كان يمكن أن تكبر السنبلة

وتولد ياقوتة الماء والزاد والراحلة

      كان يمكن ان تكبر الكلمات 

لو مضت نحو دهشها الأسئلة

كان يمكن....لكنهم قتلة

الدكتور الشاعر عبد الله العشي    


مدّ جاك دريدا يده نحو محفظته الجلدية السوداء، فتحها، وأمام عينيّ المندهشتين أخرج رسائل المرحوم بختي بن عودة الموجهة إليه وبخط يده.

قال لي بابتسامة حزينة إنه لم يفهم فحوى بعضها لحد الآن على الرغم من قراءته المتكررة لها، وإنها لا تفارقه أبدا في جميع تنقلاته. نثر صفحات رسائل بختي بن عودة فوق الطاولة الواسعة بهدوء، فغطت مساحتَها كلها، كنت أنظر إليه بصمتٍ يُضمِر نشيجا جريحا.أدركتُ أن الوجع وصل منه الحد الذي لا يُطاق.بعد برهة من البياض، وضع المفكر الكبير جاك دريدا الإنسان كفيه على عينيه، ليخفي -دون جدوىدموعا حارقة، لكن صدره النحيف كان ينتفض بقوة وهو يجهش بالبكاء...هكذا كتبت الشاعرة والروائية ربيعة جلطي ذات يوم من أيام العشرية السوداء، استعادت من خلال نصها النثري المكتوب بلغة شاعرية حزينة ، ذكريات مؤلمة واعادت رسم زمن الظلمة والغدر زمن اذا تكلمت تموت و إذا سكت تموت،كتبت ربيعة لوطن جريح حيث مراثي الخيبة والوجع لاتزال محفورة في ذاكرتنا مسجونة في لا وعينا ، و بلغة رثائية مسكونة بحرقة الفجيعة تحدثت عن شهيد الفلسفة بختي بن عودة الذي لايزال صوته الملائكي يخترق أعماق ذاتي ويتحكم في إيقاع انفعالاتي من الابتسامة الى الحزن ومن الألم الى الأمل في زمن لايختلف كثيرا عن ذلك الزمن .

وانا استمع اليه في تسجيل إذاعي بخشوع وتأمل مارست كلماته سلطتها وحركت بداخلي سؤال الحيرة والدهشة تلك الكلمات وما حملته من ثراء المعنى وعمق الدلالة فجرت بداخلي أسئلة واسئلة كلمات اختزلت مأساة انسان ووطن، انسان كان يبحث عن حبيبة تشاركه مشروعه الفكري آمَالُه واحلامه و تتقاسم معه همومه و آلاَمُه بعد طلاقه. مأساة انسان كان يتألم لرؤية ابنته اسمهان والتي أكملت سنتها الرابعة وحيدة دون سند عاطفي. ومأساة وطن كان يسبح في عوالم العنف والفقر والجهل .

اغتيال بختي بن عودة كان اغتيالا للعقل وللفكر الحر والرصاصة التي اخترقت جسده النحيل وهو يحتفل بالحياة حركة وفكرا لم تكن لتخطئ هدفها فالقتلة كانوا يدركون رمزية المكان وعلى وعي بقيمة الرجل الفكرية فلم تكن الحادثة مصادفة وانما كانت جريمة مع سبق الإصرار والترصد لاجهاض مشروع تنويري "بين الحياة وطلقة الرصاصة كان يحمل حلما ،بين ابتسامة إشراقة الحياة وقتل نبض الحياة فارقنا الوعد الموعود ، وغاب عنا الفرح الحبور في طلة نجمه الساطع ،أخذ معه فرحته الملتاعة ،وترك لنا صرخته المرتاعة ،اخذ معه زهره الربيعي ، وترك لنا مااستعصى داؤه في حلكة الضحى ،نتمرغ في شوك العقارب "

