بدأ النشاط الصهيوني يتكثّف في القارة الإفريقية، وزاد توسّع النفوذ الإسرائيلي داخل القارة السمراء في السنوات الأخيرة بشكل لافت.

هذه النشاط يظهر من خلال عودة الكيان الصهيوني بقوّة إلى إعادة ترتيب علاقاته الدبلوماسية مع عدد من الدّول الإفريقية، ففي مارس الماضي قام وزير الدفاع الإسرائيلي جولة إفريقية شملت 3 دول إفريقية، وصفتها الصحافة الصهيونية بأنها "زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها لوزير دفاع إسرائيلي منذ عشرات السنين".

وعقب الزيارة التي شملت ثلاث دول إفريقية هي رواندا وتنزانيا وزامبيا، قال ليبرمان أنّ "الفرص في أفريقيا لا تحصى وإسرائيل تملك ما تحتاج أفريقيا في مجال الزراعة، والصحة، والأمن".

وتبحث العديد من القوى الدّولية عن التوسّع داخل القارة الإفريقية وفتح أسواق اقتصادية جديدة، نظرا لأهميّة السّوق وثراء القارة بالمواد الطبيعيّة وأيضًا لأهميّة موقعها الإستراتيجي، والمنافع الاستثمارية الهامة نظرًا لرخص المواد الخامة واليد العاملة.

وتحوّلت القارة الإفريقية إلى ساحة تنافس دولي كبير، في ظل إنحسار كبير للتأثير العربي، بسبب الاضطرابات السياسيّة في البلدان العربية وانكفائها إلى مشاكلها الدّاخليّة، وهو ما استغلته إسرائيل لإعادة ترتيب إستراتيجيتها داخل القارة، والتخفيف من عزلتها في علاقة بالقضية الفلسطينية وتوسيع دائرة الإعتراف الدّولي.

آخر هذه التطورات، هي زيارة الرئيس التشادي إدريس دبي الى عاصمة الكيان الصهيوني، و هي الأولى من نوعها منذ قطع العلاقات بين البلدين في العام 1972.

وفي هذا السياق، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تغريدة قالها فيها: "قلت للرئيس التشادي: تشاد هي دولة هامة جدا في إفريقيا وهامة جدا بالنسبة لإسرائيل".


** رحيل القذّافي ..وتحطّم السُّد المانع: 

في العام 2011 شهد العالم العربي موجة من الاضطراب السياسي انتهت برحيل رئيسي تونس ومصر عن السلطة ومقتل الزعيم الليبي معمّر القذّافي الذي كان يمثّل أحد أهمّ المؤثرين في الساحة الإفريقيّة، والعقبة التي كان على الجميع تجاوزها للتوسع داخل القارة.

دولة الكيان الصهيوني استغلت انكسار هذا الحاجز/العقبة لتبدأ فصلا جديدا من ربط العلاقات السياسيّة ذات الأفق الاقتصادي والعسكري مع العديد من الدول الإفريقية، وبدأت تجني ثمار سقوط معمّر القذّافي.

وفي هذا السياق، وتعليقا على زيارة الرئيس التشادي إدريس دبّي، نقلت صحيفة "هآرتس" الصهيونية عن مدير مركز القدس للشؤون العامة (حكومي إسرائيلي) دوري جول قوله إنّه قد "كانت هناك علاقات دبلوماسية بين تشاد وإسرائيل، لكنها قطعت في عام 1972، بسبب ضغوط قوية من قبل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، واليوم، لا يوجد القذافي لذا من الممكن أن تتطور العلاقات".

وهذا التصريح الذي يكشف (بكل وضوح) الدّور المحوري الذي كان يلعبه العقيد معمّر القذّافي في مقاومة التمدّد والتغلغل الصهيوني في القارة السمراء، يوجد له من الكثير من المؤيدات والدعائم.


