رد محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير على تصريحات رئيس حكومة لوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة التي وصف فيها الوضع الاقتصادي لليبيا بأنه جيد جدا.

وقال الكبير في خطاب موجه للدبيبة إن كلمته الموجهة عبر وسائل الإعلام مساء الاثنين والتي "تناول فيها مسائل غاية في الأهمية والحساسية تتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي للدولة من أهمها: فرض الرسوم على بيع النقد الأجنبي، احتياطيات المصرف المركزي من النقد الأجني، معالجة الدين العام، والتي أدلى فيها بدلوه خلافاً للواقع، وبما يُجافي الحقيقة، مستعرضاً تقارير المصرف المركزي، وانتهى فيها إلى رسم صورة وردية للمواطن بأن الوضع الاقتصادي جيد جداً".

وأضاف الكبير أنه لما كان مصرف ليبيا المركزي المستشار الاقتصادي للدولة وفقاً للتشريعات النافذة، فإنه صار لزاما إيضاح حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي للدولة وبيانه، لوضع الأمور في نصابها.

واستعرض الكبير وجهة نظره في عشرة نقاط قائلا ورثت ليبيا عبر عقود اقتصاداً ريعيّاً، يعتمد على مصدر واحد للدخل وهو النفط والغاز تشكل الصادرات منه 96 % من اجمالي الصادرات والذي يمول حوالي 95% من ميزانية الدولة وهذا المصدر معرض باستمرار لصدمتين الأولى: تغير الأسعار في الأسواق العالمية و الثانية: الإقفال التعسفي لإنتاج النفط وتصديره المتكرّر منذ سنة 2013 كان آخرها في شهر يناير 2024.

ولفت الكبير إلى أن السياسات والإجراءات التي قام بها مصرف ليبيا المركزي في يناير 2021 وأهمها تخفيض قيمة الدينار الليبي كنتيجة لمعالجة الاختلال في السياسات المالية والاقتصادية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة، مؤكدا أن ما اتخذه مصرف ليبيا المركزي من سياسات هي التي أدت إلى تحقيق استقرار نسبي وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات وفي الميزانية العامة وكان المؤمل أن تقوم الحكومة باتخاذ إجراءات وإصلاحات مصاحبة تدعم ما قام به المصرف المركزي وتحافظ على قيمة الدينار الليبي، إلا أن الحكومة لم تتخذ إجراءات تصحيحية للسياسات المالية والتجارية بل سلكت مسلكاً آخر واتخذت إجراءات عكسية من خلال التوسع في الإتفاق العام وخصوصا الاستهلاكي، والتوسع في زيادة المرتبات التي تجاوزت 65 مليار دينار، والتوسع في بنود الدعم والمنح والإعانات وعدم اتخاذ أية إجراءات لمعالجة بنود الدعم خصوصا دعم المحروقات والاستمرار في زيادة عدد العاملين في الجهاز الإداري الذي بلغ مستوى 2.2 مليون موظف مشكلا نسبة تتجاوز 31% من عدد السكان وهي الأعلى في العالم، واتجاه سوق العمل للقطاع العام بسبب زيادة المرتبات، مما أضعف دور القطاع الخاص في استقطاب الباحثين عن العمل، وأجهض جهود المصرف المركزي وأهدر نتائجها، وأثر على قدرة المصرف المركزي على المحافظة على استقرار سعر الصرف وقيمة الدينار الليبي.

وأضاف الكبير أن حكومة الوحدة والحكومات السابقة لم تقدم أي رؤية اقتصادية على المدى القريب ولا المتوسط ولا البعيد للعمل على تنويع مصادر الدخل كما لم تقم الوزارات المعنية بالسياسة المالية والتجارية بتقديم أية برامج إصلاح وإجراءات تعزز النمو الاقتصادي وتدعم سياسات المصرف المركزي للمحافظة على قيمة الدينار الليبي، وتمكن من الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة عبر القطاع الخاص للخروج من معضلة الاعتماد المطلق على النفط كمصدر وحيد للدخل.

ولفت الكبير إلى أن الاستمرار في التوسع غير المدروس في الإتفاق العام، يُهدّد الاستدامة المالية للدولة ويولد مزيدا من الضغوط على سعر الصرف والمستوى العام للأسعار ويفاقم معدلات التضخم وأسهم في تنامي عرض النقود بأكثر من 30 مليار دينار سنة 2023 حتى بلغ 160 مليار دينار، ارتفع معه الطلب على النقد الاجنبي، وهو موضوع اهتمام مصرف ليبيا المركزي، حيث ذكر الدبيبة في كلمته أن وضع الاقتصاد الليبي جيد جداً وأن اقتصادنا في حال مريح ولا حاجة لأية إجراءات استثنائية، معلقا بالقول إن محاولة تسويق الصورة الوردية للاقتصاد الوطني على هذا النحو غير الواقعي يُهدد مصلحة الوطن والمواطن ومستقبل الأجيال القادمة، فضلا عن كونها تضليلاً للرأي العام و

