منذ الانتهاء من لقاء باريس الذي جمع عددا مهما من الأطراف السياسية الليبية، في شهر مايو الماضي (مايو 2018)، لم تخف السلطات الإيطالية امتعاضها ورفضها لما تم التوصل إليه من نتائج، والتي كانت تتماهى مع الخطة الأممية التي كان أعلنها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، والتي كان من أهم بنودها ضرورة إجراء عملية انتخابات برلمانية ورئاسية في ليبيا قبل انقضاء العام الحالي (2018)، ومنذ ذلك الوقت بدأ الساسة الإيطاليين في التحرك من أجل عرقلة تنفيذ ما تم التوصل إليه في باريس، لإحساسهم بسحب البساط من تحت أقدامهم، وفقدانهم لمماسك الملف الليبي، الذي يعتبرون أنفسهم أصحاب شرعية في التمسك به والقيام بدور اللاعب الرئيس فيه، لعدة أسباب منها ما هو تاريخي يرتبط بالحقبة الاستعمارية التي كانت فيها ليبيا إحدى مستعمرات إيطاليا، علاوة على ارتباطها الاقتصادي بليبيا لا سيما في مجالات الطاقة، والتبادل التجاري.

وأعلنت السلطات الإيطالية عن طريق رئيس وزرائها جوزيبي كونتي، عزمها استضافة مؤتمر دولي يعنى بحل الأزمة في ليبيا بحضور مشاركة أطراف سياسية ليبية مختلفة، إلى جانب عدد من الدول الكبرى ودول جوار ليبيا، لتبدأ التحضيرات الفعلية لعقد هذا المؤتمر الذي اختيرت له مدينة باليرمو إحدى كبرى جزيرة صقلية مكانا له، وحدد شهر نوفمبر موعدا له، لتبدأ الدبلوماسية الإيطالية حملة واسعة لجمع الحشد والتأييد لعقد المؤتمر بالتواصل مع مختلف الأطراف الدولية والليبية على حد سواء لضمان أكبر تمثيل ممكن للأطراف المدعوة للمشاركة والحضور.

عقب إعلان روما العزم على عقد مؤتمر باليرمو الذي روجت السلطات الإيطالية بأنه يأتي استكمالا لما تم التوصل إليه في باريس وفي إطار الخطة الأممية، إلا أن الأراء اختلفت حوله، بين مؤيد ومعارض، بين مرحبا ورافض، لتتولد بذلك حالة انقسام جديدة تضاعف من تعقيد الوضع الذي لم يكن بحاجة إلى المزيد من التنازع والانقسام، حيث ارتفعت عدد من الأصوات الرافضة، من عدة أطراف لا سيما تلك التي كانت تعول على العملية الانتخابية كوسيلة لخروج البلاد مما تعانيه من أزمات، ومشاكل، إذ اعتبروا أن المخطط الإيطالي الذي يتضمنه مؤتمر باليرمو يتسبب في تعطيل العملية الانتخابية، أو تأجيلها على أقل تقدير، ومن أهم التيارات التي أعلنت رفضها لعقد المؤتمر بشكل قاطع السواد الأعظم من أنصار النظام السابق، وتيارات أخرى تمثل في مجملها أغلب الشعب الليبي.

ومن بين التيارات التي أعلنت رفضها بشكل صريح للمؤتمر الحركة الشعبية الليبية التي تضم عددا من قيادات النظام السابق، حيث أعلنت في بيان نشره المتحدث الرسمي باسمها ناصر سعيد، تضمن رسالة أمين الحركة التنفيذي القيادي والمسؤول السابق مصطفى الزايدي، والذي قال فيه، "إن الحركة تثمن الجهود والمساعي التي تهدف إلى البحث عن حلول جدية للأزمة الليبية، وخاصة دعوة البعثة لمعالجة المشكلة من خلال مؤتمر وطني جامع يضم كل الأطراف الليبية"، مضيفا "جاء في الخطاب انه بالرغم من معرفتنا بعدم علاقة البعثة بلقاء باليرمو إلا انه من المهم التوجه إلى رئيسها بملاحظات جوهرية حول اللقاء المشار إليه".

