فاقم إعلان الجماعة المسلحة، بوكو حرام، ولائها "للدولة الإسلامية" السبت الماضي مخاوف الغرب من توسع هذا التنظيم الإرهابي خارج قواعده في العراق وسوريا. ما دفع الكوماندوز الذي شكلته أمريكا وحلفاؤها بالإسراع في تدريب القوات الإفريقية لمكافحة خطر الإرهاب القادم من المتطرفين في القارة.
وقد تعززت الجهود بهذا الشأن لمحاربة الجماعات المسلحة، مثل بوكو حرام، خصوصا بعد عملية اختطاف طالبات المدارس وذبح الآلاف المدنيين، وأخيرا بعد أن توسعت العمليات الإرهابية إلى خارج نيجيريا لتشمل الكاميرون والنيجر وتشاد.
"بوكو حرام ليست مجرد تهديد لبلادنا فقط، بل لكل القارة الإفريقية"، يقول الجنرال زكريا نغوبونغ، الضابط التشادي الذي تدرب في فرنسا وفي قاعدة هورلبورت بفلوريدا الأمريكية، وهو المشرف على تدريبات هذه السنة. ويضيف، "إنهم خطر على العالم بأسره."
موافقة إدارة أوباما 
إن الأشرطة الجديدة التي بثتها بوكو حرام، بما فيها مشاهد قطع الرؤوس، تعكس توجه "الدولة الإسلامية". وقد قام مسؤولون في واشنطن والعواصم الأوروبية بمراقبة هذه التطورات لمعرفة مدى التقارب بين الجماعتين الإرهابيتين.
هذا وقد جرى، السبت الماضي، فحص وتحليل إعلان قيادة بوكو حرام ولاءها "للدولة الإسلامية" من قبل خبراء غربيين في مكافحة الإرهاب، وكانوا قد أعلنوا أنه يبدو مطابقا وصحيحا.
وقال الملازم كولونيل إبراهيم مهانات، وهو ضابط في الجيش التشادي: "عندما يحترق منزل جارك، يجب عليك إخماده، لأنه إن لم تفعل، سيكون منزلك هو التالي"، وذلك في معرض حديثه بمناسبة الاستعراض العسكرية السنوي للبنتاغون، بمشاركة 1.200 جندي من القوات الإفريقية والقوات الأمريكية الخاصة وقوات الكوماندوز الغربية الأخرى.
تدريب هذه السنة هو الأكبر من نوعه منذ العقد الماضي، إذ جرى على مدى ثلاثة أسابيع تم التدرب فيها على الرماية ونصب الكمائن والقيام بدوريات وهمية في الأراضي الصحراوية القاسية، وكان بمثابة تمرين على عمليات حقيقية. فالعاصمة التشادية، نجامينا، لا تبعد سوى 30 ميلا عن الأراضي التي تسيطر عليها جماعة بوكو حرام في نيجيريا، والتي توعدت بالانتقام منذ أن شرعت تشاد في شن هجمات عبر الحدود ضد مسلحيها. فيما كثفت قوات الأمن والجيش دورياتها في العاصمة مع زيادة خطر التهديدات، بما فيها تفجيرات انتحارية محتملة.


وفي غضون هذه المرحلة، دفعت بوكو حرام بأكثر من مائتي ألف لاجئ نيجيري خارج الحدود النيجيرية. وكان السبت الماضي قد شهد ثلاثة تفجيرات هزت مدينة مايدوغوري شمال شرق البلاد، مما أودى بحياة عشرات الأشخاص في أسوأ هجوم منذ أن حاول المسلحون الإسلاميون المشتبه بهم الاستيلاء عليها في يناير الماضي.
ويعتقد بعض المسؤولين أنه بالتحالف الوثيق مع "الدولة الإسلامية"، تسعى بوكو حرام لرفع مكانتها في 'العالم الجهادي' وجلب مقاتلين أجانب وربما الظفر بتمويل من الجماعة الأم.
"بالتحالف مع  داعش، تسعى بوكو حرام لنيل قدر أكبر من الشرعية داخل المجتمع الجهادي العالمي"، يقول ليث الخوري، وهو من المحللين المرموقين داخل شركة "فلاش بوينت غلوبل بارتنرز" الاستشارية، المختصة في تعقب مواقع المتطرفين.
لكن محللين تابعين للمخابرات الأمريكية صرحوا بأنه لم يتضح بعد حجم القدرات القتالية، إن وجدت فعلا، التي قد تضيفها هذه العلاقة لبوكو حرام أو كيف سيتم ذلك في المستقبل القريب.