التفكير النقدي مشروع مجهض

مشروع بختي بن عودة مشروع نقدي (النقد الجديد)وضع أسسه وحدد معالمه وفق رؤية فلسفية علمية تماشيا مع ثورة اللغة وتعدد نظرياتها وانطلاقا من قيم فلسفة الحداثة ومابعد الحداثةومايحسب له انه كان على اطلاع واسع وعميق بالفلسفة ومذاهبها من خلال محطاتها التاريخية المختلفة وكذا العربية وعلومها واشتغاله على الترجمة والكتابة شعرا ونثرا.مشروعه النقدي لم يكن سجين اسوار الجامعة بل كان مشروع ثورة وتغيير نزل به الى الواقع محاولا خلخلت المشهد الثقافي والارتقاء به من خلال رئاسة تحرير مجلة التبيين والتنقل بين قصر الثقافة والجامعة بمدينة وهران مشاركا ومحرضا على الفعل الثقافي ومهاجرا بنصوصه خارج الوطن فضلا عن بناء شبكة علاقات مع كبار المفكرين والفلاسفة والادباء .متسلحا بسؤال المعرفة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل وقد كتب محمد بن زيان في مقال له بختي بن عودة انا زمن رمزي:"إن بختي ليس مجرد مفرد في المدونة، إنه ” مفرد بصيغة الجمع” – بتعبير أدونيس –، إنه عنوان تحوّل وعلامة إرهاص.. اختزل في مشواره القصير هواجسا و أحلاما وهوسا و تجريبا ومغامرة الترحال نحو أقيانوس – كانت عنوانا لمجلة حلم بإصدارها في إطار جمعية أفاق"

النقد عند بختي بن عودة مشروط بالمعرفة المتعددة فالكلام على الكلام صعب كما قال أبو حيان التوحيدي ومكمن الصعوبة هو المراهنة على الطبقات الجيولوجية للنص وعلى انثناءاته ،لان عمليات الحفر والنبش والتفكيك والتفسير والتأويل تحتاج الى أدوات معرفية متعددة الاشكال خاصة وان هناك عوائق وعقبات من هنا كان على الناقد ان يدرك ان هدفه الاسمى هو الثورة على كل ما هو سائد ومحمي ومؤسطر وذلك بخلق نص اخر مواز ، نص له فاعليته انه نص الناقد الذي استحال عليه قوله، او ما يسميه بارت بالرومانيسك الخاصة به .

من خلال النقد يتم التوغل في النصوص والامساك بماهو سحري وشاعري فيها حيث يؤكد بختي بن عودة ان النص شبكة لغوية دالة ومتشعبةالناقد الكاتب من هذا المنظور لا يفسر النص، ولايؤرخ له، ولايسيجه بالعقلنة، ولايستدرجه نحو علم ما، ولايربطه بتيار او مدرسة، انه يكتبه من جديد منبها الى اللحظات المشتركة بينه وبين صاحبه حتى ولو كانت يسيرة يعطيه من اسطورته الشخصية بقراءة عاشقة بحيث يتحول نصه النقدي كمشروع مفتوح الى نص مواز وملهم واشكالي ". "يبدأ الخطاب النقدي وبالضرورة انطلاقا من مغادرة الانصات الساذج والمحتشم حيث الكلام لا يعضد الا الكلام الأول.. حيث تنهدم القناعات الكسولة ويتم اكتشاف وضعية بكاملها ضمن ترتيب مغاير للعلائق بين الأشياء "

بختي بن عودة ( بين الخطيبي وجاك دريدا )
 
المنعطف اللساني

لايمكن فهم فلسفة بختي بن عودة الا من خلال منعطفين حاسمينالتفكيكية بوصفها استراتيجية للتعامل مع النص وهذا واضح في رسائله المتبادلة مع جاك دريدا – رسائل تعكس حميمية متبادلة ونضجا في التفكير وهذا ماتجلى في حوار الأستاذ مع المفكر الشاب المسكون بهاجس السؤال المعرفي- أما المنعطف الثاني فهو التقاطع مع مشروع الخطيبي الذي اشتغل ايضا على مفهوم التفكيك وفق ثنائية الهدم من أجل إعادة البناء ومفهوم الاختلاف المؤسس على ضرورة خلق تعدد على مستوى التفسيرات.

