بعد أن استرجع الجيش النيجيري أنفاسه بمساعدة جيرانه، بدأ يتقدم خطوات في حربه على بوكو حرام. حتى إن منظومة هذا التنظيم الارهابي تغيرت بالكامل وقدم زعيمه أبو بكر شيكاو بيعته لتنظيم داعش بعد أن كان يتحدث عن إحياء "إمارة سوكوتو" الذي ظهرت في القرن التاسع عشر ووعد أن يطبق فيها نظام الخلافة الاسلامية.
بدا للبعض أن تمدد تنظيم بوكو حرام على الخارطة النيجيرية وبالخصوص في شمالها عائد بالأساس لقوة التنظيم من الناحية المادية والدعوية، غير أنه ومنذ تدخل القوات التشادية والنيجرية والكاميرونية ضد تنظيم بوكو حرام بدأ الجميع يعيد صياغة هذه الفكرة.
فالتنظيم الارهابي كان يستغل سوء تنظيم الجيش النيجيري، بل أن مؤشرات اخرى كانت تقول بأنه يشتري عتاده من مخازن السلاح النيجيري. وهكذا بدأ تنظيم بوكو حرام يعود إلى حجمه الحقيقي بل انه أصبح يطلب الدعم متمثلا في مبايعة أبو بكر البغدادي.
قبل ذلك كان زعماء ومنظرو بوكو حرام يعتقدون أن دورهم هو إحياء الخلافة الاسلامية من نيجيريا. وفي إشارة لعبد الحق المنظر والداعية النيجيري المقرب من أبو بكر شيكاو "بوكو حرام تريد أن تعود بنيجيريا إلى ما قبل الاستعمار، وقتها كانت الشريعة هي التي تطبق في هذه البلاد" وبعد ذلك يضيف "كان شمال نيجيريا وقتها تحت سلطة إمارة سوكوتو، ولابد لها أن تعود".
لكن العارفين بالتاريخ النيجيري البعيد يرون أن الفكرة ليست مجرد حلم، بل هي نوع من التقليد، إذ توجد الكثير من نقاط التشابه في الحركتين. ظهرت إمارة سوكوتو في بدايات القرن التاسع عشر وهي تغطي ما يقابل اليوم شمال نيجيريا، جنوب النيجر، ضفاف بحيرة التشاد على الأراضي الكاميرونية، مع بعض المناطق التي توجد اليوم في بوركينا فاسو، أي الفضاء الذي يتحرك فيه بوكو حرام. وكانت حركة تمردية في الأساس ضد مملكة الكانوريس المستقرة في بورنو.
كان سوكوتو تفرض الشريعة الإسلامية تحت إمرة الامام دان فوديو والذي كان يعتبر في ذلك الوقت من اصلاحيي الاسلام في افريقيا وكان عمله النظري يدعو إلى تطهير الدين مما اسلتبس به من وثنيات تتوارثها الجماعات الإفريقية وقد أعلن حربه ضد الكانوريس سنة 1804.
بعد 5 سنوات تمكن من السيطرة على معظم نيجيريا، فيما عدا المناطق القريبة من بورنو. وقد تسمت حركته على اسم مدينة في الشمال الشرقي استقر بها الامام فوديو. يرى المؤرخون النيجيريون ان هذه الصراعات كانت السبب في سهولة احتلال نيجيريا في نهاية ذلك القرن من قبل البريطانيين، حيث وجدت سلطا دمرت نفسها بنفسها في حروب متلاحقة بلا غاية.
لم تمح ذكرى إمارة سوكوتو، حتى قبل ظهور بوكو حرام من جديد، ففي شهر اكتوبر 1999 احتفل ولاية زامفارا في شمال نيجيريا بالذكرى المئوية لسقوط سوكوتو، معتبرة هذا الاحتفال استئنافا للتاريخ الأهلي لنيجيريا الذي قطعه الاستعمار وأرغم البلاد على ان تعيش تاريخا مرتبطا بالنظام العالمي قائم على استغلال السود.
وفي السنوات القليلة الفارطة، بدأت العديد من الولايات الشمالية ذات الاغلبية المسلمة في نيجريا تعود إلى الشريعة الإسلامية كمرجع لقوانينها. وتعد نيجريا 36 ولاية منها اليوم 12 تعتمد الشريعة الاسلامية وهوما يعتبره المحللون تمهيدا ساعد بوكو حرام على تثبيت اقدامه بسرعة بين الأهالي.
تتسرب بعض الأخبار من داخل بوكو حرام بأن شيكاو كان يحلم أن يجعل من مدينة مايديغوري عاصمة الخلافة الجديدة، وهي التي شهدت مولد فكرة بوكو حرام في شكلها الدعوي قبل أن تتحول إلى تنظيم ارهابي. مايديغوري كان قد خسرها مقاتلو بوكو حرام في الشهر الفائت بعد تدخل قوي ومدروس للقوات التشادية على التراب النيجيري. فهل أن ذلك يعني بأن حلم خلافة سوكوتو قد تراجع إلى الخلف؟
الخريطة توضح المجال الجغرافي لإمارة سوكوتو، والولايات التي تعتمد الشريعة في نيجيريا وكذلك مجال تحرك بوكو حرام اليوم