مأساة حقيقية يشهدها نازحو مدينة تاورغاء منذ 2011، بعد أن أقدمت جماعات مسلحة على تهجير ما يزيد عن أربعين ألف مواطن، بمن فيهم الأطفال والشيوخ والنساء من المدينة. سنوات مضت تخللتها اشتباكات قتل خلالها المئات، واعتقل الألاف، ونهبت البيوت وسرقت وأحرقت،ومازالت المعاناة مستمرة.

حيث يعاني النازحون في مخيمات طرابلس بليبيا،من ظروف معيشية وإنسانية صعبة في ظل غياب أدنى الخدمات،إظافة الهجمات التي يتعرضون لها بين حين وآخر،على يد الميليشيات المسلحة والتي ضاعفت معاناة النازحين الذين يتطلعون لوعود بالعودة إلى مدينتهم ومنازلهم مازالت تنتظر التنفيذ.

** إعتداءات مستمرة

وفي مشهد جديد للمعاناة المستمرة،اقتحمت ميليشيات مسلحة، مخيم نازحي "تاورغاء" في منطقة طريق المطار بطرابلس.وأظهرت صور متداولة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" آثار المداهمات التي قال نشطاء من تاورغاء إن جرافات ثقيلة نفذتها، ما أدى لخروج عدد من العائلات من المخيم، تاركين مقتنياتهم.

وقال المجلس المحلي تاورغاء،عبر صفحته على موقع "فيسبوك" أن الهجوم وقع في ساعات الفجر الأولى ،الجمعة 10أغسطس/ آب، وأجبر عدد من العائلات على مُغادرة المخيم هرباً من الجماعات المُسلحة.ودعا المجلس المحلي كافة أهالي تاورغاء المتواجدين في المنطقة الغربية إلى ضرورة الوقوف إلى جانب نازحي مُخيم طريق المطار ومُساندتهم في محنتهم.

وبدورها،قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا إن "مليشيا مدججة بمختلف أنواع الأسلحة اقتحمت مخيم نازحي تاورغاء، صباح الجمعة 10أغسطس/ آب.وأوضحت المنظمة، في بيان لها، أن المليشيا اعتقلت نحو 70 من المواطنين بينهم مسنين في المخيم الواقع بمنطقة الفلاح بالعاصمة الليبية طرابلس".

وتابع البيان أن "المليشيا جلبت آليات ثقيلة نوع (كترابيل)، بهدف هدم المخيم، حيث تسعى المليشيا لتقسيم الأرض الواقع عليها المخيم وبيعها حسب ما تم تداوله.وطالبت المنظمة وزارة الداخلية في حكومة الوفاق سرعة العمل على إطلاق سراح المعتقلين، وضرورة القبض على أفراد المليشيا وتقديمهم للعدالة".

وأكدت رابطة أسر الشهداء والمفقودين والمعتقلين والمتضررين تاورغاء في بيان لها، أن " 60 فردا و20 آلية مختلفة الأنواع قاموا بالهجوم المسلح على مخيم طريق المطار لمهجرى تاورغاء ، حيث قاموا بالهجوم على المخيم والدخول فجرا وإرهاب العائلات والنساء والاطفال وكبار السن ، بأطلاق الرصاص العشوائي وانتهاك حرمة العائلات دون احترام وتفتيش المخيم بالكامل وسرقة الممتلكات".

كما "قاموا بالقبض العشوائي على ما يقارب من 60 من قاطنين المخيم من الشباب وكبار السن ، ومن بينهم رئيس لجنة المخيم واقتيادهم إلى سجون تابعه للأمن المركزي أبو سليم ولم نستطع معرفة مصيرهم حتي الان" بحسب البيان. 

وطالبت رابطة أسر الشهداء والمفقودين والمعتقلين والمتضررين تاورغاء ، كل الجهات المسؤولة على "تحمل مسؤولياتهم للحفاظ على سلامة المخطوفين ، والمطالبة بالأفراج الفوري علي الابرياء منهم والمحافظة على حياتهم علماً بانه لم نتمكن من التواصل معهم حتى الان". 

** إتهامات

قالت منظمة شباب من أجل تاورغاء، إن "مهجرو تاورغاء في مخيم طريق المطار بطرابلس يتعرضون لهجوم مسلح من قبل الأمن المركزي أبوسليم التابع لداخلية الوفاق، تم اعتقال أكثر من 70 شخص من داخل المخيم، وإجبار أكثر من 500 عائلة على إخلاء المخيم في ظرف 4 ساعات".

وتابعت المنظمة،في منشور على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك،الجمعة 10أغسطس/ آب، "الأن تقوم المليشيات بهدم المخيم المأوى لمئات العائلات لتنقطع بهم السبل ولا مأوى سوى العراء، فيما تقوم جهود حثيثة من قبل المجلس المحلي طرابلس و عدد من الشخصيات، لحل الأزمة الراهنة".