بالنسبة لجاك دريدا يمكن القول انه الفيلسوف المشاغب في الفكر الفرنسي المعاصر عرف بنزعته الشكية ونظرته التنبؤية ارتبط اسمه بثورة الطلاب1968 تلك الثورة التي خلخلت المشهد الثقافي والسياسي في فرنسا وانتجت حركية فكرية لاسيما بعد نزول الكثير من المثقفين النقديين و بعض الفلاسفة على اختلاف مدارسهم الى الشارع والانضمام الى الحركة الطلابية هناك التف الشباب حول دريدا المفكر التفكيكي وافكاره الثورية التي كانت تمثل موقفا نقديا ومعارضا لما هو سائد آنذاك .

فلسفة جاك دريدا قامت على نبذ مركزية اللوغوس وهدم ميتافيزيقا الحضور لقد رفض دريدا وجود مايسمى المعاني والمفاهيم الثابتة و ان كل محاولة لاختزال مفاهيم معينة في تعريفات محددة هو نتيجة لمركزية اللوغوس وتجلي لميتافيزيقا الحضور التي كانت تزعم إمكانية اعتناق المطلق تلك الميتافيزيقا -من سقراط الى هيدغر – التي قللت من شأن الكلام والصوت ونظرت الى الكتابة نظرة ازدراء في تمركز حول العقل راهنت على تقديم أجوبة للحاضر وبناء مدلولات مطلقة تتخطى الحاضر والمستقبل معا "جميع الميتافيزيقيين، من أفلاطون إلى روسو، وديكارت إلى هوسيرل، شرعوا بتصور الخير ليكون في مكانة قبل الشر، والإيجابية قبل السلبية، والطهارة قبل النجاسة، والبساطة قبل التعقيد، والضروري قبل العرضي، والأصلي قبل التقليد، وما إلى ذلك. وهذه الظاهرة ليست مجرد عادة ميتافيزيقية واحدة من بين عادات أخرى، بل هي ضرورة ميتافيزيقية، بشكل ثابت وعميق وقويهذا التحيز في نظر جاك دريدا غير مبرر وهو مضلل ومن ثمة كان لازما العمل على هدم ميتافيزيقا الحضور وذلك بتفكيك بنيتها وثنائيتها وقلب تراتيبها وإبراز ان الهامش يسكن المركز والخارج يسكن الداخل والكتابة تقطن الكلام والصوت .

دريدا من خلال استراتيجية التفكيك استهدف الكشف عن النسق الفكري الذي يكمن وراء النص عن طريق تفكيكه ذلك ان الأهم هو الكشف عن العلاقة بين الدال والمدلول والتحليل الدلالي يكشف عن الطريقة التي تترابط بها كلمات جملة معينة في النص بعضها ببعض مما يعطي للنص معنى معينا بالذات والتفكيك يظهر ان النص ليس وحدة ذات هوية زمانية محددة بل هو مركب يتألف من شبكة من النصوص الأخرى تتداخل فيه وتتقاطع معه وتسمح بمعرفة الطريقة التي امكن بها تركيب النص في اول الامر .ان التفكيكية محاولة لاستخراج المعاني الخفية والتي لم يقصدها الكاتب بالضرورة التفكيك ليس هو التحليل او النقد وهو ليس منهجا يمكن اختزاله في خطوات اومفاهيم ثابتة وجاهزة نسقطها على مواضيع مختلفة بل هو حدث لاينتظر تشاورا او عيا او تنظيما من طرف الذات الفاعلة هو استراتيجية لتفعيل اليات النص وفهم منطقه الداخلي الى حد يجعله يفقد وحدته ويقول اختلافه الخصب . لقد ادرك بختي بن عودة هذا العمق في فلسفة جاك دريدا واشتغل على بعض النصوص نثرا وشعرا محاولا العثور على عمق المدلول بلغة مختلفة وصفها محمد شوقي الزين قائلا:"لغة بختي بن عودة لغة مضطرة/منشطرة تبحث عن "المكنون" المتواري في ظهوره وبداهته والمتجلي في خفائه وتواريه،"فاللغة هي آلة الحفر وهي مادة الحفر، نحفر بها وبداخلها، كذلك تفعل اللغة البختية، إذ تغامر صوب الشعر فتفككه من الداخل ....منطلق بختي كان هو الاحتراق والاكتواء قصد صناعة النص في "حدادة" اللغة بقولبة الحروف والكلمات في أشكال هيجان الرغبة وهذيان الغراب"

