ليست كثيرة الأعمال الدرامية التي بثتها الفضائيات التونسية حول الفترة الاستعمارية. حتى الأعمال التي أنتجت سابقا لم تكن بتلك القيمة التي تجعلها حديث المتابعين، لكن المسلسل الأخير "قلب الذيب" الذي بثت حلقاته في النصف الأول من رمضان. ورغم دخوله لمرحلة ظلمت سابقا في علاقة بالمقاومة المسلحة، لكنه في المقابل خلّف جدلا واسعا لا بين المتابعين العاديين فقط الذين اعتبروه تشويها للمقاومة التونسية ضد الاستعمار الفرنسي وتمييعا لها، بل أيضا بين المثقفين الذين رأوا أن في المسلسل أخطاء كبيرة ما كان على منتجيه الوقوع فيها لو استأنسوا بمؤرخين أكفاء.

مسلسل "قلب الذيب" هو مسلسل تونسي بثه التلفزيون الرسمي في 15 حلقة. الملفت أن الإنتاج لم يشفع له وجود أكبر الممثلين على الساحة المحليّة فيه، وخلّف جدلا قبل حتى بداية بثه بعد خلافات كبيرة بين التلفزيون الرسمي وإحدى القنوات الخاصة، ولم ينته الخلاف إلا داخل المحاكم أين حسم الأمر لفائدة الأول رغم انتقادات البعض للمبلغ الذي بيع به حيث بلغ 2 مليون دينار تونسي، لكن الجدل حوله تواصل في مستوى محتواه وأخطائه التي اعتبرها البعض كبيرة وتمس من تاريخ الحركة الوطنية في البلاد، أو عملية اغتيال للذاكرة وتشويه لصورة المقاوم في الجبال.

منذ الحلقة الأولى للمسلسل فتح باب الانتقادات من الجميع، فالأخطاء التاريخية في المسلسل كبيرة، حيث بدا التداخل واضحا في تاريخ الأحداث، باعتباره يتناول فترة زمنية نهاية الأربعينات في حين أن المقاومة المسلحة بدأت بعد ذلك التاريخ بأربع سنوات تقريبا. كما أن مصادرة الأراضي من المستعمر بدأت مبكرا منذ السنوات الأولى لدخول الفرنسيين وربما حتى قبل ذلك وكانت بطرق مختلفة عمّا تم إدراجه وبإغراءات، لكن المسلسل يتناولها على أساس نهاية الأربعينات. أيضا في علاقة بتمرير السلاح من الجزائر إلى المقاومة التونسية حول نقاط استفهام وبعض المؤرخين يؤكدون أن ذلك لم يحصل أبدا، بالإضافة إلى أن اعتماد اللباس واللهجات المعتمدة، كان غير صائب فقد اختار منتجو المسلسل لهجات لم توجد إلا بعد الاستقلال بسنوات، لباسا لاحقا لتلك الفترة التي كان فيها الناس خاصة في دواخل البلاد فقراء وملابسهم بسيطة أو رثّة.

أخطاء فنيّة أخرى وقع فيها المسلسل باختيار أسلحة متطورة وغير موجودة أيام الاستعمار الفرنسي للبلاد حسبما ما ذكر بعض العارفين بها، كما ظهرت في إحدى اللقطات آلة إضاءة في أحد كهوف الجبال أين وجد المقاومون، أقرب إلى الهواتف المصنوعة حديثا، وهذه أخطاء ما كانت لتقع في مسلسل يتناول مرحلة جدّية وحساسة من تاريخ تونس. بالإضافة إلى استعمال كلب مدرّب من روسيا وهو ما لا يمكن توفره في تلك الفترة.

وكمحاولة لتدارك الأخطاء التاريخية ومع اكتشاف العديد من الثغرات سارع التلفزيون الرسمي بداية من الحلقة الثانية أو الثالثة إلى وضع شارة مع البداية بأن أحداث هذا المسلسل ليست واقعية، لكن ناقدي العمل يعتبرون ذلك بلا قيمة أولا لأن الأمر لم يكن من الحقلة الأولى وقتها يمكن تجاوز بعض الهفوات الفنية، وثانيا لأنه في المضمون العام هو عمل درامي يتناول فترة زمنية أيام الاستعمار في تونس ولذلك الحذر والدقة في سيناريوه ضروريان.

أما الانقادات في مستوى المحتوى، فقد كانت أكثر حدة بالنظر إلى كونها مست ما هو عاطفي في الناس، حيث يمتلك تاريخ المقاومة المسلحة والحركة الوطنية في تونس نوعا من القداسة التي ترفض عملية التشويه، لكن المسلسل تعامل مع قادة حزب الدستور وهو الحزب الناشط في تلك الفترة على أنهم روّاد الملاهي ومنبهرين بعالم النّساء، وهو ما رفضه كثيرون بغض النظر عن الاختلاف عن حقيقة تلك الأمور. كما أن المسلسل ركّز كثيرا على عالم النساء في فترة كانت حسّاسة التفكير الوحيد فيها كيفية محاربة الاستعمار. والأخطر من ذلك في رأي البعض أنه أدرج مشاهد لا تستقيم مع أخلاق المقاومين في علاقة بالخيانات ونقض العهود خاصة في علاقة البطل بحبيبته التي آمنها عند أحد رفاق السلاح لكنه لم يكن في مستوى الأمانة، بالإضافة إلى مشهد اغتصاب فتاة تونسية من طرف أحد المعمّرين وحملها منه وهذه صورة تمس من المرأة التونسية ولا يمكن أن توضع في مسلسل درامي المفترض أنه يبحث عن تقديم صورة إيجابية عن المقاومة التونسية وما يحيط بها.

الخلل في المسلسل تدخلت فيه حتى الهيئات الرسمية الرقابية على الإعلام حيث اعتبرت الهيئة التونسية المستقلة للاتصال السمعي البصري أن بعض المشاهد فيها مساس من تاريخ تونس، وطالبت بحذفها من تسجيلات العمل ومراجعة بقية المحتوى باعتبارها تشوّه تاريخ المقاومة الوطنية.

ربما يكون "قلب الذيب" قد نجح في مستوى التسويق، ونجح في مستوى نسب المشاهدة محليا وربما حتى من دول الجوار، لكن الثابت أن تقييمه الموضوعي لا يمكن أن يجعل منه عملا مفيدا وقد لا يعاد منه جزء ثان رغم أن المخرج في الحلقة الأخيرة قدّم مشهدا يلمح إلى تواصل الأحداث وهذا أيضا فيه مباشراتية مبالغ فيها وتثبت أن منتجيه أمامهم عمل كبير لو فكروا في مواصلته لاحقا.