من جهته،حمل عضو المجلس المحلي تاورغاء ورئيس لجنة الحوار مع مصراته، مصطفى قريمة،  في تصريح خاص لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"،حكومة الوفاق ورئيسها فائز السراج، مسؤولية الهجوم الذي وصفه "بالعنصري" على مخيم نازحي تاورغاء بالعاصمة طرابلس واعتقال عدد كبير من قاطني المخيم.

وقال قريمة، إن "هذا الهجوم يعد ممارسة وتمييز عنصري من قبل الجهات الأمنية التابعة لرئاسي ضد أهالي تاورغاء،وحمل المسؤولية الكاملة لما يحدث في أهالي تاورغاء لحكومة الوفاق بطرابلس وبشكل شخصي للسراج، منتقدا في الوقت ذاته صمت المسؤولين بحكومة الوفاق في طرابلس تجاه ما يشهد أبناء وأهالي تاورغاء".

ويعتبر مراقبون أن إستمرار معاناة أهالي تاورغاء،يعود إلي عجز السلطات في طرابلس عن إنهاء سطوة الميليشيات، الأمر الذي دفع بجهات سياسية عدة لتحميل الحكومة مسؤولية الإعتداءات المتواصلة من طرف الميليشيات المسلحة وتعثر إعادة النازحين الى مدينتهم.


** إدانة

وأعربت الأمم المتحدة في ليبيا، عن إدانتها الشديدة للإجلاء القسري لنازحي تاورغاء من مخيم طريق المطار وتركهم بلا مأوى للمرة الثانية منذ سبع سنوات. وقال المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، إن "الدخول إلى مخيم للنازحين بينما الناس نيام، وتهديم المنازل وإجبار الناس على الفرار وتركهم بلا مأوى، ما هو إلا انتهاك لكرامتهم وحقهم في الحماية التي ينص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

وأكدت الأمم المتحدة، على ضرورة الالتزام بمنع النزوح وحماية النازحين ومساعدتهم وإيجاد الحلول الدائمة لهم، داعية السلطات إلى توفير المأوى والحماية للنازحين الذين تم إجلاؤهم، والإفراج عن الذين تم احتجازهم بشكل تعسفي وتقديم المشتبه في ارتكابهم جرائم إلى العدالة دون تأخير، مؤكدة في الوقت ذاته استعدادها لتقديم المساعدة الإنسانية للمتضررين، وللعمل مع السلطات نحو إيجاد حلول مستدامة لجميع النازحين في ليبيا.

من جهتها،طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،في بيان أصدرته،الجمعة وخصت بوابة أفريقيا الإخبارية،بعثة الأمم المتحدة لدعم في ليبيا بتدخل العاجل لضمان الالتزام المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومسؤوليته القانونية والإنسانية اتجاه حماية أهالي تاورغاء المهجرين بمخيمات الشتات بعموم البلاد وخاصة بطرابلس.

وقالت اللجنة، "إنها تتابع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، ببالغ الأسى والقلق  قيام عناصر الدعم المركزي ابوسليم التابعين لوزارة  الداخلية بحكومة الوفاق مدججين بمختلف أنواع الأسلحة باقتحام مخيم نازحي تاورغاء، والكائن بمنطقة الفلاح بالعاصمة الليبية طرابلس،مطالبة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ووزارة الداخلية بحكومة الوفاق بسرعة العمل على إطلاق سراح المعتقلين، وضمان حماية الأهالي والعائلات المهجرة بالمخيم وعدم تكرار هذه الاعتداءات.

وبدأت مشكلة تهجير أهالي مدينة تاورغاء الساحلية، منذ سيطرة ميليشيات مسلحة من مصراتة على المدينة في 2011.وكان المفترض أن تنتهي مطلع فبراير/ شباط الماضي، بحسب بيان رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، نهاية العام الماضي، حيث قال وقتها إن "أهالي تاورغاء سيعودون إلى منازلهم مطلع فبراير"، إلا أن الاتفاق لم ينفذ،بسبب تعنت الميليشيات. 

ومطلع يونيو الماضي،وقعت مدينتا مصراتة وتاورغاء،على ميثاق صلح يقضي بعودة سكان الأخيرة المقدر عددهم بنحو 40 ألف نسمة إلى مدينتهم،عقب سبعة أعوام من تهجيرهم.لكن المدينة مازالت غير صالحة للسكن بسبب تهالك البنية التحتية، وعدم توفر الخدمات.وكان ئيس المجلس المحلي تاورغاء عبدالرحمن الشكشاك،اتهم الأسبوع الماضي، حكومة الوفاق بالتباطؤ في إعادة الخدمات إلى تاورغاء، رغم الوعود التي قدمتها مسبقا.