"الحلّ نومرو 24 (الحلّ يكمن في الرقم 24/ في إشارة إلى رقم المرشّح الرئاسي المنصف المرزقي الرئيس التونسي الحالي).. هاذي الكرتوشة اللي بقات (هذه آخر الطلقات).. "كانك حابب تنقذ تونس من الناس اللي طغات" (إذا ما أردت إنقاذ تونس من الطغاة).. بهذه الكلمات استهلّ مغنّي الراب التونسي حمادة بن عمر، المعروف باسم "الجنرال"، آخر أغانيه المصورة على طريقة الفيديو كليب، المساندة للرئيس المنصف المرزوقي، المرشّح رقم 24 للانتخابات الرئاسية التي ستجري الأحد المقبل في تونس. في المقابل، اختار مغني راب آخر، "البلطي" الاصطفاف بقوة خلف قايد السبسي.

حمّى السباق نحو قرطاج سرت عدواها، على ما يبدو، لتشمل مغنّي الراب. فمع انطلاق الحملات الانتخابية للمرشّحين في الأوّل من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، طفت إلى الواجهة العديد من أغاني الراب المصوّرة، لتكتسح مواقع التواصل الاجتماعية، وتصنع لنفسها الحدث تماما كما في كلّ مرّة.

فالراب، هذا التوجّه الواقع في المنطقة الرمادية بين الكلام والشعر والنثر والغناء، والذي لا يمكن نسبه إلى صنف موسيقي معيّن، بما أنّه لا يخضع للنوتات الموسيقية، أو لميزان معيّن، وإنّما هو عبارة عن تسلسل لكلمات وعبارات قد تلتقي في قافية مشتركة أحيانا، وفي أحيان أخرى تتالى دون قيد أو رابط، منح مغنّيه حيزا أكبر للتعبير، وجعله سريع الوصول إلى المتقبّل عموما وإلى المراهقين على وجه الخصوص.

فأغنية "ريس البلاد" التي أطلقها "الجنرال"، أشهرا قليلة قبل الانتفاضة التونسية في 2011، متوجّها بها إلى الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، متّهما إياه بالضلوع في الفساد والقمع، كان لها دورا في حثّ الناس على النزول إلى الشوارع ومواجهة النظام الاستبدادي.

الراب يلامس الواقع بشكل مباشر، هكذا يقول المدافعون عنه ومغنّوه، وهو لصيق بالذات البشرية، وهذا ما جعل جميع الأغاني الصادرة قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، إمّا مدافعة عن مرشّح، أو مهاجمة لآخر. فـ "الجنرال" الذي دعا في أغنيته "الحل نومرو 24" (الحلّ يكمن في الرقم 24) للتصويت لصالح المرزوقي، لم يهمل، في المقابل، مهاجمة السبسي، قائلا "7 نومرو الأوباش (7 رقم الأوباش).. بيكم ما علا بالناش (لا أهمّية لكم).. بدّلتو القشرة يا حناش (غيّرتم من جلدكم أيّها الثعابين).. بوكم ما خوّفناش (أبوكم لا يخيفنا).. صوت الثورة ما وفاش (صوت الثورة لم يخمد بعد)".. اللافت أنّ المغني نفسه كان هاجم، في وقت سابق المرزوقي، ووصفه بنعوت غير لائقة.

أغنية حمادة بن عمر، أو الجنرال، هذه عبارة عن دعوة مباشرة إلى التصويت للمرزوقي، حملت انطباعات شخصية، رأى فيها الكثيرون توجيها للرأي العام التونسي، وخصوصا للشباب منهم. الجنرال الذي سبق ودعا إلى تطبيق الشريعة في البلاد، كان أصدر أغنية بعنوان "رجوعكم على جثّتنا"، متوجّها إلى رموز النظام السابق.

