تلعب جماعة الإخوان المسلمين الليبية والتنظيمات التي تدور في فلكها دوراً كبيراً في المشهد السياسي ذلك أنه عقب عقود من العمل السري،  وصلت جماعة الإخوان المسلمون الليبية إلى المشهد السياسي إثر إسقاط نظام العقيد الراحل معمّر القذافي حيث أصبح فرع تنظيم الإخوان في ليبيا مهيكلا صلب حزب "العدالة و البناء".

وكان أول ظهور لـ جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا عام 1949. وقد أسس رجل الدين المصري عز الدين ابراهيم مصطفى وآخرون فرع جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا،  حيث منحهم الملك الليبي السابق إدريس ملاذاً آمناً بعد هروبهم من مصر.

وفي أواسط ستينات القرن الماضي بدأ التنظيم السري لجماعة الإخوان نشاطه في بنغازي برئاسة الشيخ فاتح أحواص. كما بدأت تنظيمات أخرى تابعة للتنظيم بممارسة نشاطها في العاصمة طرابلس وبشكل سري أيضاً. ورغم أن أياً من أعضاء الجماعة لم يتم اعتقاله في تلك الفترة إلاّ أن نشاطاتهم كانت تخضع لمراقبة أجهزة الأمن الليبية.

وعقب قيام ثورة الفاتح عام 1969،  وخلع الملك إدريس السنوسي،  وإعلان الجمهورية الليبية،  تولى معمر القذافي الحكم،  واتخذ موقفاً عدائيًا من "الإخوان" وقلب لهم تخطيطهم رأسًا على عقب،  على الرغم من مشاركتهم في الوزارات المختلفة التي شُكلت حتى العام 1973،  ولكن في العام نفسه،  قبض على قادة الإخوان وسرعان ما ظهروا تليفزيونيا وأعلنوا عن حل الجماعة.

نتيجة لوعي النظام الليبي بخطورة هذا التنظيم فقد تم حظر نشاطه منذ توليه الحكم لذلك كانت أنشطته سرية غالبا خارج ليبيا أين قامت قيادته بربط علاقات متينة بعدة دوائر في الدول الغربية مما ساهم في مشاركة التنظيم في عملية إسقاط القذافي بمعية القوى الدولية.

مع إندلاع أحداث 2011 بليبيا،  وفي خطبة شهيرة بمدينة بنغازي،  أحدُ قادة الإخوان،  الشيخ ونيس المبروك،  كان من أعلى أحد المنابر يشبه الناتو بحلف الفضول مبررار دعوة الناتو إلى التدخّل في ليبيا. 

فالتدخّل كما هو بديهي ينزع الصبغةَ العفوية عن أي حراك شعبي،  فتح الباب على مصراعيه أمام قوى إقليميّة ودوليّة ذاتِ أياد داخلية سببتْ تشرذمًا كبيرا،  أدخل البلاد في دوّامة التناحر الذي تشهده منذ سقوط القذّافي.

منذ الأيّام الأولى،  سعى الإخوانُ إلى التدخّل الخارجيّ،  محاولين إسقاطَ القذّافي والوصولَ إلى الحكم بأسرع وقت وأقلّ تكلفة. إذ طلب الإخوانُ من الجيشين التونسيّ والمصريّ التدخّلَ بعد أقلّ من أسبوع على اندلاع الانتفاضة. ومع تنامي الحصار على مدينة مصراته،  معقلِ الإسلاميين في الغرب،  دفع الإخوانُ نحو تدخّل تركيّ بحجة الأصول التركيّة لأهل مصراته.

 كما لم يتوقّف المجلسُ الوطنيّ الانتقاليّ والإخوان عن الدعوة إلى تدخّل دوليّ،  حتى وصلتْ قوات الجيش الليبي إلى مشارف بنغازي،  فصدر قرارُ مجلس الأمن رقم 1973 تحت الفصل السابع،  وبدأ قصفُ الناتو في 19 مارس 2011.

وقد صدرتْ فتاوى كثيرة في ليبيا وخارجها تحضّ على العنف والقتل،  لعل أشهرَها فتوى الشيخ يوسف القرضاوي بقتل القذافي.

في ذات الإطار، كاميرا قناة الجزيرة،  المقرّبة من الإخوان،  لم تغب لحظة لنقل الاستعراض،  الذي أعلن خلاله بلحاج ما أسموه بتحرير طرابلس،  ونصّب نفسَه رئيسًا لما سمّاه المجلس العسكريّ في طرابلس.

وكشفتْ شخصيات ليبيّة وازنة،  كانت في موقع المسؤوليّة في صفوف المعارضة،  عن إغراق الكتائب الإسلاميّة بالسلاح من دول تحكمها تيّارات تمثّل مشروعَ الإسلام السياسي،  كقطر والسودان وتركيا.

 رئيسُ الوزراء،  محمود جبريل،  تحدّث عن الدعم القطريّ المبكّر واللا محدود للمتمردين الإسلاميين (بل إنّ فرنسا أبدت اعتراضها على التمويل القطريّ المنفصل لبلحاج والكتائب الإسلاميّة). مسؤولون في المجلس الانتقاليّ كشفوا عن رصدهم لتخزين الكتائب الإسلاميّة للسلاح في وقت مبكّر من الأحداث،  وعدم استخدامه في مواجهة الجيش الليبي النظامي خلال المعارك.

