توحي حركة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بأنه تعافى تماماً من وعكته الصحية، فبدأ في الظهور على شاشة التلفزيون بشكل يومي تقريباً، وعاد إلى ممارسة النشاطات الرئاسية البروتوكولية، خصوصاً ما يتعلق منها باستقبال السفراء والشخصيات السياسية التي تزور الجزائر.

ويحرص بوتفليقة خلال الفترة الأخيرة على استقبال العديد من السفراء، على الرغم من أن دول بعضهم لا تمثّل أهمية على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادية مع الجزائر، كالبيرو التي استقبل بوتفليقة سفيرها قبل يومين، إضافة إلى مسؤولين من الصين وفرنسا واليونان زاروا الجزائر في مناسبات متعددة أخيراً.

عودة الرئيس الجزائري إلى الظهور في المشهد السياسي، لا تنفصل عن سياق التدافع السياسي الحاد والمواجهة المفتوحة بين السلطة والمعارضة التي تشهدها الجزائر، في ظل ضغط متواصل من قبل تكتل قوي لأحزاب المعارضة، ضمّ للمرة الأولى كل التيارات الإسلامية والوطنية والديمقراطية التي وجدت نفسها في مواجهة سلطة لا تريد أن تستمع لأي طرف سياسي، وتعمل على صياغة القرار السياسي بشكل منفرد، بما في ذلك مسودة الدستور الجاري الإعداد للكشف عنها، والتي يفترض عرضها إما للاستفتاء الشعبي أو للمصادقة في البرلمان.

وتطالب أحزاب المعارضة المنضوية في تكتل "التغيير والتنسيق الديمقراطي"، منذ أبريل/نيسان 2013، المجلس الدستوري بإقرار تطبيق المادة 88 من الدستور التي تنصّ على شغور منصب رئيس الجمهورية، وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، في حال شغور منصب رئيس الجمهورية، وهو الشغور الذي تعتبر أحزاب المعارضة انه واقع بسبب الغياب اللافت لبوتفليقة عن المشهد السياسي خصوصاً في بعض الفترات المتقطعة، وعدم قدرته على ممارسة بعض النشاطات التي تدخل في صلاحياته الدستورية.

ويعاني بوتفليقة منذ 27 أبريل/نيسان 2013 من تداعيات وعكة صحية ألمت به، نُقل على إثرها سريعاً إلى مستشفى فال دوغراس في باريس، وعاد إليه مجدداً في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لإجراء فحوصات طبية. لكن ذلك لم يمنع الرئيس الجزائري من خوض الانتخابات الرئاسية التي جرت في 17 أبريل/نيسان الماضي، وظهر وهو يصوّت في مكتب الاقتراع على كرسي متحرك، وفاز بالانتخابات من دون أن يقوم بأي حملة انتخابية.

لكن رد بوتفليقة على ما تعتبره أحزاب السلطة مزاعم من قِبل قوى المعارضة، لم يقتصر على الاستقبالات البروتوكولية فحسب، بل تعداه إلى إعلان سلسلة قرارات تتعلق بتعديل جزئي مسّ سلك القضاء وتعيين قضاة جدد في المحكمة العليا ومجلس الدولة والمجالس القضائية، وتعديل في سلك السفراء والقناصل، في خطوة تهدف إلى إعطاء الانطباع بتحكّمه في مسار الدولة وتسيير شؤونها.

إضافة إلى ذلك، لا تكلّ أحزاب السلطة، وخصوصاً "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، عن الاستماتة في الدفاع عن بوتفليقة، ومهاجمة أحزاب المعارضة.

وفي هذا الإطار، قال الأمين العام لـ"جبهة التحرير الوطني" عمار سعداني إن الأحزاب التي تطالب المجلس الدستوري بإقرار حالة شغور منصب الرئيس، هي أحزاب غير مسؤولة وتدعو إلى الفوضى السياسية، معتبراً أن المعارضة تحاول استدراك إخفاقاتها في الحالات الانتخابية السابقة.

لكن تصريحات سعداني والمسؤولين الحكوميين ضد أحزاب المعارضة، لا تُعبّر بالضرورة عن قوة وتماسك بين أطراف السلطة، خصوصاً في الفترة الأخيرة، بقدر ما تعبّر عن بداية إرباك داخل النظام، خصوصاً في ظل الصراع غير المعلن بين جهاز الاستخبارات والرئاسة.

هذا الصراع أخذ أكثر من مظهر، غير أن المشهد الأكثر تعبيراً عن وجود مشكلات عميقة داخل السلطة هو حالة التمرد غير المسبوقة لرجال الأمن والشرطة، الذين قاموا قبل أسبوعين باعتصامات وإضراب عن العمل شمل العاصمة وعدة ولايات، وبلغ حد محاصرة مقر رئاسة الجمهورية، لرفع مطالب اجتماعية، والمطالبة برحيل المدير العام للأمن الوطني اللواء عبد الغني الهامل، وهي المطالب التي وضعت السلطة في حالة حرج شديد، ودفعتها إلى الاستجابة سريعاً للعدد الأكبر من لائحة مطالب الشرطة.

وتبدو أحزاب المعارضة في الجزائر أكثر ادراكاً من أي وقت مضى للوضع الداخلي المتأزم للسلطة، وتدير معركتها مع النظام بشكل ايجابي، وهي لا تتجه إلى المواجهة المفتوحة في الشارع، لكنها تتواصل مع القوى الشعبية والنقابات بصورة هادئة، ما قد يكشف عن مشهد لتحولات سياسية عميقة في الجزائر في المرحلة المقبلة، حسب العربي الجديد.