تتجه الأوضاع في ليبيا إلى مزيد من التعقيد، في ظل تصاعد أعمال العنف وتزايد الاشتباكات الحادة بين ميليشيات الإخوان والجيش الليبي المصرّ على المضي قدما في معركته ضدّ الإرهاب، وقد دفع الوضع مجلس النواب إلى إعلان بنغازي مدينة "منكوبة"، إعلان أعاد مسألة التدخل الأجنبي في ليبيا إلى المربع الأول.

أعلن مجلس النواب الليبي، المعترف به دوليا، بنغازي "مدينة منكوبة"، بسبب الإرهاب وأعمال العنف المتصاعدة واتخاذ ميليشيات الإخوان من المدنيين دروعا بشرية، مما أدّى إلى تدمير العديد من الأملاك العامة والخاصة.

وقال المجلس في بيانه: "إن الأوضاع التي تشهدها مدينة بنغازي والصراع الحتمي بين قوات الجيش والشعب المنتفض من جهة والجماعات الإرهابية من جهة أخرى، وما أسفرت عنه من خسائر بشرية وأضرار مادية، دعا المجلس إلى اتخاذ عدة إجراءات من بينها إعلان المدينة منكوبة".

وعن الآثار القانونية والإجراءات التي يجب أن يتخذها المجتمع الدولي حيال هذا الإعلان، أكد الناشط الحقوقي فرج زيدان أن إعلان بنغازي مدينة منكوبة لا ينفصل عن قرارات مجلس النواب السابقة من اعتبار مدينة بنغازي غير آمنة، ولا يمكن عقد جلسات مجلس النواب فيها.

كما لا ينفصل عن "إعلان غدامس" الذي صدر عن الحكومة الليبية بشأن سيطرة الإرهاب على مدن بنغازي وسرت ودرنة، وكذلك قرار مجلس النواب رقم 6 لسنة 2014 بشأن طلب التدخل الدولي العاجل لحماية المدنيين.

وأضاف زيدان "استنادا إلى هذا القرار وجب تفعيل توصيات مجلس الأمن المتعلقة بحماية المدنيين، وضرورة أخذ الدول الكبرى في المجتمع الدولي بالتزاماتها القانونية تجاه ليبيا، باعتبارها قبلت التدخل في الشأن الليبي من البداية، لاسيَّما في دعم المؤسسات الشرعية المتمثلة في مجلس النواب والمؤسسات المنبثقة عنه".

وطالب برفع الحظر المفروض على الجيش الليبي بتوريد الأسلحة القتالية، ودعم الدولة الليبية ومؤسساتها الأمنية في حربها ضدّ الإرهاب والتطرف.

ويرى مراقبون أن إعلان بنغازي “مدينة منكوبة” سيدفع من جديد نحو مسألة التدخل الأجنبي التي أثارت الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض.

والمعلوم أن ليبيا شهدت في الآونة الأخيرة أحداثا سياسية غير مسبوقة بلغت ذروتها بتصاعد وتيرة الخلاف الدائر بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني من جهة وبين حكومتي عبدالله الثني وعمر الحاسي من جهة أخرى، ويعمل إخوان ليبيا على عرقلة المسار الانتقالي وذلك بالتنكر لشرعية البرلمان المنتخب، وقد دفع الوضع بعض الدول مثل فرنسا إلى اقتراح التدخل العسكري في ليبيا لحل الأزمة الخانقة خاصة مع تصاعد نشاط التنظيمات الجهادية المتشددة.

الجدير بالذكر أن مسألة التدخل الأجنبي في ليبيا أثارت منذ تنامي نشاط الجماعات الجهادية وتصاعد أعمال العنف جدلا حادّا بين الفرقاء، وقد كانت الحكومة الليبية بمعيّة الإخوان أوّل المنادين بالتدخل الأجنبي لإعادة السيطرة على مؤسسات الدولة، لكنّها سرعان ما تراجعت عن موقفها باعتبار أن أغلب الدول المعنية بالشأن الليبي تساند القوى الليبرالية في وجه التطرف والإرهاب.

ويختلف مراقبون، في طبيعة التدخل الذي يتجه إليه المجتمع الدولي، بين من يرى بوجوب التدخل العسكري المباشر، ومن يعتقد أن التدخل سيقتصر على الضغط، لجمع الأطراف الليبية في عملية سياسية، تحترم الشرعية التي تمثلها الحكومة المنتخبة، وتوفر للمجتمع الدولي والقوى الإقليمية شريكا ليبيا مستعدا وقادرا على محاربة الإرهاب.

ويرى خبراء أمنيون أن أي تدخل ضد المتطرفين في ليبيا، يجب التنسيق فيه، مع دول الجوار، وخصوصا مصر والجزائر، وتونس، وهي الدول الأكثر تضررا من عدم الاستقرار هناك.

ويرجح مراقبون صعوبة القضاء على المشددين في ليبيا، لعدم وجود حلفاء أقوياء في الداخل الليبي يمكن الاعتماد عليهم من جهة، ولعلاقة الجماعات المتطرفة بجماعات الإسلام السياسي، المدعومة من قوى إقليمية، مثل تركيا وقطر، الذين تتهمهم الحكومة الليبية المنتخبة، بتقديم السلاح والدعم اللوجستي للميليشيات الإسلامية.

وساهم ضعف الدولة والحرب الطاحنة بين الميليشيات المسلحة في ليبيا بشكل خاص في ظهور مجموعات إرهابية صنعت من الساحل الأفريقي معقلا منيعا للإرهاب الدولي في ظل إمكانية تمدّد “داعش” إلى القارة الأفريقية وهو ما يمثل خطرا على الأمن القومي للمنطقة.

وفي سياق متصل، حثّ الاتحاد الأوروبي شركاءه على الامتناع عن القيام بأي تحرك من شأنه أن يكرّس حالة الانقسام ويزعزع التوجه نحو الديمقراطية في ليبيا، وفقًا لوكالة “آكي” الإيطالية.

وعبر الاتحاد الأوروبي عن حذره وتوجسه تجاه قيام تركيا بإرسال مبعوث خاص بها إلى ليبيا، حيث أجرى الأخير لقاءات مع رئيس الوزراء غير المعترف به أوروبيا في طرابلس.

وفي هذا الإطار قالت مايا كوسيانيتش الناطقة باسم المفوض الأوروبي المكلف بشؤون التوسيع والجوار: “يجب أن تصب كل التحركات والمبادرات الإقليمية في إطار دعم دور الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة في ليبيا”.

وأكدت أن الاتحاد الأوروبي يعتبر أن التدخل الأجنبي في ليبيا يؤدي إلى نتائج عكسية، ويجب أن يتوقف هذا الأمر لإفساح المجال أمام الليبيين لمعالجة الأزمة عبر الحوار بمساعدة الأمم المتحدة، حسب صحيفة العرب.