أدوار أخرى تكشّفتْ،  ومنها دورُ علي الصلابي في توجيه دفّة المساعدات العسكريّة القطريّة إلى الجماعات الإسلاميّة،  خصوصًا أنّ شقيقَه،  إسماعيل،  يقود كتيبة راف الله السحاتي،  إحدى أكثر الميليشيات الإسلاميّة تطرفًا. أما إصرار قطر والكتائب الإسلاميّة على بقاء سلطة الميليشيات،  فيؤكّد الإعدادَ المبكّر للسيطرة على ليبيا،  ووضْعَ خيار الاحتكام إلى القوة في الحسبان.

وفي تصريحات صحفية لمحمود جبريل كشف سعي قطر الحثيث حينذاك إلى تنصيب بلحاج قائدا للثوار؛ فبحسب جبريل،  دفعت قطر ببلحاج إلى قيادة عمليّة تحرير طرابلس،  وزودته بالأسلحة،  ثم أجّلت موعدَ العمليّة مرات عدّة حتى يتسنى له تنظيم قواته.

من ذلك،  تدعم كل من تركيا وقطر والسودان الإخوان المسلمين ،  بكل مليشياتها العسكرية بالمال والسلاح،  حيث توفر السودان ترانزيت للنقل.  في حين شاركت قطر عسكريًا في قصف قوات الجيش الليبي مع الغرب وقدمت الدعم المالي والعسكري لحكومة طرابلس.

 أما تركيا فدعمت حزب العدالة والبناء الليبي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا حيث اعترفت تركيا بحكومة طرابلس وعينت في سبتمبر 2014،  مبعوثًا خاصًا في ليبيا،  وأصبح أول مبعوث يلتقي علنًا بالسلطات غير المعترف بها دوليًا في طرابلس.

أيضا سمحت تركيا لرحلات شركة الخطوط الجوية التركية باستئناف الطيران إلى مصراتة في سبتمبر 2014. فضلًا عن دعمها للحكومة عسكريا حيث ظهرت التقارير المتعلقة بالدور التركي المتنامي منذ يناير 2013،  عندما كشفت عن شحنات أسلحة صادرة من تركيا باتجاه ليبيا في مناسبات متكررة.

عاشت ليبيا منذ العام 2011،  وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا جراء التدخل الغربي أسقط النظام.

ولكن الأسوأ من ذلك كان سقوط البلاد ضحية للارهاب الذي استغل تلك الفوضى ليؤسس لنفسه موطئ قدم في البلاد لتتحول ليبيا في ظل تلك الضروف الى جحيم يعيشه أهلها وخطراً   يخشاه جيرانها.مآسي لم تمنع تيار الاسلام السياسي وعلى رأسهة جماعة "الاخوان" من المطالبة باعادة تكرار التدخل الغربي في ليبيا.

وتعددت محاولات الاخوان لصد الجيش الليبي فمن التحالف مع المليشيات والعناصر الارهابية والمطلوبين دوليا، مرورا بتجنيد المرتزقة والمهاجرين وصولا الى استجداء الدعم التركي والقطري.لكن ضربات الجيش الليبي مؤخرا وتقدمه الميداني مقابل تقهقر المليشيات دفع "الاخوان" الى المطالبة باعادة التدخل العسكري في ليبيا تحت ذريعة حماية المدنيين في تكرار لمأساة التدخل الغربي في العام 2011.

وجاء الطلب الأخير على لسان رئيس مجلس الدولة،  القيادي الإخواني خالد المشري، الذي قال أن استهداف منطقة الفرناج بالعاصمة طرابلس الاثنين يتطلب اتخاذ إجراءات حازمة محليا ودوليا وبشكل عاجل بهدف حماية المدنيين.وأوضح المشري في خطاب موجه لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج أن الإجراءات التي يجب اتخاذها تتمثل في "دعوة مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه ليبيا" مثلما فعل في 2011 بحسب البيان.

وتأتي مطالبات "الاخوان" بتكرار التدخل في ليبيا، في وقت تواصل فيه القوى الدولية الاقرار بخطأ ضرب ليبيا لا سيما بعد النتائج التي آلت إليها البلاد بعد إسقاط النظام وسيطرة الجماعات المتطرفة على البلاد.آخر هذه التصريحات جاء على لسان الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين، الذي أقر بأن التحذيرات التي أطلقها الزعيم الراحل معمر القذافي بشأن تبعات إسقاط الدولة الليبية قد تحققت.

في ذات السياق، أشار تقرير حول ليبيا نشره موقع "جلوبال ريسيرش"، في فبراير 2015، قائلا   أن تدخل حلف الناتو في عام 2011،  جعل ليبيا   دولة فاشلة وقادها واقتصادها إلى حالة من الفوضى.

واكد "جلوبال ريسيرش" أن سقوط "القذافي" خلق السيناريوهات الاسوأ في البلاد،  حيث أصبحت ملاذا للإرهابين،  وبات الساحل الشمالي مركزا لتجارة المهاجرين والهجرة غير الشرعية،    كما أغلقت كل من مصر وتونس والجزائر حدودها مع ليبيا،  وسط الاغتصاب والاغتيالات والتعذيب داخل البلاد،  وهو ما يكمل صورة الدولة الفاشلة.