** معمر القذافي.. عدو إسرائيل الكبير:

بعد دخول المتمردين إلى العاصمة الليبية طرابلس في العام 2011، أدلى رئيس الكيان الصهيوني حيذاك شيمون بيريز، تصريحا أشاد فيه بـ"الثورة الليبية" ضد نظام العقيد معمر القذافي، واصفا إياها بـ"المعركة من أجل الحرية".

وقال بيريز للإذاعة في تصريحه إنها "انتفاضة شعبية من أجل حرية الشعب الليبي"

مؤكدًا بالقول: "لو كنت ليبيا، لثُرت ضد القذافي".

هذه التصريحات التي تكشف حجم العداء الكبير بين الطرفين، والمكسب الإستراتيجي الهام الذي ربحه الصهاينة بسقوط نظام العقيد معمّر القذافي، لم تكن سوى تأكيدات لمؤشرات أخرى لعلّ أهمها الدّور الكبير الذي لعبه الكاتب الفرنسي (الصهيوني) برنار هنري ليفي في الحرب على ليبيا في العام 2011، وهو أحد أهم عناصر اللوبيات الثقافية والسياسية في فرنسا وأوروبا عامة.


** هكذا كان القذّافي يقاوم التغلغل الصهيوني:

في مقال للكاتب محمد البحيري بصحيفة "المصري اليوم" بتاريخ 14-11-2014، قدّم هذا الأخير عرضًا لترجمة كتاب «إسرائيل وأفريقيا»، التي قام بها المترجم المصري عمرو زكريا عن اللغة العبرية، الذي تنبع من كون أن "مؤلفه الدكتور آريه عوديد يعد من أبرز الدبلوماسيين الإسرائيليين، الذين جابوا الكثير من الدول الأفريقية، وكان مشاركا أو مطلعا على عملية نسج العلاقات الإسرائيلية في القارة السمراء" على حدّ قوله.

وقال بحيري في مقاله أنّه "من اللافت بشدة في صفحات الكتاب اكتشاف حجم الدور الكبير الذي لعبه الرئيس الليبي الراحل معمر القذافى في التصدي للتغلغل الإسرائيلي بأفريقيا.. حتى أصبح القذافي يمثل مشكلة كبيرة للدولة العبرية باعتراف الدبلوماسي الإسرائيلي مؤلف الكتاب.

وتابع المقال أنّ "آريه عوديد يشير، خلال حديثه، عن أسباب وكيفية قطع العلاقات بين إسرائيل والدول الأفريقية، إلى أن القذافى عرض مساعدات سخية على الرئيس الأوغندي عيدي أمين مقابل قطع العلاقات نهائيا مع إسرائيل وطرد كل الإسرائيليين منها، ووافق أمين على العرض الليبى وطرد كل الإسرائيليين فعلا فجأة من بلاده في مارس1972 ، وتحول من صديق عزيز لإسرائيل إلى عدو لدود لها، وبرر ما فعله بتآمر العسكريين الإسرائيليين لإسقاط نظام حكمه".

ويضيف البحيري أنّه وبحسب الدبلوماسي الإسرائيلي، فقد "كان القذافى هو السبب الرئيسي لقطع علاقات تشاد مع إسرائيل فى 28 نوفمبر 1972 بفضل المساعدات الاقتصادية التي قدمها للتشاديين، والتي قدرت بما يتراوح بين ٥٠ و٩٠ مليون دولار".

وتابع المقال بالقول أنّ "القذافى والعاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز تسببا في دفع النيجر إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل أيضا في 4 يناير 1973. وتكرر الأمر في مالي التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل في 5 يناير 1973"

ومضيفا أنّ "القذافى قد ساهم مع مصر في قطع العلاقات بين بوروندي وإسرائيل في 16 مايو 1973، بعد تقديم مساعدات لبوروندي. وتكرر الأمر مرة أخرى مع توجو التي أعلنت قطع علاقاتها مع إسرائيل في 21 سبتمبر 1973، بتدخل شخصي من القذافي ووعوده بتقديم المساعدات في كل عملية قطع للعلاقات مع إسرائيل".