يمكن القول أيضا ان علاقة بختي ين عودة و الخطيبي مميزة ومثمرة ليس فقط من حيث ان الخطيبي شكل علامة فارقة في الفكر النقدي المعاصر بل و أيضا لقوة شخصيته وجودة فكره وبقدرته على المشاغبة والتحرك في اتجاهات مختلفة يقول رولان بارت"إنني والخطيبي نهتم بأشياء واحدة، بالصور والأدلة والآثار، وبالحروف والعلامات. وفي الوقت نفسه يعلمني الخطيبي جديداً، يخلخل معرفتي، لأنه يغيّر هذه الأشكال، كما أراه يأخذني بعيدا عن ذاتي، إلى أرضه هو، في حين أحسّ كأني في الطرف الأقصى من نفسي ".

لماذا الخطيبي؟ يصف لنا بختي بن عودة سبب اهتمامه بفلسفة الخطيبي قائلا:" لقد وجدت في مؤلفات الخطيبي ( النقد المزدوج ،المغرب المتعدد،الاسم العربي الجريح..)مادة طيعة ومستساغة قابلة لان يتم اعتمادها في هذا الاتجاه فضلا على انه رجل جمع بين الماركسية والتحليل النفسي والحس الشعري الممزوج بالتصوف واشتغاله في حقول معرفية كثيرة مرتكزا على التحليل والبرهنة والاستنتاج والاستقراء . وفي مقال له في ضيافة الخطيبي: الكتابة الأخرى –مجلة الكرمل أضاف قائلا :" اعود اليه هو ،لأنه ،ودون سابق تنبيه ،أوتحذير ،يدعون الى البحث في متنه عن تلك الكلمة الطيبة ،عن الضيافة ،عند هذه الحنين الراقص الحنين الى رائحة الصورة لا الى الصوت عن الحنين غيرية ،يكون لي في خطواتها الكونية شيء من صرخة الولادة ،شيء من عرس الاستحقاق..الاندهاش نفسه اعرب عنه الشاعر أريك سيلين عندما :" وبالمقابل وعندما يتعلق الامر بكاتب مثل عبد الكبير الخطيبي ،فان اللقاء العابر للثقافة بين الكاتب ولغته الثانية او الثالثة ثم كذلك اللقاء بين كاتب ذي تكوين ثقافي وقاريء ذي تكوين ثقافي يكون حقلا شمسيا ،احتفاء أو شرها للضيافة فيه حق الصدارة .لانتحدث عن آلام القارئ بل عن فخاخ ووعود وكنوز خيالية تمنحها الكلمات للكاتب والقارئ"

يتفق بختي بن عودة مع الخطيبي في ان الممارسة النصية تقودنا الى نتيجة مفادها ان عملية الكتابة ليست بريئة بل متلذذة وذات مغزى وهذا ما نستخلصه من خلال النقد من حيث انه تحريض الفكر على ضرب المعرفة المسالمة وزعزعة سكونيتها الفقيرة وهو نقد مزدوج نقد لقانونه الداخلي ونقد للقانون المجتمعي ومهمة الفكر النقدي : خلخلة المجالات الثقافية والأيديولوجية المتساهل فيها مع المجتمع والتوغل في ماهو مرفوض اجتماعيا والنقد عند بن عودة ابداع فني ثان واي نقد لايرتقي الى هذا المدلول هو مجرد لغو مستدلا على ذلك بشواهد عديدة بهذا المعنى مثلا يعد التوحيدي حداثيا لانه لم يتلفظ فقط بل كتب وصنع ونموذج التوحيدي هو نموذج هيرمونطيقي مادامت اللغة في نظر بختي لاتقول بالضبط ماتعنيه فالمعنى الذي ندركه هو المعنى المباشر قد يكون هو المعنى الأضعف واحيانا يخفي معنى اعمق ثم ان هناك أشياء أخرى في العالم تتكلم دون لغة