أثارت بوكو حرام اهتمام العالم في أبريل نيسان الماضي عندما اختطف ما يقرب من 300 فتاة في سن المراهقة في نيجيريا. فباستثناء الفتيات اللائي استطعن الهرب، لم يظهر أي جديد في القضية، فيما يُعتقد أن الكثير منهن تم تزويجهن لمقاتلي بوكو حرام. وكانت الولايات المتحدة قد التزمت الصيف الماضي بضخ 40 مليون دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة لمساعدة كل من نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون من أجل تطوير أمن الحدود وتأمين دوريات أكثر فعالية وشراء الأسلحة والذخيرة ونظارات الرؤية الليلية وأجهزة الاتصال.
وقد تجلى قلق الأمريكيين والأوروبيين المتزايد، في قيام قوات عسكرية خاصة من قاعدة  فورت كارسون بولاية كولورادو بالتعاون مع قوات العمليات العسكرية الخاصة الأمريكية والغربية، بتنظيم تدريب لفائدة القوات الإفريقية  في تشاد لمساعدتهم على تنفيذ دوريات هجومية وإحباط كمائن الإرهابيين، عمليات كثيرة يُرجح أن تقوم بها الوحدات المدربة ضد جماعة بوكو حرام. وفي إشارة أخرى على تزايد التهديدات، استدعت وزارة الخارجية، الشهر الماضي، سفيرها المتقاعد، دان موزينا، المعروف بشبكة علاقاته في إفريقيا لتنسيق الجهود الدبلوماسية الأمريكية في الحرب على المتطرفين.
في غرب إفريقيا لوحدها، تتوفر الولايات المتحدة على أكثر من مائتي فريق من قوات العمليات الخاصة، مهمتهم إرشاد الجنود المحليين، دون المشاركة في أي القتال. وتشرف البحرية الأمريكية على تدريب القوات الخاصة النيجيرية للتدخل في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط. فيما تقوم طائرات بدون طيار بعمليات استطلاعية لدعم العمليات الفرنسية في النيجر ومالي.


وبدعم من المسؤولين الغربيين، اتخذ القادة الأفارقة خطوة غير مسبوقة لتشكيل قوة إقليمية قوامها 8.700 جندي لمكافحة بوكو حرام. إن نجاح هذه القوة في مهمتها الجديدة سيكون رهانا حقيقيا للسياسة الأمريكية التي ترتكز على تدريب وتأهيل القوات الإفريقية لمعالجة التهديدات الأمنية بنفسها بدل الاستعانة بتدخل القوات الأمريكية.
حسب مسؤولين غربيين وأفارقة، لن تكون المهمة سهلة. فعلى الدول المشاركة، نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون وبنين، التغلب على سنوات من غياب الثقة والخلافات وغياب التنسيق العسكري في سبيل بناء وتشكيل وحدة قتالية ذات فعالية.
التقى مسؤولون أفارقة ومراقبون من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في نجامينا أواخر الشهر الماضي للتداول بشأن مسألة قيادة هذه القوة ومناقشة تفاصيل أخرى، لكن دون التوصل إلى اتفاق نهائي. لذا من المتوقع أن تُعقد المزيد من المحادثات في الأسابيع المقبلة.
وتجدر الإشارة إلى أن الاستراتيجية الأمريكية في إفريقيا تتوقف أيضا على شركائها الأوروبيين، خصوصا أنهم يتوفرون على علاقات تاريخية مع القوى الموجودة في المنطقة. وقال مسؤولون إن فرنسا أعادت تنظيم قواتها البالغة 3.000 في منطقة الساحل، وهي منطقة واسعة جنوب الصحراء تمتد من السنغال إلى تشاد، لتطوير عملياتها على نحو أكثر فعالية.
وذكر مسؤولون في الجيش الفرنسي أنه في إطار هذه المهمة الإقليمية، التي أُطلق عليها اسم عملية برخان، أرسلت فرنسا مجموعة من 15 عنصرا الشهر الماضي إلى مدينة ديفا جنوب شرق النيجر، على مقربة من الحدود مع نيجيريا، لجمع معلومات استخباراتية حول بوكو حرام.
كما حشدت تشاد والنيجر والكاميرون آلاف الجنود لإبعاد بوكو حرام، التي تملك جيشا قوامه بين 4.000 و6.000 مقاتل، لم تصمد أمامه القوات النيجيرية الضعيفة وغير المجهزة. واستطاعت قوات الدول الإفريقية الثلاث استعادة 30 بلدة شمال شرق نيجيريا كانت تحت سيطرة بوكو حرام منذ العام الماضي.
تدخل قوات مكافحة الإرهاب التشادية التي دربتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قاتلت إلى جانب القوات الفرنسية في مالي ضد الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة هناك، ضمن جيش من 5.000 جندي تشادي مهمتها محاربة بوكو حرام في المنطقة. وبالمقابل، قال مختصون غربيون إن فريق التدخل السريع الكاميروني، الذي دربته إسرائيل، ينشط أيضا بشكل جيد في عمليات ضد المسلحين.
