تمر اليوم اربع سنوات عن ثورة 14 يناير بتونس ...تاريخ اقترن بخروج آلاف المتظاهرين الى الشارع الرئيسي بالعاصمة التونسية ليرفعوا كلمة "ديقاج" في وجه بن علي وحكومته
لم يسدل المساء ستاره عن ذلك اليوم حتى غادر بن علي وعائلته تونس نحو مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية والسؤال الذي يفرض نفسه ماذا تحقق للتونسيين بعد مرور أربع سنوات وماذا تبقى؟

تحولات

لقد تغير مجرى التاريخ السياسي في تونس ورافقته تحولات اجتماعية وفكرية عديدة ًو متسارعة فصرنا نتحدث رغم مجلة الأحوال الشخصية عن تعدد الزوجات وكاد الزواج العرفي ان يتحول الى ظاهرة خاصة في صفوف الطلبة وتم تسفير الشباب للجهاد في سوريا والنساء لممارسة جهاد النكاح وفي المقابل ازداد الوضع الاجتماعي سوءا بسبب الارتفاع المهول في الاسعار وغلاء مستلزمات المعيشة عموما حتى ان المتابعين لشان الثورات تنبأوا بثورة اخرى ليس لاجل الكرامة والتشغيل والعدالة بين الجهات في توزيع الثروات والتنمية بل ثورة الجياع لان تونس باتت مهددة بالصوملة
وأطل غول الارهاب فأحدث قطيعة كلية مع تونس التي كانت عصية على الإرهابيين وشبكاته فبرغم السنوات العشر العجاف التي عاشتها شقيقتها وجارتها الجزائر بسبب الارهاب ظلت حدودها سدا منيعا في وجه الارهابيين .
وجاءت الانتخابات التشريعية الاولى بعد الثورة لتغير المشهد السياسي في اتجاه تمكين الاخوان المسلمين من أغلبية المقاعد في البرلمان لتكون بدورها "ترويكا" مع الحزبين الفائزين بعدها ووجدت نفسها امام قلة الخبرة عاجزة عن ادارة شؤون البلاد وعوض البحث عن امكانيات تحسين حال التونسيين اهتمت بمسائل هامشية فتاه التونسيون طيلة ثلاث سنوات ثم قرروا تصحيح المسار خلال انتخابات 2014 ليرسموا ملامح مشهد سياسي جديد
وخاض الاعلام التونسي معركته خلال سنوات حكم "الترويكا" ولم يقبل بالتركيع والعودة الى بيت الطاعة عبر اعتصام مؤسسة الإذاعة والتلفزة ثم الاضراب العام والاحتجاجات امام قصر الحكومة بالقصبة وظل متمسكا بمكسب الثورة "حرية التعبير والكلمة قولا وكتابة " وذلك رغم التهديدات الارهابية ووضع بعض الإعلاميين في قائمة الاغتيالات
وعموما ما تحقق لتونس هو قدرة شعبها وسياسييها ومفكريها على الحفاظ على الديمقراطية الوليدة التي عسر مخاضها ولكنها رأت النور بعد ان تميزت استحقاقاتها الانتخابية خلال 2014 بالكثير من النجاح بشهادة متابعيها بالداخل والخارج.
وما تحقق لتونس ايضا هو قدرة اعلامها على الصمود في كل معارك حسن البقاء التي خاضها

ما لم يتحقق:

ولكن مالم يتحقق في ثورة تونس يتجلى في المرارة الكبيرة التي يعيشها التونسيون اليوم بسبب غلاء المعيشة وانتشار الفقر والتهميش وتآكل الطبقة الوسطى وخيبات الأمل المتتالية في كل حكومة جديدة يتم تشكيلها لإنقاذه من هذا الوضع المزري غير انه الى حد الساعة لم ينجح اي رئيس حكومة في ذلك
كما ظل ملف الشهداء وجرحى الثورة غير مكتمل رغم مرور اربع سنوات والأهالي يشعرون بخيبة كبيرة بسبب المحاكمات والتعويضات التي يرونها غير عادلة والحقيقة التي تبرد نراهم يرونها غائبة
وما لم يتحقق ايضا رغم انه كان أساس قيام الثورة التونسية هو تشغيل العاطلين عن العمل وايجاد مورد رزق لهم وتحقيق التوازن الجهوي اذ ازدادت الجهات المهمشة تهميشا وارتفعت نسبة العاطلين عن العمل مما ولد حالة من الاحتقان وتواترت الاحتجاجات ليتحول شهر يناير الى شهر الحراك الاجتماعي والمطلوب من الحكومة الحالية العمل على امتصاص الغضب لان الضغط يولد الانفجار

المراة منارة ولكن :

أبهرت المراة التونسية كعادتها الجميع على مستوى داخلي وخارجي فكما كانت في الصفوف الاولى ايام الثورة ظلت تتابع تفاعلات المشهد السياسي والانتقال الديمقراطي بحرص واهتمام شديدين وتمكنت من غلق أفواه الذين ينادون بالعودة بها الى الوراء وكان يوم الاحتفال بعيدها ذات 13 أوت ( اغسطس) 2013 يوما حاسما وبهبة نسائية قالت لا لمن يريد انتزاع حقوقها و مكاسبها ولا لمن يريد افغنة تونس
وشاركت بكثافة في اعتصام الرحيل وحسمت نهائيا في المشهد السياسي في الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014 بأحداث فارق اصوات كبير لصالح الحزب الاغلبي حاليا في البرلمان ومرشحه الرئاسي
ولعل قرار رئيس الحكومة حبيب الصيد بتمكين 10 نساء من حقائب وزارية اعتراف بمجهودها ومكانتها ولكن يظل تواجد المراة في مواقع القرارغير مرضي لا من حيث العدد ولا من حيث العقلية الذكورية التي لازالت طاغية وتتطلب عملا وجهدا لتغييرها كما لازالت في حاجة الى تغيير بعض القوانين وتغيير البعض الاخر في اتجاه ضمان حقوقها وكرامتها لا سيما تلك المتعلقة بالعنف المسلط ضدها