واستعرض الكبير بعض الحقائق التي قال إن الدبيبة تجاهلها في كلمته حول إنفاق سنة 2024 قائلا إن إجمالي الإنفاق المتوقع خلال سنة 2024 يزيد عن 165 مليار دينار جله إنفاق استهلاكي وأضاف أن إجمالي الإيرادات المتوقعة خلال سنة 2024 حوالي 120 مليار دينار، منها 5 مليار دينار إيرادات سيادية أخرى ومبلغ 115 مليار دينار كما أن إيرادات نفطية حسب بيانات المؤسسة الوطنية للنفط تشهد تراجع ملحوظ مقارنة بما كان يُحقق خلال السنوات الماضية. 

وبين الكبير أن رسالة رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الموجهة إلى الدبيبة بتاريخ 2023/09/18 أشار فيها إلى أن مصروفات دعم الطاقة أصبحت تستنزف نصف الإيرادات النفطية، وهذا لا يعكس الوضع الجيد جداً الذي أشار إليه الدبيبة في كلمته، بل هو خلل وتشوه يتطلب معالجة فورية، وعزز من مخاوف مصرف ليبيا المركزي وقدرته على الدفاع على سعر الصرف خلال سنة 2024 في ظل تراجع الإيرادات الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي.

وأكد الكبير أن العجز المتوقع في الإنفاق العام في ظل الوضع الراهن حوالي 45 مليار دينار، قائلا السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف ستتعامل الحكومة مع هذا العجز ومن أية موارد ستغطيه، أم أنها ستضيف أعباء جديدة على الدين العام القائم ؟

واستطرد الكبير بالقول إن احتياجات الاقتصاد الليبي من النقد الأجنبي خلال سنة 2024 تقدر بحوالي 36 مليار دولار لكل القطاعات تتضمن مخصصات الميزانية الاستثنائية للمؤسسة الوطنية للنفط والشركة العامة للكهرباء ومشروعات التنمية الأخرى.

وأضاف الكبير أن العجز المتوقع في إيرادات النقد الأجنبي في ظل المعطيات القائمة حوالي 11 مليار دولار؛ إذ تبلغ الإيرادات النفطية حسب تقديرات المؤسسة الوطنية للنفط حوالي 25 مليار دولار خلال سنة 2024 ، يخصم منها مبادلة المحروقات بمبلغ 8.5 مليار دولار، ليكون المتاح لدى المصرف المركزي مبلغ 16.5 مليار دولار، والذي لا يلبي احتياجات الاقتصاد الوطني بقطاعيه الخاص والعام، والتي بلغت 26.4 مليار دولار خلال سنة 2023 ويُتوقع أن تصل إلى 27.5 مليار دولار خلال سنة 2024 ، وهو ما أجبر المصرف المركزي على اتخاذ إجراءات لترشيد استخدامات النقد الأجنبي لتوفير الاحتياجات الأساسية للدولة، واللجوء إلى استخدام جزء من احتياطياته.

ولفت الكبير إلى ارتفاع بند الدعم من 20.8 مليار دينار بما فيه المحروقات حتى شهر نوفمبر 2021 إلى 61 مليار دينار منها 41 مليار دينار فاتورة استيراد المحروقات في سنة 2022 ومبلغ 41 مليار دينار في سنة 2023 ، وهو يفوق احتياج الاقتصاد الوطني ويؤكد أن جزءاً كبيراً من هذه المحروقات يتم تهريبه إلى الخارج كما تناولته وسائل الإعلام المحلية والدولية، فوق ذلك من المتوقع أن تتنامي فاتورة دعم المحروقات خلال سنة 2024 حسب إفادة المؤسسة الوطنية للنفط، ولم تقم الحكومة تجاه ذلك باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة هذه الظاهرة، وهو لا يعكس وضع الاقتصاد الوطني الجيد جداً كما جاء في كلمة الدبيبة، ولازال مصرف ليبيا المركزي لم يتحصل على إجابة مقنعة حول سبب هذا الارتفاع ومبرراته.

وأشار الكبير إلى أن قيام مصرف ليبيا المركزي بمعالجة العجز في ميزان المدفوعات لا يتأتى إلا باستخدام احتياطيات الدولة، وهذا لا يكون بإجراء أحادي في حال الاضطرار له، وإنما ضمن حزمة إجراءات تجنباً لوقوع عجز مستدام، كما أن اللجوء إلى استخدام الاحتياطيات لتمويل العجز دون أن تصاحبه إجراءات أخرى ترشيدية يتنافى مع مبدأ المحافظة على استدامة الدولة؛ إذ كيف يُعقل - على سبيل المثال - أن تستخدم احتياطيات الدولة في شراء لتر الوقود بقيمة دولار وإعادة بيعه بثلاثة سنت، لتستفيد منه عصابات التهريب، وكذلك تمويل استيراد سلع أكثر من حاجة الاقتصاد الليبي تهرب خارج البلاد.