هذا وصرح الرئيس التشادي، إدريس ديبي، الأربعاء المنصرم، أنه كان على علم بمكان وجود أبو بكر شيكاو، زعيم جماعة بوكو حرام، وطلب منه تسليم نفسه تفاديا لقتله.
وقال مسؤولون غربيون إنه يبدو أن هذه الاستجابة الإقليمية قد شدت من عضد نيجيريا، حيث ظهرت قواتها بشكل أكثر فعالية في الأسابيع الأخيرة، عندما طاردت مقاتلي بوكو حرام من أراضي كانت تسيطر عليها في السابق. "لقد طُردوا شر طردة"، يقول الكولونيل جورج ثييبيز، الذي يقود قوات العمليات الخاصة الأمريكية في منطقة غرب أفريقيا.
ومع ذلك، عبر كبار المسؤولين الاستخباراتيين ومكافحة الإرهاب الأمريكيين عن شكوكهم بخصوص قدرة نيجيريا وجيرانها احتواء هذه التهديدات بنجاح، على الأقل في بدايتها.
"ستستمر بوكو حرام في تأكيد سيطرتها على "الدولة الإسلامية" التي أعلنت قيامها شمال شرق نيجيريا وستعمل على توسيع حملة زرع الرعب في الدول المجاورة، كالكاميرون والنيجر، وتشاد"، يقول جيمس كلابر الابن، مدير الاستخبارات الوطنية، في واشنطن، عندما كان يعرض التقويم السنوي للتهديدات الإرهابية في 26 فبراير الماضي.
وقال نيكولاس راسموسن، رئيس المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، متحدثا إلى لجنة بمجلس الشيوخ الشهر الماضي، "يبقى أن نرى ما إذا كانت الأطراف الإقليمية بإمكانها أن تضبط الأمور."
إن إنشاء قوة إقليمية، وهو ما تبنته الدول المشاركة بداية أكتوبر الماضي وأجازه الاتحاد الإفريقي في يناير الأخير، سوف يعني التغلب على سنوات من انعدام الثقة بين نيجيريا وجيرانها.
"لقد ظل التعاون الإقليمي حتى الآن ضعيفا"، وذلك بحسب تقييم داخلي قام به الاتحاد الأوروبي، حصل موقع ويكيلاو، المختص في القضايا الأمنية ومقره روما، على نسخة منه، مضيفا أن التعاون في المستقبل قد يتأثر بـ "تقاليد البلدان في العمل معا وتقاسم تاريخ طويل من النزاعات المحلية واللغات المختلفة ".
"لو كانت هناك إرادة نيجيرية، لما كانت بوكو حرام على ما هي عليه الآن"، يقول العقيد خاصم موسى، وهو ضابط تشادي كبير من قوات مكافحة الإرهاب الخاصة.
أقر مسؤولون نيجيريون بشكل غير مباشر  أن جيشهم، الذي يشارك بانتظام في قوات عمليات حفظ السلام التابع للأمم المتحدة، قد أهمل هذه القضية لفترة طويلة جدا. لكن مسؤولين آخرين يؤكدون أن بوكو حرام حصل على أسلحة ثقيلة قادمة من ليبيا وعبر السوق السوداء وأن جيرانها فشلوا في حماية وإدارة الحدود، ما قوى شوكة الجماعة الإرهابية.
قال مسؤولون أفارقة إن نموذجهم في هذه العمليات هي القوات الإفريقية التي تم إنشاؤها قبل عدة سنوات لمكافحة جماعة الشباب الإسلامية في الصومال. وكانت تضم قوات من أوغندا وكينيا وبوروندي، مرت من مرحلة نمو صعبة قبل أن تصبح وحدة قتالية قادرة.
هنا في ماو، الموقع الرئيسي للتدريبات العسكرية المشار إليها، على بعد حوالي 135 ميلا إلى الشمال الشرقي من العاصمة التشادية، يتدرب الجنود الأفارقة على يد معدين أمريكيين ودانماركيين وبإشراف مستشارين إيطاليين وبلجيكيين وغيرهم لتعلم مهارات جديدة، منها تقنيات مواجهة كمين عدو محتمل.
"سيساعدهم هذا على رفع مستوى قتاليتهم"، يقول معد دانماركي مرموق، من الصعب التعرف عليه وسط المعدين والجنود الآخرين بسبب قواعد التمرين الدقيقة.
توقفت مجموعة من كوماندوز البحرية النيجيرية، من بينهم بعض قدامى المقاتلين في حرب الست سنوات ضد بوكو حرام، توقفت بعد التمرين على مواجهة كمين مفترض على تلة رملية للتفكير في هذا التحالف الناشئ.
"قبل ذلك، كان الناس يعتقدون أنها معركة نيجيريا وحدها"، يقول أحد عناصر الكوماندوز النيجيري، مضيفا، "الآن فقط لم تعد نيجيريا وحيدة في هذه المعركة".