تاورغاء التي بقيت خالية من الحياة لمدة 7 سنوات بعد أن وقع طرد جميع سكانها الذين تفرقوا في مخيمات بمدن طرابلس وبنغازي وأجدابيا وغيرها من المدن الليبية،تحولت إلى مدينة تكاد تكون مدمرة، تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية والخدمات العامة بعد أن سويّت أغلب مبانيها مع الأرض وباتت الأنقاض تغطي العديد من الشوارع.

وبعد 7 سنوات من التهجير، تمكن سكان مدينة تاورغاء التي تقع شمال ليبيا من العودة إلى بلدتهم،غير أن هذه العودة إصطدمت بواقع مرير تعيشه المدينة التي لا تزال غير مهيئة ومؤهلة للعيش فيها في ظل الإهمال وغياب مؤسسات الدولة.


** تردي صحي

ووجد سكان تاورغاء أنفسهم امام خطر انتشار الأمراض في ظل انعدام الرعاية الصحية وغياب كامل للموارد الطبية، بالإضافة إلى تلوّث بيئي تعاني منه البلدة.

ومؤخرا، كشفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن إرسال منظمة الصحة العالمية فريقا طبيا للطوارئ إلى تاورغاء، للتعامل مع انتشار مرض اللشمانيا. وبينت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تغريدة لها بموقع "تويتر"،الأربعاء 7 نوفمبر2018،، أن الفريق الطبي الذي زار تاورغاء "مكون من طبيبين جلد، طبيب أطفال، طبيب توليد وطبيب باطنية لمعالجة والحد من انتشار وباء الليشمانيا" موضحة ان الفريق بدأ في علاج المصابين كما يتم حالياً تأهيل فريق ليواصل معالجة الـ 200 حالة مؤكدة اعتباراً من 20 نوفمبر".

وكان رئيس المجلس المحلي تاورغاء عبدالرحمن الشكشاك، قال أواخر أكتوبر الماضي، إن أكثر من 200 شخص في اامدينة أصيبوا بمرض اللشمانيا  التي تصيب الإنسان خاصة الأطفال، عبر لسعة بعوضة تسمى الذبابة الرملية، وتخلّف تشوهات جلدية على جسده، بسبب بقايا مخلفات الحرب، وتكاثر وانتشار عدة أنواع من الجراثيم نتيجة خلو المدينة من السكان لسنوات.

وأوضح الناشط سراج الدين التاورغي،في تصريح لـ"العربية.نت"، أن كل الظروف التي تعيش فيها مدينة تاورغاء "تسمح بانتشار هذا المرض على نطاق واسع بسبب مخلفات الحرب والتلوث البيئي وانتشار حتى بقايا جثث، وهو ما تسبّب في انتشار الجراثيم والبعوض والأمراض، إلى جانب تراجع مستوى الرعاية الصحيّة"، لافتا إلى "غياب أي استراتيجية حكومية أو جهود من طرف أي جهة لمحاصرة داء اللشمانيا والقضاء عليه.

وأضاف التاورغي،أن ما يزيد الوضع سوءا هو أن "مدينة مصراتة تستمر في نقل مياه الصرف والنفايات والتخلص منها في مدينة تاورغاء، التي تغيب فيها قنوات الصرف الصحي وتنتشر فيها المستنقعات، وينعدم فيها تدخل الدولة لرش المبيدات في المحيط"، مؤكدا أنه "وضع سيزيد من احتمالات تفشي المرض".


** زيارات وتطمينات

وفي أكتوبر الماضي، زار المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، مدينة تاورغاء في أول زيارة لمبعوث أممي للمدينة،حيث جاءت الزيارة بهدف الإطلع على أحوال سكانها الذين عادوا إليها.

وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،في بيان نشر عبر صفحتها على "فيسبوك"، أن أهالي مدينة تاورغاء المهجرين داخل ليبيا طالبوا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة لدى ليبيا غسان سلامة بدعم تسهيل عودتهم الآمنة والكريمة لديارهم". 

وقالت البعثة الاممية أنه " أهالي تاورغاء حثوا البعثة وحكومة الوفاق على وضع خطة واضحة لتقديم الخدمات وإعادة إعمار وبناء المدينة المدمرة التي تفتقر حالياً إلى جميع المرافق من مدارس ومستشفيات وسيارات إسعاف". 

وأعربوا عن " شعورهم بالتهميش الذي يدفعهم إلى عرض قضيتهم في المؤتمرات الدولية المنعقدة حول ليبيا لتذكير الحكومات بوجودهم والمطالبة بالشروع بإعادة تأهيل المدينة وضمان بعض التحسينات لأطفالهم بعد 7 سنوات من النزوح". 

