يشارك في القتل، فيعانون من أثار سيكولوجية خطيرة، تجعل من دمجهم في المجتمع فيما بعد أمر شبه مستحيل.

وفي حالة النزاع المسلح تأتي الأضرار مباشرة على الأطفال حيث في الأغلب يتم تجنيدهم وتحويلهم لمجندي حرب، ومقاتلين مما يؤدي لتعرضهم لإصابات خطيرة كفقدان للسمع والبصر أو فقدان الأطراف مما يؤثر عليهم نفسياً وعاطفياً.

ولم يعد خفياً أن من أهم السياسات الإرهابية تجنيد الأطفال وهي سياسة تعتمدها تنظيمات إسلامية متطرفة في ليبيا أو سرايا مقاتلة حيث فقدت الكثير من الأسر أبناءها

الصغار بسبب تجنيدهم ترغيباً أو ترهيباً من قبل تلك التنظيمات أو السرايا المقاتلة لإرسالهم إلى جبهات القتال داخل أو خارج ليبيا، وفي العاصمة طرابلس بدأ نشاط التنظيمات الإرهابية واضحاً في المساجد ومراكز تحفيض القرأن التي سيطر عليها أشخاص متطرفون بدعم من وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، ويتعرض الأطفال في المدارس لضغط كبير من قبل المعلمين المعتنقين للفكر المتطرف، حيث يمتنع بعض المعلمين من تدريس الطالبات بينما يدرسون الذكور وفي أحياناً أخرى يتم جذب الأطفال للمحاضرات الجهادية وتعبئتهم ببطولات السلف الصالح، وانقطاع بعض الأطفال عن الدوام المدرسي والاتجاه إلى المساجد والاستماع للمحاضرات الدينية.

وعن "والدة الطفل إسلام صالح" تقول إن ابني لم يتجاوز العشرة سنوات قد تمت استمالته من المدرسة إلى الجامع، ومع الضغط الذي أمارسه عليه للعودة للمدرسة إلا أني فشلت، فعدم وجود والده قد جعلني أفقد السيطرة عليه وأنا أشعر بالقلق حيال مستقبله.

سالمة قدورة "معلمة في مدرسة ابتدائية" تحدثت عن تعرضها للمطاردة في الشارع من قبل طفل لم يتجاوز الحادية عشرة، عندما خرجت من المدرسة إثر انتهاء الامتحانات، وقالت إن الطفل اقترب منها حتى كاد أن يلتصق بها وعبر بكلمات قصيرة وغير مسموعة "قالك تعرف ربي" مضيفة وقد لاحظت وجود سيارة تلاحق الطفل وتقف في الجانب الأخر من الطريق.

وفي مدرسة إعدادية حليمة حسين "معلمة لغة عربية" تحدثت عن نجاتها من إصابة محققة ربما موت محقق، نتيجة لطردها طالب من الحصة بعد مشادة كلامية بينها وبينه، وفي نهاية الدوام حضر الطالب ومعه كلاشنكوف وتشاجر مع الطلبة والمعلمين وأطلق النار غير أنه لم يصب أحد وعبرت قائلة "لحسن الحظ لم أكن موجودة فقد أنهيت دوامي المدرسي مبكرا" وقد اتضح فيما بعد أنه ينتمي لإحدى السرايا المقاتلة.

الطفل المحارب من هو؟

هو كل طفل يرتبط بقوة عسكرية أو بجماعة عسكرية، وهو دون الثامنة عشرة من العمر وتربطه أي صفة بالقوة العسكرية مهما كانت، سواء حمل السلاح، أو نقل الذخيرة، أو التحميل، أو الطهي، أو الجاسوسية. والمقصود بالطفل المحارب هنا، فتيان وفتيات لا فرق.

لماذا يجند الأطفال؟

تفضل الجماعات المتمردة أو المتطرفة أو القوات المسلحة تجنيد الأطفال، وذلك لسهولة السيطرة عليهم ولكلفتهم الزهيدة، وقيام هؤلاء الأطفال بكل الأعمال التي تُوكل إليهم من اشتراك في القتل أو الجوسسة أو نقل الذخيرة وتنفيذ الإعدامات السريعة والمفاجئة.

وقد انتشرت صور الأطفال المحاربين الذين يحملون الأسلحة ويشاركون في أعمال العنف ويدخنون السجائر ويفقدون الوعي وينفذون الأوامر.

فالكثير من الأسر الليبية في شرق ليبيا وغربها وجنوبها قد فقدت أطفالها بالالتحاق بهذه الجماعات وما لحقهم من أذى، فمنهم من تعرض للقتل ومنهم من تعرض للتشويه والعاهات الدائمة.

الطفل المجند والترغيب؟

يمكن الإشارة هنا إلى حرص بعض الجهات نشر صور أو مقاطع مصوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيها أطفال محاربين أو تُظهر تدريبات للأطفال في المعسكرات أو حتى أطفال يقومون بتنفيذ مهمة الإعدام في بعض الأشخاص الملقي عليهم من قبل بعض الأطراف المتقاتلة، وفي درنه مؤخرا قد تم تنفيذ حكم الإعدام في إحدى المواطنين على يد جماعة متطرفة وشهد عدد كبير من الأطفال ذبح الرهينة أمام أعينهم.

فالمسألة الخطيرة التي صارت تواجهنا هي محاولة الأطراف تطويع رسالتهم وتوسيعها بحيث يتم جذب أكبر عدد من الأطفال للانضمام لهذه الجماعات، والاحتذاء بها حتى يصير الأمر شبه عادي بل ومحبب ويروق للكثيرين.

حظر تجنيد الأطفال بموجب القانون الدولي والشريعة الإسلامية:

تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة من العمر واستخدامهم كمحاربين وطهاة وحمالين أو جواسيس أو استغلالهم جنسيا أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني وطبقا للأعراف والقوانين والمعاهدات.

وتجدر الإشارة إلى أن ليبيا قد صدقت على البروتوكول الاختياري المتعلق بحضر اشتراك الأطفال بالنزاعات المسلحة، ويجدر بنا أيضا الإشارة إلى أن مصطلح حماية الأطفال من التجنيد في النزاع المسلح لم ترد في أي مادة من مواد القانون الليبي، على اعتبار أن ليبيا لم تدخل في أي نزاع مسلح منذ أكثر من خمسين عاما مضى.

وفي الشريعة الإسلامية يتفق الفقهاء في المذاهب الأربعة عموما لعدم جواز اشتراك الأطفال في القتال قبل سن الخامسة عشرة، والنهي عن قتلهم وإساءة معاملتهم وتفريقهم عن ذويهم في النزاع المسلح.

ويجدر الاشارة الى ان هنالك الكثير من الفتاوى المتطرفة تجيز اشتراك الأطفال ومشاهدتهم للقتال وقتل أطفال الكفار للضرورة.