يمثل انتشار السلاح بين الليبيين معضلة حقيقية تواجه مساعي عودة الاستقرار وتجعل حالة من الانفلات الأمني تطغى على مختلف المدن الليبية.

ويعتبر هذا الملف أحد أهم التحديات التي تواجه مساعي حكومة الدبيبة لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية.فهذه الظاهرة التي انتشرت في البلاد منذ العام 2011،تحولت إلى المشكلة الأولى للمواطنين الليبيين الذين يتعايشون يوميا مع خطر الأسلحة التي أصبحت سيفا مسلطا على رقابهم.

جدير بالذكر أن مجلس الأمن الدولي كان  قد حظر في مارس (آذار) 2011 بيع الأسلحة لليبيا، وطالب جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة منع بيع أو توريد الأسلحة ومتعلقاتها إلى ليبياكما أصدر قراراً آخر يسمح لتلك الدول بتفتيش السفن المتجهة إلى ليبيا، أو القادمة منها بهدف التصدي لدخول السلاح إلى ليبيا، إلا أن الواقع على الأرض أمر مختلف تماما.

إلا أنه لا توجد آلية تنفيذ للتحقق من السفن أو الرحلات الجوية التي تنقل شحنات أسلحة محتملةوالأسوأ من ذلك، أن هذا يحصل في وضح النهار حيث يتمّ تفريغ المركبات المصفحة على الأرصفة وتحلّق الطائرات المسلحة بدون طيار في السماء الآتية بوضوح من خارج ليبيا

وذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا، الذي فرضه المجتمع الدولى منذ 10 أعوام لم يكن بالفعالية المرجوة.

وأوضح التقرير   المكون من 548 صفحة، أن الدول الداعمة لأطراف النزاع في ليبيا تجاهلت العقوبات تماما، مشيرا إلى دخول البلاد   عشرات الشحنات من الأسلحة، شملت طائرات مسيرة وصواريخ أرض جو وقطع مدفعية وعربات مصفحة.

ولفت التقرير إلى   استخدام الحكومات الأجنبية شركات الطيران والسفن التجارية لنقل المرتزقة والأسلحة المتطورة إلى ليبيا، غالبًا عن طريق إخفاء مهامهم.

في ذات الصدد،ودعا رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي المجتمع الدولي إلى "الإيفاء بالتزاماته تجاه الشعب الليبي، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن والتقيّد بها، كوضع حدّ للتدخلات الخارجية السلبية، وحظر توريد الأسلحة". كما أكد رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة  على أن تكون هناك مؤسسات أمنية باحترافية واحتكار الدولة السلاح، ويمنع حمله خارجها.

يذكر أن تقريراً للأمم المتحدة نشر في وقت سابق اعتبر أن ليبيا تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة، محذرا من تأثير انتشار هذه الأسلحة على حياة المدنيينكما قدر التقرير المذكور حجم الأسلحة غير الخاضعة للرقابة بما بين 150 و200 ألف طن في جميع أنحاء البلاد.

وقال بوب سدون، المسؤول بدائرة الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الألغام (أنماس)،أنه لم ير مثل هذا الكم الهائل من الأسلحة في أي بلد آخر خلال 40 عاماً من حياته العملية.وأضاف سدون أن الإنفاق على الذخائر في ليبيا "ارتفع، كما ازداد التهديد الذي تشكله الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحروب، وللأسف فإن مخلفات الحرب التي تمت إزالتها في السابق عادت لتظهر مجدداً في كثير من المناطق بسبب القتال"، لافتا إلى أن الشعب الليبي "هو الذي يواجه الأثر الكامل لانعدام الأمن".

هذا الانتشار الواسع للسلاح فاقم من الأزمة التي تعيشها البلاد وساهم في انتعاش خلايا الإرهاب النائمة التي تستخدم، حسب الخبراء، تجارة الأسلحة للعودة للحياة في البلاد وهو ما يشكل تهديدا للمنطقة والدول الأوروبية.

من ذلك،يحذر مراقبون   من أن نشر من أن تدفق الأسلحة سيكون له تداعيات خطيرة؛ وبخاصة لأن استمرار استخدام تلك الأسلحة والتدريب عليها من شأنه أن يجعل قدرات الجماعات المسلحة الليبية أكثر تطوراً

وعلاوة على ذلك، يؤدي تسويق تلك الجماعات استخدام أسلحتهم المتقدمة على الإنترنت إلى تعليم الجماعات المسلحة الأخرىوكما حدث في أفغانستان في التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، وكذلك في الساحل عام 2010، فإن المتطرفين من الجماعات المسلحة الأخرى يأتون إلى ليبيا للحصول على التدريب.

فإذا باتت ليبيا بؤرة مركزية لتنامي خبرات المسلحين والتدفق المحتمل للأسلحة المتقدمة، فإن الجماعات الإقليمية القاتلة ستقود إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل متزايدوكما كان الوضع بين عامي 2012 و2014 عندما عززت الأسلحة الليبية ترسانات الجماعات الإرهابية والانفصالية، يمكن أن تنتشر الأسلحة الخفيفة إلى الدول المجاورة لليبيا، التي يتصارع عدد منها مع الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة.