في سوق سيدي عبد السلام الشعبي، غربي المدينة العتيقة في العاصمة تونس، تزدهر تجارة بيع الأشياء القديمة والمستعملة فزوار السوق من الباحثين عن مواد نادرة أو معدات أو حتى كتب قديمة قد يجدون ضالتهم في إحدى هذه المحلات المزدحمة التي لا تفصل بينها سوى أزقة ضيقة.

غير أنه عند التجوال في هذا المكان يثير فضول الكثيرين محل تزينت واجهته بصور شخصيات تاريخية اعتلت عرش السلطة قبل سنوات عديدة من بينها صور للمنصف الباي (حكم تونس بين 19 حزيران 1942 – مايو 1943) وأخرى للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية بين 25 أيلول/سبتمبر 1957 و7 تشرين الثاني/نوفمبر 1987.

إنه محل "الحاج العربي عبد القادر" ( 60 عاما) الذي يمتهن بيع الكتب القديمة منذ سنوات ويهوى جمع صور الزعماء "المخلصين لتونس" وبيعها أيضا.

وحكى الحاج العربي عبد القادر للأناضول قصته مع صور "الزعماء" فقال إنه لا يمكن أن يبيع ويحتفظ في محله سوى بصور أولئك الذين تركوا بصمتهم في تاريخ تونس وتركوا خلفهم بعد مغادرة السلطة إنجازات ظلت تردد على ألسنة الناس.

ويضيف أنه لم يعش زمن حكم المنصف الباي لكنه قرأ عنه الكثير من الكتب التي تؤرخ للفترة التي حكم فيها البلاد حتى صار يحمل قناعة أن للرجل رصيدا نضاليا تحتفظ بها الذاكرة الشعبية رغم قصر فترة حكمه.

ومحمد المنصف باي هو أحد البايات الحسينيين الذي حكم تونس لمدة إحدى عشر شهرا بين 1942 و 1943، وصعد المنصف الباي إلى العرش خلال الحرب العالمية الثانية إثر استسلام فرنسا للقوت الألمانية.

يتنقل "الحاج العربي " - كما يطلق عليه زباءنه - داخل محله ليأتي بعد برهة من الزمن متباهيا بصور أخرى التقطت للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة قبل سنوات في أماكن مختلفة فهي بالنسبة اليه إرث تاريخي لأحد زعماء تونس الذين قدموا تضحيات كبيرة لنيل الاستقلال عام 1956 و دحر المستعمر الفرنسي.

يتابع الحاج العربي: "عندما كنت صبيا في الحادية عشر من عمري كانت أمي تصطحبني معها لنترقب مرور الزعيم بورقيبة من باب سويقة /حي شعبي بالعاصمة/ مجاور لسوق باب سيدي عبد السلام، ومنذ ما يزيد عن ثلاثين سنة أحتفظ بصور الزعيم بورقيبة لأنه قدم نضالات عديدة للشعب و نهض بالتعليم والصحة و حرر المرأة ".

والحببيب بورقيبة هو أحد زعماء الحزب الحر الدستوري التونسي الذي نال من فرنسا الاستقلال سنة 1956 و حكم البلاد الى سنة 1987 حين أطاح به وزير داخليته، زين العابدين بن علي، ووضعه تحت الإقامة الجبرية و حجب أخباره عن وسائل الإعلام.

وما يلفت النظر في هذا المحل أنه لا يوجد إطار يحتوي أي من صور الرئيس السابق زين العابدين بن علي التي كانت تعلق في كل المباني الرسمية وغير الرسمية في تونس قبل ثورة 14 يناير 2011 و لذلك رمزية كبيرة بحسب صاحبه الذي يفسر قائلا: "بعد رحيل بورقيبة عن السلطة عام 1987 بانقلاب نفذه بن علي رأيت أنه لا يستحق أن أعلق صورته داخل المحل...بل إن صور الحبيب بورقيبة سببت لي مشاكل عدة وصارت مصدر إزعاج للسلطة آنذاك"، اي زمن بن علي .

"الشرطة طلبت مني عدة مرات ازالة صور بورقيبة من الواجهة و تعويضها بصور بن علي كما هو الحال بالنسبة لبقية المحلات في السوق، و عندما رفضت ذلك اقتادوني الى مركز الأمن ليتم ممارسة شتى أنواع الضغط على ولكن دون جدوى".

و بخصوص سباق الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها بعد عشرة أيام يعتبر الحاج العربي أن غالبية الأسماء المتنافسة غير قادرة على حكم البلاد نظرا لقلة خبرتها باستثناء تلامذة المدرسة البورقيبية مثل رئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي الذي يتمنى فوزه لتعليق صورته في المحل "خلفا لبورقيبه".

ويخوض الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى بعد نحو أسبوعين 27 مرشحا من بينهم امرأة واحدة والرئيس الحالي محمد المنصف المرزوقي ورئيس حركة "نداء تونس" السبسي.

وتعتبر الانتخابات المقبلة أول انتخابات رئاسية بنظام الاقتراع المباشر تشهدها البلاد منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي عام 2011، حيث انتخب المرزوقي رئيسا للبلاد عبر أعضاء المجلس التأسيسي في شهر ديسمبر/كانون الأول 2011.