مازالت الفوضى الأمنية هي صاحبة الكلمة العليا في العاصمة الليبية طرابلس، حيث يشتد الصراع بين الميليشيات من أجل الفوز بأكبر قدر ممكن من النفوذ والسلطة في غياب جيش أو شرطة نظاميين وفي ظل عجر حكومة الوفاق التي راهن عليها المجتمع الدولي،على وضع حد لسيطرة المسلحين وبسط نفوذها في المدينة.

ورغم إقرار حكومة الوفاق لترتيبات أمنية تستهدف إرساء الأمن بقوة شرطة وأمن نظاميين، وإنهاء دور المليشيات المسلّحة، التي تسيطر على العاصمة الليبية منذ سنوات،فإن تحركات الميليشيات المسلحة مازالت مستمرة للعبث مجددًا بمقدرات البلاد ومهددة بمزيد من الفوضى.


** عنف مستمر

إلى ذلك،عادت الاشتباكات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس مجددا،في مشهد مثير للمخاوف من نتائجها، خصوصاً وأنها تأتي بعد فترة هدوء حذر شهدته العاصمة، إثر توقف المعارك الطاحنة التي شهدتها في شهر أيلول /سبتمبر الماضي،والتي أدت إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح إضافة إلى خسائر مادية كبيرة.

ونقلت تقاريرإعلامية عن مصادر أمنية وسكان محليون،وقوع اشتباكات محدودة في محيط قاعدة معيتيقة، منذ مساء أول من أمس، بين "كتيبة ثوار طرابلس" و"قوة الردع" الخاصة، التابعتين لحكومة الوفاق الليبية، أدت إلى إغلاق طرق على خلفية اعتقال "قوة الردع" لأحد عناصر كتيبة ثوار طرابلس.

ونفى متحدث باسم مطار معيتيقة لـ"الشرق الأوسط"، تعرض المطار لأي قصف، كما نفى ناطق باسم قوة الردع سماع إطلاق نار بمختلف الأسلحة في محيط المطار، أو حدوث أي مواجهات مسلحة، ووصف ما حدث بأنه "مجرد سوء تفاهم" بين الطرفين، سرعان ما تم احتواؤه، مشيرا إلى أن الوضع مستقر وطبيعي في محيط المطار.

وتثير هذه الإشتباكات مخاوف كبيرة من تجدد صراع النفوذ بين المليشيات المسلحة.ودارت الشهر الماضي  حرب اغتيالات بين مليشيات العاصمة الليبية، شهدت تصفية 4 عناصر من "قوة الردع الخاصة" بعد يوم واحد من اغتيال القيادي في "ثوار طرابلس" خيري الككلي أمام فندق "الراديسون بلو" بطريق الشط أيضاً.

والأحد الماضي،تعرض معاون آمر قوة حماية سرت العقيد علي ارفيدة،لمحاولة إغتيال في مدينة الخمس شرق العاصمة طرابلس بعد تعرضه إلى وابل من الرصاص من طرف مسلحين مجهولين.وقالت قوة حماية وتأمين مدينة سرت، إن أرفيدة أصيب بجروح بليغة نقل على إثرها إلى المستشفى في حالة خطيرة.وطالبت القوة في بيان نشره المكتب الإعلامي بفتح تحقيق سريع وفوري في ملابسات الحادثة للكشف عن المُتورطين فيها.


** إستهداف

وفي تواصل لحالة الفوضى وغياب الأمن،هاجمت مليشيات مسلحة مستشفى الجلاء للولادة وأمراض النساء في طرابلس قبل أيام،حيث أطلق المسلحون النار على أحد الأطباء وهددوا سلامة وأمن الطاقم الطبي في المستشفى، ما أدى إلى توقف جميع الخدمات الطبية غير الطارئة لمدة ثلاثة أيام.

وأدانت الأمم المتحدة الهجوم،مشددة في بيان لها على أنه يجب وقف أعمال العنف المستمرة ضد المرافق الطبية على الفور، بما في ذلك قصف المستشفيات وتفجيرها والاعتداء على العاملين في المجال الطبي وترهيبهم ونهب الأدوية والمعدات وسيارات الإسعاف والاشتباكات داخل المستشفيات.

