بالرغم من التفاؤل الكبير الذي غلف الأوساط الليبية في ظل التوافقات بين الفرقاء والتي تشكلت بموجبها حكومة وحدة وطنية وتم الاتفاق على موعد اجراء انتخابات تشيرعية ورئاسية نهاية العام المنقضي وهو ما أعطى انطباعات ايجابية بامكانية الوصول الى تسوية تنهي الانقسامات وتوحد البلاد،فان استمرار العراقيل والخلافات مازال يهدد المشهد الليبي ويثير مخاوف من فشل الجهود المبذولة لاخراج البلاد من دائرة الأزمات التي تغرق فيها منذ سنوات.
أيام قليلة قبل اجراء الانتخابات الليبية،أعلن رسميا عن تأجيل هذا الاستحقاق السياسي الهام الذي جاء الاتفاق عليه بعد جولات ماراطونية من الحوارات والمشاورات بين الفرقاء الليبيين داخل وخارج البلاد وذلك بعد الوصول الى اتفاق لوقف شامل لاطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في البلاد برعاية أممية ودولية.
 واقترحت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا الأربعاء 22 ديسمبر/ كانون الأول 2021، عبر صفحتها على فيسبوك تأجيل الجولة الأولى من الاقتراع في الانتخابات الرئاسية.وأوضحت المفوضية في بيان صحافي أنها "تقترح وبالتنسيق مع مجلس النواب تأجيل يوم الاقتراع (الجولة الأولى) إلى 24 من شهر يناير 2022، على أن يتولى مجلس النواب، اتخاذ الإجراءات بإزالة 'القوة القاهرة' التي تواجه استكمال العملية الانتخابية".  كما أكدت المفوضية أن قراراتها فيما يتعلق باستبعاد عدد من المترشحين الذين لا تنطبق عليهم الشروط "جانبها الصواب".
وجاء اقتراح مفوضية الانتخابات بعد ساعات من إعلان اللجنة الانتخابية البرلمانية الليبية "استحالة" إجراء الانتخابات في موعدها.وقال الهادي الصغير رئيس اللجنة في خطاب رسمي موجه لرئيس مجلس النواب، "استنادا على الاجتماعات واللقاءات مع مفوضية الانتخابات والمجلس الأعلى للقضاء وكل الأطراف المعنية، وبعد اطلاعنا على التقارير الفنية والقضائية والأمنية، نفيدكم باستحالة إجراء الانتخابات بالموعد المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول".
الاعلان عن تاجيل الانتخابات وان كان مفاجئا فانه في نفس الوقت كان متوقعا في ظل مسلسل العراقيل المتواصل على غرار الخلافات بشأن القواعد الحاكمة للعملية الانتخابية،وعدم نشر القوائم النهائية للمرشحين إلى جانب عدم السماح بإطلاق الدعاية الانتخابية والمشاكل القضائية التي رافقت عملية الطعون في حق المرشحين،ناهيك عن تواصل الانتهاكات والتهديدات من جانب الجماعات المسلحة في طرابلس ومناطق أخرى.
أسباب تعثر العملية الانتخابية،كانت محور جلسة مجلس النواب الليبي لمساءلة رئيس مجلس المفوضية عماد السايح،الذي كشف في احاطته كواليس تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في ديسمبر/كانون الأول الماضي ولخصها في ثلاثة أسباب، سياسية وقانونية وأمنية، دفعت مفوضية الانتخابات إلى إعلان إلغاء الانتخابات الرئاسية.
وقال السايح إن "أول العوامل التي أدت إلى إعلان القوة القاهرة هي الأحكام القضائية المتضاربة، والتي كانت في الوقت نفسه باتة ونهائية، وصدور أحكام خارج المدة التي حددها القانون، وآخرها حكم محكمة استئناف مصراتة". وتابع، "لم يتسن للمفوضية أن تتجاوز أحكام القضاء داخل أو خارج المدة الزمنية التي حددها القانون".
واضاف أن "العامل الثاني يتمثل في أن هذه الأحكام أنشأت مراكز قانونية وأصبحت المفوضية ملزمة بالتعامل معها". وحدد العامل الأخير في "التهديدات التي تلقتها المفوضية، وتمثلت في محاولة اقتحامها والرسائل التي وصلت لها بأنه حال صدور قائمة نهائية للمرشحين بشكل معين فسيجري الاقتحام،مشيرا الى أنه لم يصدر موقف رسمي من أي جهة لدعم المفوضية.