ولفت الكبير إلى أن الدبيبة أشار إلى أن الاحتياطيات من النقد الأجني بلغت 84 مليار دولار وهذا غير دقيق؛ لأنه أغفل مكونات هذا الرقم، إذ منها ما ليس قابلاً للاستخدام كغطاء العملة مثلاً، ومنها أموال تخص مؤسسات ليبية أخرى يديرها مصرف ليبيا المركزي ولا يملكها، وإن المتاح من الاحتياطي العام "الاحتياطي الحر السائل" حوالي 29 مليار دولار كما هو في 2024/03/01 وهو رقم لا يصمد أمام احتياجات الاقتصاد الليبي وبخاصة مع ما سيُستخدم منه خلال سنة 2024 أو إذا تعرض لصدمة انخفاض الأسعار أو توقف إنتاج النفط وتصديره

وقال الكبير للدبيبة إنه أشار إلى موضوع الدين العام وتصغيره (تسويته) معتبرا أن ما ذكره  منافٍ للحقيقة، ولم تجر أية تسوية للدين العام حتى تاريخه، ولازال ظاهراً في سجلات مصرف ليبيا المركزي تحت بند قروض وسلفيات للخزانة العامة بإجمالي 84 مليار دينار ويمكن الرجوع إلى سجلات وزارة المالية، إضافة عن الدين العام بسجلات مصرف ليبيا المركزي بنغازي الذي ترتب خلال فترة الانقسام ولازال قائما.

وتابع الكبير أنه فيما يتعلق بفرض الرسوم على مبيعات النقد الأجني فإن فرض الرسم إجراء اضطر إليه المصرف المركزي للتحكم في السوق الموازي في ظل المعطيات المذكورة سابقاً، ووجود عملة فئة 50 دينار تتداول مجهولة المصدر والكمية، وتنامي الطلب على النقد الأجنبي خارج المنظومة المصرفية كما أن فرض الرسم على مبيعات النقد الأجنبي إجراء مؤقت في ظل غياب أية إجراءات إصلاحية من قبل الحكومة، ومع رفع القيود على مبيعات النقد الأجنبي، سيقود ذلك إلى تخفيض السعر الذي كان متجهاً في السوق الموازي إلى سعر 9 دينار للدولار ويتوقع رجوعه إلى سعر 6 دينار للدولار بعد هذا الإجراء، مما سيخفف العبء عن المواطن من خلال التأثير على المستوى العام للأسعار، وبهذا سيستفيد المواطن من تخفيض سعر الصرف، بدل أن كانت الاستفادة حكر على بعض التجار والمضاربين.

وشدد الكبير على أن مصرف ليبيا المركزي وانطلاقا من واجبه الوطني ومسؤوليته أمام الوطن والمواطن سيعمل على المحافظة على الاستدامة المالية للدولة بكل ما أمكن وبكل شفافية ووضوح، سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع بقية مؤسسات الدولة.

ودعا الكبير الجميع للعمل معاً وإقرار السياسات الاقتصادية والمالية الضرورية للخروج من هذه الأزمة الخائفة، وذلك من خلال إقرار ميزانية موحدة لكامل التراب الليبي وإيقاف الإتفاق الموازي المجهول المصدر والكمية (عملة فئة 50 دينار المزورة) وترشيد الإنفاق بما يحافظ على احتياطيات الدولة وتنميتها وحقوق الأجيال القادمة ومعالجة موضوع الدعم ووضع رؤية اقتصادية شاملة لتنويع مصادر الدخل وتعزيز دور القطاع الخاص وتخفيض الاعتماد على الواردات الخارجية في توفير السلع للاقتصاد الليبي، حيث تجاوزت السلع الاستهلاكية نسبة 80% .

ودعا الكبير إلى زيادة إنتاج النفط وتصديره على المدى القريب والمتوسط، وهو ما حرص عليه المصرف المركزي من خلال دعم المؤسسة الوطنية للنفط بميزانية استثنائية بلغت 50 مليار دينار خلال سنتي 2022-2023  وحث الكبير على أن تكون أولوية الإنفاق للاستثمار في التنمية الشاملة وضبط المنافذ للحد من ظاهرة التهريب ومحاربة الفساد.

وختم الكبير بالقول إن الأمر يتطلب الصدق والأمانة في توعية المواطنين ووضعهم في حقيقة الواقع بكل شفافية ووضوح بما يُسهم في إشراكهم مع مؤسسات الدولة في الخروج من هذه الأزمات المتتالية التي تهدد الأمن القومي ومستقبل البلاد، مؤكدا أن الأمر بات يستلزم من الجميع العمل الجاد للخروج من الأزمة والوصول إلى العيش الكريم.