وأعربت الأمم المتحدة عن تضامنها مع العاملين في مستشفى الجلاء والعاملين في المجال الطبي في جميع أنحاء ليبيا، محذرة منفذي هذا الهجوم أن الاعتداءات على المرافق الطبية ومقدمي الرعاية الصحية محظور بموجب القانون الإنساني الدولي، ويجب تقديم المسؤولين عن هذه الاعتداءات إلى العدالة، لارتكابهم جرائم يمكن أن ترقى إلى مستوى جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

من جهتها، وصفت السفارة الامريكية لدى ليبيا هجوم المليشيات على مستشفى الجلاء للنساء والولادة في طرابلس بـ"الشنيع"،وأكدت السفارة الامريكية في تغريدة على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أن الاعتداءات على المرافق الطبية ومقدمي الرعاية الصحية محظور بموجب القانون الانساني الدولي.فيما اعتبرت السفارة الكندية في ليبيا في تغريدة على توتير، الاعتداءات على المرافق الطبية ومقدمي الرعاية الصحية محظور بموجب القانون الإنساني الدولي، مؤكدة تضامنها مع جميع موظفي المستشفى في ليبيا.


** الترتيبات الأمنية

وتأتي هذه التوترات بعد هدوء شهدته العاصمة إثر هدنة موقعة من أطراف الصراع هناك وبرعاية أممية وتهديد دولي لمن يخترق الهدنة.وتثير هذه الأحداث تساؤلات حول تأثيرها على الخطة الأمنية التي أقرتها حكومة الوفاق مؤخرا لضبط الأمن في العاصمة طرابلس والغرب الليبي كله.

وخلال زيارته مستشفى الجلاء في طرابلس، الثلاثاء، عبر المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة عن إدانته لهذه الاعتداءات.وطالب سلامة حكومة الوفاق باتخاذ إجراءات عاجلة لتوفير الأمن والمستلزمات المهمة لتحسين وضع المستشفيات في جميع مدن ليبيا.

وقال سلامة مخاطبا فريق المستشفى:"سنتأكد من أن كل المنشآت العامة في أيد أمينة، خاصة الصحية"، معتبرا أن "إطلاق الرصاص في المستشفى جريمة لا تغتفر. ونحن لا نقبل بذلك".وأضاف موضحاً:"سوف أبلغ حكومة الوفاق بضرورة حماية المرافق الصحية؛ لأنها تقدم خدمة للناس، وسوف أتابع الأمر مع الحكومة لكي يتم الاهتمام بالجوانب الأمنية، وتوفير المستلزمات الضرورية.

وتابع سلامة، بحسب بيان أصدرته البعثة:"جئت لأعبر عن تضامني وتضامن البعثة معكم، وإبلاغكم أننا لن نقبل بأن يتعرض أحد لأي مؤسسة صحية في كل ليبيا".مشيرا إلى أنه "لا عودة عن قرار تنفيذ الترتيبات الأمنية"، التي أقرتها حكومة السراج مؤخرا.

وتهدف الترتيبات الأمنية الجديدة التي دعت الامم المتحدة طرابلس للاسراع في تنفيذها الى استبدال المجموعات المسلحة بقوات أمن نظامية ومنضبطة.ويرى مراقبون أن الاشتباكات المتكررة في طرابلس تؤثر في عملية الترتيبات الأمنية وتحول دون تنفيذها بشكل سليم، كما تطرح أسئلة حول الجهة المفروض فيها التدخل لوقف هذه الحوادث، وما إذا كان الحل هو تنفيذ المبعوث الأممي إلى ليبيا وعيده بفرض عقوبات على المجموعات المسلحة.

والخميس الماضي قالت البعثة أيضًا إنها رصدت خلال الأيام القليلة الماضية "استخدامًا غير شرعي للقوة وأعمال التخويف ضد المؤسسات الخاصة والعامة في طرابلس"، ولا سيما مصرف الأمان – فرع السياحية، والشركة العربية الليبية للاستثمارات الخارجية.وطالبت البعثة حكومة الوفاق الوطني بـ"الإسراع في تنفيذ الترتيبات الأمنية الجديدة في طرابلس، التي تهدف إلى إحلال قوات أمن نظامية ومنضبطة محل المجموعات المسلحة.

ويخشى الكثيرون من عدم استقرار الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس،حيث يشير مراقبون إلى أن المليشيات تسعى لإبقاء حالة الفوضى خدمة لإجنداتها،ويرى الكثيرون أن العاصمة طرابلس تبقى أسيرة للصراعات والإشتباكات وغياب الأمن،إلى حين التوصل لتسوية شاملة توحد مؤسسات الدولة وتنهي الأزمة الشائكة.