وقال غسان سلامة إن " موضوع النازحين في ليبيا موضوع شائك ولكن هذا لا يعني أنه مستحيل "، مشيرا إلى أن " المفاوضات التي أجريتموها مع جارتكم مصراتة والاتفاق الذي توصلتم إليه معها يفيد بأنه ليس هناك من مشكلة إلا ولها حل".

زيارة المبعوث الأممي لتاورغاء،سبقتها زيارة قام عضو مجلس الدولة أبوالقاسم قزيط إلى المدينة،وذلك "للاطلاع على مدى التقدم في عملية عودة الحياة إليها"،بحسب ما أكد.وقال قزيط في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، أنّه "استمع إلى مطالبات سكان المدينة وشكاواهم من الغياب التام لمؤسسات  الدولة.

وأضاف،"رغم أن العودة كانت قبل اكثر من 4 أشهر، إلا أن الحكومة  لم تقدم لهم أي شي. فمازال الناس في وضع بائس حيث رغم وجود رجال ونساء  شجعان يقاومون ببسالة إهمال الحكومة، فعلى سبيل المثال  عبدالرحمان الشكشاك و أمال بركة الا أنهم تركوا لمواجهة مصيرهم، فالمدرسة الوحيدة بحاجة الى صيانة سريعة وبعض التجهيزات حتى. تنطلق.مشيرا إلى أن الحكومة لم توفر أبسط الموارد الطبية  لمكافحة مرض اللشمانيا المنتشر في تاورغاء.


** أمل

وعلى الرغم من هذا الواقع الصعب الذي مازالت تعيشه المدينة والظروف القاسية،يتمسك أهالي تاورغاء بالأمل في إعادة إحياء مدينتهم وبنائها من جديد.

وفي تدوينة نشرها بصفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بعنوان (أهلي تاورغاء)،أكد عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني، أنه على جميع أهالي تاورغاء التعاون ونبذ الخلافات والوقوف معا من أجل البناء والتشييد.

وقال الشيباني، "نحن مصممون أن شاء الله على عودة تاورغاء كما كانت وأفضل ولن نقف متفرجين على بلدتنا الطيبة وهي مدمرة واهلها حائرون بين العودة والانتظار،، نسعى لإعادة الإعمار بالتواصل بالداخل والخارج وهناك العديد من الأعمال ستنجز قريباً أن شاء الله دعماً لإعادة الاستقرار بتاورغاء".

وأضاف، "في مثل هذه الظروف، في ظل غياب الدولة وانهيار المؤسسات، والأزمات التي تعصف ببلادنا ليبيا، ليس أمام أبناء تاورغاء إلا التعاضد والتعاون ونبذ الخلافات والوقوف معا من أجل البناء والتشييد تم يأتي اليوم الذي يلتقي فيه الجميع داخل تاورغاء ويقال للمحسن أحسنت وللمخطئ أخطأت".

ومطلع نوفمبر الجاري،أعلنت الشركة العامة للكهرباء عودة التيار الكهربائي إلى تاورغاء بعد سبع سنوات من انقطاعها، وذلك في إطار إعادة الحياة إلى المدينة؛ تمهيدًا لعودة النازحين كافة وحل الأزمات التي تواجه الأهالي، بالإضافة إلى تفعيل القطاعات الخدمية.

وقال مدير المكتب الإعلامي بالمجلس المحلي تاورغاء المكلف، عبد الرزاق قاسم،في تصريح خاص لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، "إن عودة التيار الكهربائي للمدينة جاء بعد وصول المحطة الكهربائية لتغذية المدينة بالتيار الكهربائي الذي يعتبر هو الأساس نحو بناء الوطن وإعادة الإعمار"، مشيرا إلى أن دائرة توزيع تاورغاء تعمل رغم نقص في الإمكانيات، على تركيب عدد من المحولات الهوائية بعد إعادة مد الأسلاك الكهربائية لداخل المدينة لتهيئة الظروف المعيشية والأساسية للمواطنين العائدون إلي أرضهم، مشيرا إلى أن الخطوة تعد مهمة جدا نحو إعادة البناء بتاورغاء.

وعود كثيرة أعلنت عنها السلطات والحكومات المتعاقبة على ليبيا، بجبر الضرر والعمل على عودة النازحين الى منازلهم كأولوية، الا أن هذه التعهدات لم تفعّل بعد، وعدّتها منظمات حقوقية وانسانية دولية عديدة وعودا فاشلة ولن تجدي نفعا بسبب التخاذل وانعدام التعاطي الجاد مع قضية نازحي تاروغاء.ورغم كل التحديات القائمة يبقى الأمل في الأفضل خيار تاورغاء وكل الليبيين.