وأضاف البيان، "أن فئة ليست قليلة من الليبيين تتحفظ على دور ايطالي قيادي في التعامل مع الأزمة الليبية استنادا إلى الانحياز الايطالي المعلوم لأحد أطراف التنازع على السلطة، فضلاً على طبيعة الماضي الاستعماري البغيض في ليبيا، مبينا، انه من خلال الاطلاع على قوائم المدعوين المسربة، تتضح عبثية الإعداد لهذا المؤتمر وعدم جدية التحضير له وقيام مجموعات معينة باقتراح دعوة أسماء مع الاحترام لها لا تشكل أهمية بين أطراف الصراع والمشكل في ليبيا، والأغرب ورود أسماء تحت تسمية ممثلى أنصار النظام السابق وهم معروفين للعالم بأنهم من قادة العمل الأساسيين ضده من أمثال عبد الرحمن شلقم" .

وأردف سعيد أن كتاب الزائدي لسلامة أكد أيضا "على انه من المنطقي أن توجه الدعوة للأطراف وهم من يحددون ممثليهم في التفاوض حتى تلتزم الأطراف بنتائجه، أما كتابة أسماء لا يعرف احد كيف جاءت ويحسبون على أطراف سياسية أو جهات أو قبائل فهذا فقط يعنى صحة التوجسات الكثيرة من الدور المشبوه الذي تقوم به بعض الدول وبعض الأطراف للعبث بالملف الليبي" .

وأوضح سعيد أن الكتاب شدد على أن "أنصار النظام الجماهيري يمكن تمثيلهم من خلال تنظيمات معروفة تعبر عن قيادات النظام، منها الحركة الوطنية الشعبية الليبية، والجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، والتجمع الوطني الليبي، وجبهة النضال الشعبي" و"تجمعات قبلية من خلال المجالس الاجتماعية للقبائل المؤيدة للنظام الجماهيري ومتمثله في مؤتمر القبائل و المدن الليبية" و"قيادات وشخصيات سياسية وعسكرية مرموقة تحظى بتقدير واحترام أغلب الليبيين" بالإضافة إلى "قيادات سياسية وأمنية في المعتقلات" .

ووجه عدد من أعضاء مجلس النواب، أيضا رسالة إلى المبعوث الأممي إلى ليبيا رسالة، أكدوا فيها أن استقلال ليبيا ووحدة أراضيها والسيادة التامة على كافة ترابها هي ثوابت وطنية لا يمكن التخلي عنها ولا يجب أن تكون محل نقاش أو حوار في أي مؤتمر أو لقاء، مؤكدين أنهم يتابعون الاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا بمدينة باليرمو الإيطالية، معلنين أن تدخل بعض الدول بشكل سافر في الشأن المحلي قد أضر كثيرا بجهود التقارب والوصول إلى حل بين الليبيين ويجب أن يصدر عن المؤتمر موقفا واضحا من هذه التدخلات.

كما أكد النواب في رسالتهم، أن مجلس النواب والدولة وحدهما المحولين بإعادة تكليف رئاسي جديدة للبلاد وفق الآليات المنصوص عليها بالاتفاق السياسي، وإن أي محاولة لتشكيل حكومة جديدة خارج هذا الإطار لن تكون مقبولة، وعلى المجتمع الدولي والمجتمعين في باليرمو لدعم جهود الجسمين وليس تجاوزهما أو دعم أطراف أخرى تعمل على تجاوز الشريعة.

ومن جانبهم أعلن بعض المدعوين لحضور المؤتمر رفضهم المشاركة فيه، بل منهم من نفى علمه بالدعوة الموجهة لهم، ومن بين الذين أعلنوا رفض الحضور الكاتب الليبي منصور بوشناف الذي قال في تصريحات صحفية أنه لم يتلق أي دعوة، مستغربا الزج باسمه، ومعلنا أنه لن يحضر حتى في حال وصول دعوة رسمية.

كما فند القيادي الليبي السابق إبراهيم عبدالسلام، آخر أمين للأوقاف "وزير" خلال فترة النظام السابق مشاركته في المؤتمر، ونفى في اتصال مع بوابة افريقيا الإخبارية، تلقيه أي دعوة لحضور المؤتمر، مؤكدا أنه علم بإدراج اسمه ضمن قائمة المدعوين عن طريق وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أنه يرفض مناقشة حل المشكل الليبي في الدول التي كانت سبب فيما تعيشه البلاد اليوم.

ومهما تكن النتائج التي تنتظر من مؤتمر باليرمو، والأهداف المعلنة من قبل السلطات الإيطالية باعتبارها المنظمة، وأهم الداعين للمشاركة فيه، والتي تتمثل في مواصلة الجهود الدولية لإيجاد حل للأزمة الليبية، يبقى هذا المؤتمر محاطا بالهواجس والشكوك التي جمعت أطيافا واسعة من المختلفين سياسيا على مقاطعته ورفض المشاركة فيه.