المثقف الجزائري والخطاب السياسي

رسم لنا بختي بن عودة المشهد الثقافي في الجزائر من خلال ألوان قاتمة ثقافة تعيد انتاج الرداءة تتلذذ بالنكوص الى نفس الخطاب المتعالي الذي يؤسس ويشرع للجهل والذي هو في الاصل وليد لحظة تاريخية حددت ما كان وما سيكون وصف بختي بن عودة في لقاء إذاعي هذا المشهد المرعب مرتكزا على تحليل تاريخي "ما تعيشه الجزائر هو محصلة لنشر الرداءة وهي استراتيجية مقصودة حتى لا يفكر الجزائري في ذاته ومستقبله على اعتبار ان إشكاليات مثل الهوية والدين واللغة والحضارة والفكر ظلت محسوبة على جماعة معينة صنعت السلطة منذ 1954واذا اردنا ان نتأمل المشهد بالكيفية هاته نتأمله بالحفر في هذا التاريخ في تصدعاته وفي تناقضاته وفي المسكوت عنه ثم نفتح كتاب الحاضر الراهن ونتساءل لماذا نعجز عن انتاج فكر متنور وعقلاني فكر يطرح ميتا لوجيا الجزائر البيضاء وليس ميتا لوجيا التي يطرحها السياسي المريض المتعفن الذي ملك الجزائر ويعيد امتلاكها الذي نصب نفسه الها وابا انطلاقا من التاريخ وشرعيته الثورة وشرعيتها النفط وشرعيته لهذ الأسباب كلها لم نستطع ان نخلق تقاليد"

وتمثل الجامعة عند بختي بن عودة مقياسا ومعلما يمكن من خلاله ادراك حجم تخلفنا الذي هو في النهاية تخلف مركب

بالاضافة الى عدم تحرير الجامعة وادراجها في مخططات المجتمع وتمكينها من ان تكون مسؤولة وتحتوي مشاكل المجتمع قلقه وغبنه وهذا مازق مركب وبنيوي لقد عجزنا على تنظيم انفسنا سياسيا لأننا لم ننظم انفسنا ثقافيا وبالتالي حضاريا وحداثيا. وفي مقال له بمجلة التبيين العلوم الإنسانية في الجزائر في فوضى الدال ونكوص المعنى.

حذر من ربط الجامعة بحسابات ضيقة ستؤدي في النهاية الى التاسيس للتخلف :"في غمرة البحث عن سؤال مركزي لوضعية العلوم الإنسانية في الجزائر تبدو هذه الأخيرة سجينة تاريخها المشوش أي المفصول عن اختبارات عريضة يبدو انها لم تتجل لافي أرضية منهجية ولا في افق اصطلاحي ...اذا ظلت العلوم الإنسانية محمية بذلك البنيان (وهم الخلاص من جهة ثم الوفاء لعهد ما من جهة أخرى) ..فان هاته العلوم ستواصل العجز في عدم استباق العالم او زعزعة المراكز بل ستكرس غفلة الانسان عن تحسس الفوضى او الاختلال او التازم .."

