ينتظر مواطنو جنوب السودان كل عام أعياد الكريسماس، وتبدأ الاستعدادات مطلع شهر ديسمبر/ كانون الثاني بشراء الملابس الجديد والأطعمة .. فهي مناسبة يحاول من خلالها المواطنون تخفيف الأعباء التي يعانون منها طوال العام، ولكن منذ أن أعلنت البلاد انفصالها عن السودان في عام 2011، أصبح للإحتفال كلفة باهظة مع ارتفاع الأسعار خاصة مع قرب الأعياد.
ورغم اعتياد المواطنين على هذا الأمر مع قرب الاحتفال بهذه المناسبة في كل عام، إلا أن معدلات ارتفاع الأسعار هذا العام فاقت التوقعات وخاصة مع مواجهة البلاد مشكلات تتمثل في شح الدولار الأمريكي، ناهيك عن الاستقطاب السياسي العميق.
وفي سوق الملابس المعروف باسم “كونيو كونيو”، تتجول بيتى أكوت سالفاتورى، لشراء ملابس العيد لطفلها، لكن المفاجئة أن 800 جنيه سوداني (253 دولار) لن تستطيع بهم شراء ما تتمناه، فهذا المبلغ لا يكفى سوى شراء قطعتين من الملابس.
وتقول بيتى في حديثها لوكالة الأناضول بعد أن اشترت سروال وقميص لابنها: “أنا مندهشة، جئت وبحوزتي 800 جنيه والآن معي 70 جنيها فقط”.
وتساءلت بيتى بسخط واضح :”أنا لا أدرى إلى أي مدى سترتفع الأسعار”.
مشهد ارتفاع الأسعار لا يقتصر فقط على سوق الملابس ولكن المشهد نفسه يتكرر فى محال البقالة.
وتشكو جوديث ناساند التي ذهبت إلى سوق “جيبيل” لشراء بعض الخضروات أن الأسعار قد ارتفعت بشكل كبير.
وأضافت ناساند فى حديثها لمراسل الأناضول: “الشهر الماضي كنا نشترى كيلو البصل بـ 2 جنيه، أما الآن وبسبب اقتراب الكريسماس فإن سعره قد ارتفع إلى 5 جنيهات”.
وعلى الرغم من الإمكانيات الزراعية الهائلة التي لا تزال غير مستغلة إلى حد كبير، فإن جنوب السودان يعتمد على استيراد السلع بشكل رئيسي بما في ذلك السلع الغذائية من البلدان المجاورة .
وأجبرت عمليات الاستيراد البلد الحديث النشأة إلى الاعتماد على الدولار الأمريكي بشكل كبير، مما أدى إلى نقص الدولار في الأسواق وهو السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار وفقا لما قاله تجار التجزئة بجنوب السودان.
وقال محمد إبراهيم، مالك أحد محلات البقالة إن التجار يشترون مختلف السلع بأسعار مرتفعة من تجار الجملة .
وأضاف في حديثه لمراسل وكالة الأناضول: “عندما نطلب منهم شيئا يقولون إن سعر الصرف (للدولار) مرتفع فماذا نفعل”.
وأضاف إبراهيم :” نحن نرفع السعر قليلا أيضا لكى نحقق أرباح”. وأشار إلى أن موسم عيد الميلاد مسؤول عن ارتفاع الأسعار بشكل جزئي لأن الجميع يريد أن يشترى شيئا جديدا.
وأضاف إبراهيم :” هذا هو السبب في شح الدولار في الأسواق”.
ولكن آدم يوسف، صاحب أحد محلات الملابس في سوق “جيبيل” يختلف مع ما يقوله إبراهيم، مؤكدا أن الزيادة الحالية في الأسعار ليست بسبب اقتراب عيد الميلاد.
وأضاف يوسف فى حديثه لمراسل الأناضول: “المشكلة تكمن في الرسوم الجمركية ونقص الدولار الأمريكي، وهما السبب وراء انخفاض قيمة الجنيه الجنوب سوداني”.
وتفاقمت أزمة نقص الدولار في الأسواق، مؤخرا رغم التدابير التي اتخذها البنك المركزي بجنوب السودان لعلاج هذه المشكلة والتي من بينها تجريم التعامل فى السوق السوداء للعملة (الموازية) .
وفى حين يبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في البنوك 3.16 جنيه جنوب سوداني، فإن سعر الصرف فى السوق السوداء قد يصل إلى 5.5 جنيه.
وقال نائب السكرتير العام لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في جنوب السودان دات دات ييل، إن الأسعار ترتفع كل عام مع اقتراب موسم عطلات الكريسماس مشيرا إلى أن شح الدولار فاقم من الأوضاع.
وأضاف ييل فى حديثه لمراسل الأناضول :” كدولة حديثة المنشأ تعتمد جنوب السودان بقوة على الواردات السلعية والتي تحتاج إلى الدولار لشرئها”.
وأشار ييل إلى أن نقص الدولار لدى جنوب السودان أثر على قدرة الشركات على استيراد السلع والمنتجات”.
وأضاف أن الصراع الدائر في البلاد له تأثير سلبى على المؤسسات الاقتصادية.
وتشهد دولة جنوب السودان منذ ديسمبر/ كانون الأول 2013 صراعًا دمويًا على السلطة بين القوات الحكومة والمعارضة المسلحة بقيادة “ريك مشار”، النائب السابق لرئيس البلاد، “سلفاكير ميارديت”، ولم تنجح مفاوضات السلام التي جرت خلال الفترة الماضية في أديس أبابا، في وضع نهاية للعدائيات بين الطرفين والتوصل لصيغة لتقاسم السلطة حتى الآن.
ومنذ ذلك الحين تشرد مئات الآلاف من السودانيين الجنوبيين، بسبب القتال بين الطرفين مما أدى إلى تدهور الوضع الإنساني بشكل متزايد على نطاق واسع في البلاد.
وفى الأشهر الأخيرة شهدت جنوب السودان عودة لمعسكرات الحرب بعد انتهاء محادثات السلام التي دارت في أديس أبابا تحت رعاية الهيئة الحكومية لتنمية شرق إفريقيا “إيغاد”، وهو تجمع إقليمي لدول شرق إفريقيا يتخذ من جيبوتي مقرا له.
وقال ييل إن الحكومة وغرفة التجارة يعملان معا من أجل ضمان وصول السلع قبل موسم الأعياد المقبل.
وأضاف ييل: “ما بين 14 و 15 ديسمبر الجاري ستصل المزيد من الشاحنات التي تحمل السلع الاستهلاكية ومواد البناء”.
وأضاف ييل : “كأي غرفة تجارية، هدفنا هو توفير بيئة مواتية لنمو الأعمال التجارية فى جنوب السودان، مع أسعار يمكن أن يتحملها أي شخص فقير فى جنوب السودان”.