وعن سرّ هذا التحوّل المفاجئ في مواقفه، وتأثير الراب على عشّاقه فيما يتعلّق بالانتخابات الرئاسية، قال "الجنرال"، في تصريح للأناضول "لطالما كنت محايدا، وكنت أنتقد الجميع بمن فيهم المعارضة وخصوصا رموز التجمّع (الدستوري الديمقراطي، حزب بن علي)، لكنني أجد نفسي، في الوقت الراهن، مجبرا على الإفصاح عن موقفي بشكل لا يحتمل الإلتباس، للتصدّي للدكتاتورية العائدة.. أنا لم أساند المرزوقي حبا فيه، وإنّما كرها في التجمّع".

وتابع "أنا صوت حقّ، وأنا ضدّ عودة التجمّع، وبما أنّ المرزوقي يحظى بشعبية قد تمكّنه من النيل من السبسي، فقد دعمته".

أمّا "البلطي"، مغني الراب الشهير في تونس، فقد اختار الاصطفاف وراء باجي قايد السبسي، حيث سجّل حضوره في بعض الاجتماعات الشعبية للمرشّح، دون أن يصدر أغاني لدعم خياره في الرئاسية التونسية، حيث اكتفى بالظهور إلى جانب السبسي، غير أنّ حضور مغني راب بوزن البلطي كاف لوحده ببعث رسائل إلى جمهوره العريض من فئة الشباب على وجه الخصوص.

ولم تصدر أيّ أغاني داعمة للسبسي. أحد مغنّي الراب في تونس، قال للأناضول، مفضّلا عدم الكشف عن هويته "هناك من بين زملائي من يدعم مرشّح حزب نداء تونس، أو غيره من المرشّحين المحسوبين على النظام السابق، ولكنهم يفضّلون عدم إطلاق أغاني مؤيّدة لهم، خشية فقدانهم لشعبيتهم، لأنّ المعروف أن معظم عشاقهم ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وهذه الشريحة نفسها عانت كثيرا من قمع واستبداد وتهميش النظام السابق، ولن تقبل، بالتالي، دعم مرشّح منهم".

أغنية أخرى زلزلت أركان المواقع الاجتماعية، وأثارت استياء لدى أنصار السبسي، واستحسانا لدى خصومه السياسيين. "الباجي قائد الخونة" لمغني الراب التونسي "ديدجي كوستا"، يقول فيها "يا قايد رانا كرهناك".

انطباعات شخصية في الغالب، وخلفية إيديولوجية معروفة لمجموعة من الشباب تحرّروا من قواعد اللغة ونوتة الموسيقى، ليصنعوا لأنفسهم فضاء خاصا بهم، ينضمون به لركب الانتخابات الحافل.. منهم من يبتغي مزيدا من الشهرة، ومنهم من يريد إيصال صوته وموقفه الخاص، وآخرون يدركون تأثيرهم على المراهقين والشباب، ونذر منهم يعتبر الانتخابات موسما ملائما للعمل وتحقيق إيرادات هامة.. كلّ له دوافعه وحوافزه، غير أنّ النتيجة كانت عبارة عن فسيفساء جميلة من الآراء والمواقف، بغضّ النظر عن بعض المصطلحات الفجّة التي ضمتها بعض الأغاني، وهذا، وإن كان يثير استياء البعض، إلاّ أنّه يجذب الآخرين إلى "فنّ" يرونه مغرقا في الواقعية ولصيقا بذواتهم وحياتهم اليومية.

وبرواج الكثير من القصص حول سعي مرشّحي الرئاسة التونسية لاستقطاب مغنّي الراب، والاستفادة من شعبيتهم في الانتخابات الرئاسية، أصدر مغني الراب "كلاي بي بي جي" أغنية بعنوان "لسنا للبيع"، يقول فيها، متحدّثا عن نفسه وزملائه من مغني الراب في تونس "لسنا للبيع.. لسنا للكراء.. ليس زهدا، لكن كبرياء".

في السياق، "الجنرال" عاد ليؤكّد للأناضول أنّ هناك من المرشّحين من حاول شراء دعمه لقاء المال، غير أنه رفض ذلك بشدّة، مشدّدا على أنه وزملاءه لا يشترون بالمال، وأنّ فنّهم مكرّس لخدمة الشعب والطبقات الفقيرة، وليس لتملّق الساسة والحكّام.