والحل عند بختي بن عودة هو العمل على خلق حركية ثقافية يحاول من خلال المثقف النقدي كسب السياسي وينصت فيها السياسي الى صوت المثقف :"اذا اردنا ان نقلب المعادلة علينا ان نفتح السوق الثقافية للمثقفين النقديين وتمكينهم من إرساء تقاليد ومن خلال المؤسسات والنشاط الجمعوي والتقاط نبضات العالم من خلال المجلات والكتب والجرائد والندوات والملتقيات واللقاء بالعلماء وكبار المفكرين وقلب المعادلة يجعل الحداثة ممكنة في الجزائر حداثة لها خصوصياتها والتي تحررنا من سلطة المشرق وخطابها المهيمن وقلب المعادلة ممكن من خلال ثلاثة مستويات مغاربية وعربية وعالمية وهناك نماذج استطاعت ان تفرض نفسها من خلال هذا الخيار مثل علي الكنز سامي ناير في فرنسا اركون نبيل فارس مالك شبل وعمار بلحسن"

الكتابة النقدية والتأسيس لحداثةممكنة

الحداثة عند بختي بن عودة تحطيم لفكرة المطلق والمقدس ومراهنة على التفكير العقلاني النقدي الحر هي التمرد على الفردانية لصالح المواطنة وتحرير الفرد وامتلاكه لمصيره في مجتمع لاسلطة فيه على العقل الا العقل ومن هنا كان شرط الحداثة الايمان بالعقل والعلم وبالحق في الاختلاف بدليل ان المجتمعات ماقبل الحديثة تفكيرها احادي وزاوية النظر فيها ضيقة تملك دائما مدلولا واحدا لدال واحد ... ان التعدد والاختلاف هو شرط بلوغ الحداثة هنا يتساءل بختي بن عودة :" كيف نسمي هذا الجيش الفلسفي الألماني من كانط الى هوسرل ومن فينتغشتين الى نيتشه الى هيدغر الى هيغل ووصول الى فينك وهامبرماس وادورنو وغادامير ومركيوز وكاسيير ؟كيف؟ ثم يجيب :" لنقل ان الحداثة قبل كل شيئ هي هذا الجيش هذه المحاور المتحركة من التاريخ الى العبارة الى النحو الى التواصل الى اللعب ... الكتابة هي ذلك الوجود الفاعل للوعي من خلال تجربة إبداعية نقدية لها شرائطها السوسيو ثقافية من جدل القراءة كتقليد وكحاجة معرفية وحضارية تكشف عن هزال فكري او ثراء فكري ...الاصرار على فتح بوابات لمسافرين ناشيئين لنسج لعبة من نص او لي عبارة وايقاظ ملكة والدخول في عراك مع مفهوم هو كتابة ...اذا كان ناقد نادر مثل بارت يؤكد على موت المؤلف لميلاد القارئ،فان الوضع المطروح امامنا يشترط موت الصمت وانكسار خصيصة رهن الشيئ الثقافي باللحظة النفعية والمكسرة لتبرير اسبقية السياسوي على الجمالي والاشهاري على الكتابي وهذه فجوة ظلامية تحصر الإشكالية في نطاقات جاهلة و عمياء تستظل بغياب الأفق وخطاب الحاجة المهيكل كبكاء تشجعه صداقة التشيؤ...وهل لاعلاناتكم تزن مثقال صورة فنية او فقرة فلسفية او بطاقة مبدع ..

هذه بعض من الكتابات النقدية لبختي بن عودة وقفت عندها ..حاولت تفكيكها وإعادة بنائها باحثا سر هذا الرجل.... الذي استضافني وادهشني بكرم الضيافة ....سمح لي بمجالسته رغم عجزي عن مواكبة إيقاع لغته والارتقاء الى عوالمه وازمنته ...رحمة الله عليك يابختي لقد منحتني لذة السؤال ومتعة التفكير في زمن الموت سلام عليك يامن قلت " أنا زمان رمزي "

بختي بن عودة

بختي بن عودة: ناقد وشاعر وأستاذ جامعي جزائري. اغتيل عام 1995. جمعت بعض مقالاته وأشعاره في كتاب بعنوان رنين الحداثة. صدر عن دار الاختلاف (1999)

           


عمرون علي

أستاذ الفلسفة

المسيلة – الجزائر-