شهد محاور القتال في العاصمة الليبية طرابلس اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر وقوات وكتائب تابعة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج. ومع دخول المرحلة الثالثة لعملية تحرير طرابلس يتجه الجيش الليبي نحو انهاء سطوة المليشيات المسلحة التي بدأت عملياتها الانتقامية في حق المدنيين.

الى ذلك، أجرى فيه رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي، أمس، محادثات في روما مع المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، وذلك في أول محطة له ضمن جولة أوروبية محدودة،حيث كان معارضوا الجيش الليبي ينتظرون انتقادات حادة للأخير والتخلي عنه نهائيا من طرف الدول الأوروبية.

لكن المشهد في روما عكس قوة موقف الجيش الليبي،حيث اكتفى رئيس الوزراء جوزيبي كونتي بالتعبير عن قلق بلاده إزاء الوضع الذي تعيشه ليبيا، داعيا إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي الذي لا بديل عنه.وقال كونتي كونتي:"كان لقاءً مطولاً وتبادُلاً مطولاً للمعلومات، وقد عبرتُ له (حفتر) عن موقف الحكومة... نريد وقفاً لإطلاق النار، ونحن نعتبر أن الحل السياسي هو الحل الوحيد.

وقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر مقربة من المشير خليفة حفتر، إنه رفض مجدداً أي فكرة لوقف إطلاق النار، وإبرام هدنة قبل إعلان الميليشيات المسلحة في طرابلس إلقاء السلاح، وتسليم نفسها لقوات الجيش الوطني.كما كشفت المصادر ذاتها النقاب عن أن حفتر طلب في المقابل من رئيس الحكومة الإيطالية فك الارتباط بينها وبين حكومة السراج، المدعومة في طرابلس من بعثة الأمم المتحدة، وجدد طلبه لإيطاليا إخلاء المستشفى العسكري، الذي أقامته في مدينة مصراتة (غرب)، وعدم السماح للمتطرفين والإرهابيين بتلقي العلاج هناك.

ومن المقرر أن يقوم القائد العام للجيش الليبي لاحقاً بزيارة إلى باريس لمقابلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما راجت معلومات عن احتمال عقده محادثات مماثلة مع مسؤولين بالاتحاد الأوروبي.ويرى مراقبون أن الموقف الدولي سيكون ثابتا وهو الدعوة إلى وقف إطلاق النار في العاصمة الليبية.

وعلى الصعيد الميداني،اعتبر اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني، في بيان أصدره أمس، أن القوات المسلحة في المنطقة العسكرية الغربية، التي يقودها اللواء إدريس مادي من الزنتان، تخوض "معركة طاحنة ضد الإرهابيين وميليشيات الإجرام، وتقدم تضحيات كبيرة، وتضرب مثالاً عالياً في التضحية من أجل كرامة الوطن واستقلاله ووحدة أراضيه".

وقالت شعبة الإعلام الحربي، التابع للجيش، في بيان مقتضب أمس، إن الطائرات التركية المُسيّرة المُقلعة من قاعدة مصراتة الجوية تقوم بغارات، وتستهدف أهدافاً مدنية بعيدة عن المناطق العسكرية بمدينة غريان.

وطبقاً لما أعلنه المسماري في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس، فإن قوات الجيش تقاتل الآن على تخوم طرابلس لتطهيرها من الإرهاب والجماعات الإجرامية، مشيراً إلى أن "المعركة أصبحت قريبة جداً من الأحياء الرئيسية في طرابلس، وعلى مقربة من تدمير قدرات العدو... وما زالت قواتنا تقاتل العدو في طرابلس بمختلف محاور القتال، وما زالت القوات الجوية تدك أوكار الإرهابيين في أكثر من موقع إسناد للمقاتلين على الأرض".

وفي ظل تواصل خسائرها بدأت المليشيات المسلحة بتوجيه أسلحتها نحو المدنيين في محاولة لعرقلة الجيش الليبي.ولفت المسماري إلى أن الميليشيات المسلحة تستخدم الأسلحة الثقيلة بشكل عشوائي، وتستهدف الآمنين، بالإضافة إلى القصف الجوي في عدة أماكن بطرابلس.

وقال إن السراج طلب النجدة من عدة دول أوروبية، لكنه رجع فاشلاً من رحلته، لكنه "نجح مع ذلك في عقد صفقات مع تجار حروب لشراء أسلحة من أموال الشعب الليبي"، مبرزاً أن مكان تجميع الأسلحة من دول العالم "هو تركيا، ومنها ستُنقل إلى مصراتة، وليس بجديد دعم تركيا للإرهاب في كل دول المنطقة".

كما أوضح المسماري أن قوات الجيش التي أسقطت قبل يومين في الجفرة طائرة من دون طيار للعدو كانت في مهمة استطلاعية،"تقوم حالياً بجمع حطام الطائرة... وسنعرف ما هي الدول التي زوّدت الإرهابيين بالطائرة، رغم أن الخيوط تشير إلى تركيا".

وأبرز المسماري أن المخابرات التركية "تولت نقل مقاتلين من ليبيا إلى سوريا، وهي الآن تعمل على عودتهم لليبيا... ونحن نتابع الخطوط التي فتحتها تركيا لنقل الإرهابيين بين سوريا وليبيا. وفي حال لم يكن هناك جيش في ليبيا سيتم نقلهم إلى أوروبا"، مشيراً إلى أنه كان "هناك خط لتركيا عبر السودان وبوكو حرام تم قطعه بعد سقوط البشير، وانتصار الجيش السوداني للشعب هناك".

