لا يمر يوم في نيجيريا من دون أن يشهد هجوما يشنه مقاتلون محسوبون على جماعة «بوكو حرام». ويرى محللون أن تزايد هذه الاعتداءات يضعف نيجيريا، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، لكنه يهدد أيضا بتقويض استقرار كامل المنطقة القريبة من حدود الكاميرون وتشاد والنيجر.
وما زالت نيجيريا في حالة صدمة، بعد المجزرة التي وقعت، أول من أمس، قرب مسجد كانو الكبير، أبرز مدينة في شمال البلاد، إذ لقي 120 شخصا على الأقل مصرعهم في عملية انتحارية مزدوجة تلاها هجوم شنته مجموعة مسلحة وقت الصلاة.
وتشير كل الدلائل إلى أن الهجوم كان انتقاما من أمير كانو، إذ من هذا المسجد دعا المسؤول المسلم الثاني في البلاد، الأسبوع الماضي، الشعب إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم من الهجمات التي يشنها مقاتلو «بوكو حرام». وقال أندرو نواكس، من الشبكة النيجيرية للتحليلات الأمنية، إن «(بوكو حرام) هددت مرارا المسؤولين الدينيين والمدنيين في شمال نيجيريا الذين تعدهم الجماعة حلفاء للدولة وأدوات لها».
وأمس، توعد الرئيس النيجيري غودلاك جوناثان بـ«عدم ادخار أي جهد»، في سبيل القبض على المسؤولين عن الهجوم الذي وقع قرب مسجد كانو، في وقت أدانت واشنطن فيه محاولة بوكو حرام «لزعزعة الاستقرار». ووصف جوناثان العملية الانتحارية المزدوجة بأنها «حاقدة ودنيئة»، وفي بيان نشر ليلا، طلب الرئيس من قوات الأمن «فتح تحقيق شامل وبذل كل الجهود للقبض على منفذي الأعمال الإرهابية التي تقوض حق كل مواطن في العيش بكرامة وإحالتهم على القضاء». كما أدانت الولايات المتحدة الاعتداء «البشع». وأعربت عن «تضامنها مع الشعب النيجيري في حربه على التطرف العنيف»، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي إن الاعتداء المزدوج «يحمل بصمة (بوكو حرام)، ويدل على الازدراء الذي تبديه الجماعة للحياة البشرية، مع مواصلة جهودها لزعزعة الاستقرار في نيجيريا».
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدوره «الاعتداء الفظيع» في كانو، ودعا السلطات إلى إحالة المسؤولين على القضاء، مؤكدا الدعم التام للأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب.
وقبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في فبراير (شباط) 2015، التي يترشح إليها الرئيس الحالي غودلاك جوناثان، يذكر الهجوم أيضا أن هذه الجماعة المتشددة دائما ما سعت في الأسابيع الأخيرة إلى توسيع نطاق تحركها خارج ولايات بورنو ويوبي واداماوا الأكثر تضررا بهجماتها في مناطق نفوذها في الشمال الشرقي. وقال راين كامينغز الخبير في المسائل الأمنية، إن «(بوكو حرام) تحاول فرض الفكرة القائلة إنها يمكن أن تضرب في أي مكان». وقبل ساعات من اعتداء كانو، تم تعطيل قنبلة كانت مخبأة قرب مسجد آخر في مايدوغوري، على بعد 600 كلم إلى الشرق. وتشهد عاصمة ولاية بورنو التي أُنشئت فيها «بوكو حرام» عام 2002، توترا شديدا؛ فقد فجرت فيها امرأتان انتحاريتان عبوتيهما، الثلاثاء الماضي، وقتلتا 45 شخصا في سوق مكتظة. ولقي 50 شخصا حتفهم، الاثنين الماضي، في دمساك التي تبعد 180 كلم شمال المدينة قرب حدود النيجر، خلال هجوم شنه مقاتلو «بوكو حرام» الذين استولوا على المدينة.
ويعد سجل المجازر في نيجيريا قديما، إذ أسفرت أعمال العنف التي نفذها الإسلاميون والمعارك مع قوات الأمن والجيش عن 13 ألف قتيل، في حين هجر 1.5 مليون شخص منذ 2009. إلا أن وتيرة الهجمات التي ازدادت تسارعا في الأشهر الأخيرة، وتنويع أساليب الهجوم من الهجمات الخاطفة إلى الاعتداءات الانتحارية، تؤكد هذا التغير.
وفي خلال بضعة أشهر، استولت الحركة المسلحة على نحو 20 قرية في شمال شرقي نيجيريا، وأعلنت «خلافة» في المناطق التي تسيطر عليها، على خطى «الخلافة» التي أعلنها جهاديو تنظيم «داعش» في مناطق بالعراق وسوريا. ويشمل التغيير حجم العمليات أيضا، لأن «بوكو حرام» تشكل أكثر من أي وقت مضى، تهديدا إقليميا، فأقصى شمال الكاميرون يتعرض لمزيد من العمليات الدامية، وتتخوف دولتا النيجر وتشاد المجاورتان من هجمات أيضا، مع اقتراب فصل الجفاف وسهولة اجتياز العوائق الطبيعية كالأنهار. وتحدث مصدر في إحدى المنظمات الإنسانية في النيجر، عن «رعب» ناجم عن الخوف من هجمات في المنطقة الحدودية. وتم تشديد التدابير الأمنية في مدينة ديفا الكبيرة، شرق النيجر القريب من نيجيريا، وأغلقت مدارس ومستوصفات في المنطقة التي يتدفق إليها اللاجئون النيجيريون. ودائما ما تهاجم «بوكو حرام» المدارس والمعلمين والتلامذة. وهي ما زالت تحتجز 219 تلميذة خطفن في أبريل (نيسان) الماضي في شيبوك (شمال شرق)، وقد استنكر العالم أجمع عملية الخطف هذه. وقال دبلوماسي غربي إن الهاجس الأساسي في تشاد، هو من «هجمات فردية».
ويتهدد الخطر الأكبر خارج نيجيريا منطقة أقصى شمال الكاميرون. فالمسؤولون العسكريون فيه «مقتنعون» بأن بوكو حرام لا تسعى إلى إقامة دولة إسلامية «في نيجيريا فقط بل في الكاميرون أيضا».

*نقلا عن الشرق الأوسط