لا شيء كان يوحي بأن تصير “خديجة ألزوما” أول امرأة مختصة في علم الجيولوجيا في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، سوى أنها كانت من بين القليلات من الفتيات اللاتي ذهبن إلى المدرسة في خمسينيات القرن الماضي، ببلدها النيجر.
ويستحضر “ايسوفو سونا”، شيخ سبعيني، ذكريات تلك السنوات، قائلا في تصريح للأناضول: “خلال تلك الفترة، كانت الفتيات ينصرفن الى الأعمال المنزلية، قبل الإقبال على الزواج من أول رجل يتقدم لطلب يدهنّ، وحدها الأسر التي تمتلك الإمكانات كانت ترسل أبناءها للدراسة بمدارس البيض” في ذلك الوقت.
وبعد إكمالها لمرحلة الدراسة الابتدائية بمدرسة “آميرو” في العاصمة “نيامي”، اتجهت فتاة الـ 13 ربيعا سنة 1963 إلى مدينة “تيلابيري”، الواقعة على بعد 113 كلم عن العاصمة “نيامي” غربا، لتلتحق بمدرسة المعلمين. وبعد سنوات، تحصلت خلالها على شهادتها العلمية، أقامت “خديجة” بمدينة “زيندر”، التي تبعد عن “نيامي 90 كيلومتر شرقا، لتجد لها مكانا في مدرسة المعلمين العليا.
وتعود الذاكرة بالمرأة ذات العقد السادس من عمرها في تصريح للأناضول إلى الفترة التي لم تر فيها جامعة “نيامي” النور بعد، قائلة :”بعد الحصول على شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة) في اختصاص علوم، توجهت إلى جامعة ابيدجان (كوت ديفوار) لمزاولة التعليم العالي في اختصاص الكيمياء-البيولوجيا-الجيولوجيا.”
ولم يعمر بقاء الطالبة الشابة طويلا في ابيدجان، حيث اضطرتها الاضطرابات الطلابية وغلق المركب الجامعي، إلى المغادرة نحو جامعة تونس.
” لقد قرر رئيس النيجر حينئذ “ديوري هاماني” إرسالنا الى تونس، لإنهاء السنة الدراسية الجامعية هناك”، تتذكر البروفيسور خديجة.
رحلة “خديجة” بين مقاعد العلم لم تتوقف عند هذا الحد، إذ كانت محطتها التالية، الضفة الشمالية من البحر المتوسط، وتحديدا فرنسا حيث تحصلت على شهادة في الدراسات المعمقة في علم الحفريات من جامعتي “ديجون (الوسط الشرقي)، و”اورساي” (الشمال)، ثم قدمت اطروحة دكتوراه للمرحلة الثالثة في علم الرسوبيات من جامعة “اورليان” (في الوسط) سنة 1982.
وتمضي “خديجة” في استعراض مجريات تلك الفترة قائلة:” إثر شهادة الداراسات المعمقة، انطلقت في تقديم دروس بفرنسا، بالتناوب مع خطتي كمدرسة بجامعة نيامي.”
سنوات من الكد و الجهد و المثابرة في سبيل العلم، توجتها “خديجة” بالحصول على شهادة الدكتوراه في الجيولوجيا عام 1992 لتصير بذلك أول امرأة مختصة في هذا العلم في إفريقيا جنوب الصحراء، وتدون إسمها بأحرف من ذهب في سجل الكبار.
وتؤكد “خديجة” على أن تسلقها أعلى درجات العلم لم يكن أبدا بالأمر اليسير:”لقد بذلت قصارى جهدي للحصول على هذه الشهادة، لأنني كنت مضطرة للتنقل جيئة وذهابا بين جامعة نيامي وفرنسا، رغم الالتزامات العائلية التي كان من المفترض أن أتفرّغ لها.”
هي أيضا أم لطفلين، وفي الآن ذاته أرملة منذ 2005، تحاول ما أمكن التوفيق بين حياتها العائلية وبين واجباتها المهنية ، وترفض عن قناعة راسحة التدخل في الشأن السياسي.
” لم انخرط في أي تشكيل سياسي، وخلال فترة الانتخابات سأدلي بصوتي للحزب السياسي الذي سيقنعني ببرنامجه الانتخابي”، بحسب “خديجة”.
لكن هذا التموقع لم يمنعها من الانخراط في العمل الجمعياتي، فهي تترأس “شبكة نساء وعلوم وتكنولوجيا”، فرع النيجر، جمعية تأسست في 2009، وتنضوي تحت لواء الاتحاد الافريقي وتهدف إلى تعزيز دور المرأة في المجالات العلمية.
مسيرة “خديجة” المشرقة و تفوقها في ميدانها، جلب لها عديد أوسمة التقدير والاعتراف بالتميز ولعل آخرها كان حصولها على ما يعتبر شهادة تقدير من وزارة المرأة في بلادها عام 2014 للدور الذي لعبته في ظهور قيادات نسائية في النيجر، فضلا عن الدراسات الثمينة التي قامت بها بشأن وجود معدن اليورانيوم المطلوب عالميا في صحراء النيجر.
وهي شهادة تنضاف إلى جوائز أخرى تلقتها ومنها على وجه الخصوص وسام الاستحقاق الأكاديمي بالنيجر سنتي 2012 و 2014.
وللبروفيسور خديجة، يكن طلبتها كل مشاعر الود و التقدير ويروون عنها مراوحتها بين الصرامة و رحابة الصدر.
ويقول “عبد الناصر مونكايلا”، طالب في السنة الثالثة جيولوجيا انه يحب في خديجة روح الدعابة التي تتميز بها ورحابة صدرها وهي التي لا تتواني عن الدخول في نقاشات في بعض المواضيع الخارجة عن نطاق الدروس بين الفينة والأخرى”.
غير أن الاستاذة الباحثة تعرف كيف تتميز بالصرامة وربما الحدة في الوقت الذي يستدعيه الأمر ذلك، ما يجبر طلبتها على الخشية منها في بعض الأحيان.
ويقول “مونكايلا”، طالب سابق، يشتغل موظفا حاليا حول الصرامة التي تتميز بها “خديجة”: “من النادر جدا أن تتحصل على علامة تتجاوز المعدل المتوسط عند البروفيسور “خديجة آلزوما”.
عشق خديجة لمهنة التدريس لا يمنعها من التفكير جديا في التقاعد، كون “التعليم أرهقها” على حد تعبيرها.
هي تلخص مسيرتها قائلة :”لم افوت العمل خلال أي سنة جامعية منذ 1982، وهذا يعتبر في حد ذاته عمرا بأكمله أمضيته هناك”.