وأضاف المسماري:"هناك دعم قطري وتركي وراء كل تحالف الإرهابيين الذين فرّوا من شرق البلاد وتجمعوا في طرابلس"، متهماً جماعة الإخوان المسلمين بالسيطرة على مصرف ليبيا المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط لصالح الإرهاب، ودعا كل الدول لأن تصنف "الإخوان" جماعة إرهابية بـ"اعتبارها خطراً على العالم أجمع".

وكان مجلس النواب الليبي،صوت مؤخرا بـ 70 نائباً على حظر جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جماعة إرهابية، وهي خطوة تمهد لملاحقة أعضاء الجماعة قانونيا.ووفق الموقع الرسمي لمجلس النواب، قال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس، طارق الجروشي، "إن استنجاد تنظيم الإخوان المسلمين بتركيا للتدخل العسكري في ليبيا يدل على قرب نهاية مشروعهم".

ودفع اقتراب دحر المليشيات المسلحة من العاصمة الليبية القيادي السابق في الجماعة الليبية المقاتلة، سامي الساعدي،لتوعد مؤيدي الجيش في العاصمة طرابلس، بالتهجير والطرد من المدينة.

وعلى صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أطلق الساعدي الذي يقيم في تركيا منذ سنوات، حملة ممنهجة ضد الجيش الليبي، كما هاجم أهالي العاصمة طرابلس الداعمين لعملية الجيش الليبي التي تستهدف تحرير طرابلس من سطوة الميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة، وأعلن مساندته التامة لقوات حكومة الوفاق.

وكتب الساعدي قائلا،"بالليبي.. بالله اللي مداير روحه ولد اطرابلس وما زال يبي حفتر، يبيع حوشه ويمشي لبنغازي أمن وأمان وحرية وما فيهاش مليشيات... تصوروا ما زال فيه منه النوع هذا".

يشار إلى أن الساعدي، قد كلف وزيرا لشؤون المفقودين والشهداء بالحكومة المؤقتة في طرابلس عقب أحداث فبراير، ويعد من المقربين من المفتي المعزول الصادق الغرياني، حيث شغل مهمة مدير مكتب التوجيه الدعوي التابع لدار الإفتاء، علاوة على كونه عضوا بمجلس الأمناء في هيئة علماء ليبيا.

وعمل الساعدي منظرا دينيا للجماعات المتطرفة التي كانت تقاتل الجيش الليبي في بنغازي ودرنة، حيث كشفت تسريبات لمكالمات صوتية له، ارتباطه بمقاتلين تابعين لتنظيم القاعدة، إذ كان له دور بارز في توجيههم في محاور القتال.

وتأتي تهديدات الساعدي لأبناء طرابلس،بالتزامن مع اعلان المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الليبى، إن المليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق اعتقلت تعسفيا وأخفت قسرًا مئات الأشخاص من مؤيدى القوات المسلحة الليبية فى طرابلس.وأفاد المركز فى بيان له أن مليشيات مصراتة ألقت القبض على نحو 180 شخصًا من مؤيدى الجيش الليبى وقامت باحتجازهم بإحدى المزارع الواقعة على طريق السدرة.

وأشار المركز الإعلامى التابع للجيش الليبى إلى أن المحتجزين جرى سجنهم داخل ما يعرف بـ "مزرعة المجدوب" والموجودة فيها غرفة عمليات لبعض مليشيات مصراتة، هذا إن لم يتم نقلهم لجهة أخرى، مؤكدا أن عمليات القبض والاحتجاز ليست الأولى من نوعها، حيث سبق اقتياد الكثيرين لمجرد الاشتباه بتأييدهم للقوات المسلحة الليبية.

وتعيش العاصمة الليبية تحت سيطرة المليشيات المسلحة التي تمارس عملياتها الاجرامية في حق المواطنين والتي كان آخرها اقدام عنصر من إحدى الملشيات المسلحة المتغوّلة بمنطقة السراج في العاصمة طرابلس،الخميس 16 مايو/أيار بقتل الشاب وليد جمعة بدم بارد وأمام أبنائه، في مشهد خلّف ردود فعل قوية.

وتسببت عملية القتل في حالة كبيرة من الاحتقان بين متساكني المنطقة، الذين عبّروا عن استهجانهم لتواصل سطوة المليشيات داخل العديد من المناطق دون أن تتخذ ضدها السلطات المحلية أيّ قرار.

ومنذ سنوات،يتعرض الليبيون في العاصمة الليبية طرابلس،في ظل سيطرة المليشيات المسلحة عليها، لشتى أنواع الجرائم من اعتقال تعسفي، خطف، قتل، احتجاز بدون محاكمة في ظل غياب حكومة قادرة على بسط سلطتها على مجموع تراب البلاد.ويرى مراقبون أن إنهاء سيطرة الميليشيات،التي لم تتوانى في الدول في تحالفات مع التنظيمات الارهابية ودول أجنبية لنهب ثروات ليبيا،بات ضروريا للخروج بالبلاد من أزمتها وتحقيق الأمن والاستقرار في ربوعها.