وأماط السايح اللثام عن وقوع بعض حالات التزوير من بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، قائلاً إن "أحد مرشحي الرئاسة قدم تزكيات مزورة، كما رصدت المفوضية عدم صحة الشهادات العلمية لبعض المرشحين للانتخابات البرلمانية". وأضاف، "استبعدنا 12 ملفاً لهذا السبب، والتزوير كان مفضوحاً ولا يحتاج حتى إلى خبير خطوط".
وعن إمكان تحديد موعد جديد قريب للانتخابات والالتزام به، قال رئيس مجلس المفوضية عماد السايح، أنه لا يستطيع تحديد موعد آخر للانتخابات ما لم يتم التواصل مع لجنة خارطة الطريق.وطلب السايح "تعديل بعض القوانين وصياغة أخرى داعمة لقانون الانتخابات الحالي لمعالجة القوة القاهرة التي حالت دون إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية".
وعقب الإحاطة التي قدمها رئيس المفوضية الانتخابية، أعاد البرلمان الكرة إلى ملعبه من جديد بتكليفه بتحديد وقت مناسب لإجرائها بالتنسيق مع الجهات التنفيذية.وقال عضو مجلس النواب صالح افحيمة،أنه "تم الاتفاق على أن تحدد المفوضية موعد الانتخابات بعد قيامها بإجراء المشاورات اللازمة مع الجهات المعنية برفع حال القوة القاهرة التي منعت، بحسب تقرير المفوضية، تنظيمها في الموعد السابق".
مبررات مفوضية الانتخابات التي ساقها رئيسها قوبلت بانقسام في الآراء بين من رآها واهية وتسببت في خيبة أمل كبيرة وبين من اعتبرها مقنعة.وفي هذا السياق،قال رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن الجنوب، علي مصباح بوسبيحة،إن كل ما ورد في إفادة السايح باطل ولا أساس لها من القانون ويفترض أن تطاله العقوبات القانونية لأنه عرقل تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم كما طعن في الأجهزة القضائية.
وأكد بوسبيحة في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية ،أن رئيس المفوضية لم يفصح عن القوة القاهرة الحقيقية التي منعته من الاستمرار في العملية الانتخابية والتي تمثلت في دخول سيف الإسلام في العملية الانتخابية وشخصيات أخرى لا ترغب دول أجنبية في دخولها العملية الانتخابية وهو ما كان يجب أن يعلن عنه رئيس المفوضية صراحة.
 وفي المقابل، اعتبر المستشار في المحكمة العليا جمعة أبو زيد أن "إحاطة السايح أمام البرلمان احتوت على سرد منطقي لأسباب الفشل الانتخابي".ونقلت "اندبندت عربية" عن أبزيد قوله أن "أساس الإشكال هو عيوب في صياغة التشريعات التي تظهر جلية في قصر المدد المحددة للإجراءات الانتخابية، وكانت بالساعات أحياناً، مما خلق كثيراً من العوائق في انتخابات دولة مساحتها مساحة قارة وغير مستقرة أمنياً وسياسيًا".
وتابع أبوزيد "كذلك قصر مدد الطعون التي كان يفترض أن تمتد لأسابيع وليس لثلاثة أيام، حتى تعطي الفرصة المناسبة لاتخاذ الإجراءات الصحيحة".وأشار المتحدث إلى أن "الطامة الكبرى التي كشفت عنها إحاطة السايح هي جرائم التزوير التي عددها والتي يجب التحقيق فيها، ويجب على النائب العام أن يطبق القانون على من تثبت في حقه".
وتدفع العديد من الدول نحو اجراء انتخبات في ليبيا لاخراجها من الأزمة التي عصفت بها منذ نهاية 2014 سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ، حيث حظيت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بدعم أممي ودوليا واسع،ومع التطورات التي تشهدها الساحة الليبية، تطرح مسألة إجراء الانتخابات موجة من التساؤلات عن إمكانية تنظيم هذه الاستحقاقات السياسية ومدى نجاحها في إعادة اللحمة للمشهد السياسي في ليبيا.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه بعض المتابعين للشأن الليبي أهمية إجراء انتخابات في أقرب الآجال لإخراج هذا البلد العربي من الأزمات التي يعيش على وقعها منذ سنوات، يرى البعض الآخر، أن اتسام الوضع الليبي الراهن بالتعقيد والخلافات المتواصلة بين السياسيين وسط استمرار تهديدات المليشيات المسلحة والتدخلات الخارجية، تحول دون إنجاز انتخابات ناجحة.