الطريق الى قصر قرطاج الرئاسي بتونس لم يعد حكرا على الرجال لكن مع ذلك فإن حضور العنصر النسائي لا يزال محتشما في بلد عرف بأسبقيته في الدعوة الى تحرير المرأة والمساواة بين الجنسين.

تعتبر القاضية المستقلة كلثوم كنو (53 عاما) الوحيدة التي تم قبول ملفها من بين ثلاث مرشحات لكنها بالمقارنة مع الاخريات فإنها تتمتع بالسجل الأكثر زخما في دفاعها عن الحريات والقوانين.

ونجحت كنو في جمع 15 الف تزكية من الناخبين بينما ينص القانون الانتخابي على جمع 10 آلاف ما ساعد في ايداع ملف ترشحها لدى هيئة الانتخابات.

ومع ان النخبة السياسية والفكرية في تونس عرفت بدفاعها المستميت عن تحرير المرأة في المنطقة العربية منذ انبعاث الحركة الاصلاحية وتأسيس دولة الاستقلال الحديثة منتصف القرن الماضي، إلا أن كنو تعتبر أول مرشحة رسمية الى أعلى منصب في الدولة في تاريخ البلاد الحديث.

وكونها قاضية مستقلة تقدم المرشحة الى المنصب الرئاسي ضمانات جدية في الحفاظ على توازن السلطات في الحكم وحماية دولة القانون والمؤسسات.
وتقول كنو لأنصارها في اجتماعاتها الشعبية بين المدن إن ما يميزها عن باقي المرشحين لا يكمن فقط في كونها امرأة ولكن أيضا رصيدها النضالي قبل الثورة وبعدها من خلال عملها في السلك القضائي ما يجعلها ضمانة ضد اي محاولات لضرب الحقوق والحريات الأساسية في الديمقراطية الناشئة أو العودة الى مربع الاستبداد.

وبالعودة إلى سيرتها الذاتية شغلت كلثوم كنو، المتحصلة على الإجازة في الحقوق، مناصب مهمة في الإدارة قبل أن تتولى خطة قاضية منذ عام 1989 في محاكم القيروان وتوزر والعاصمة تونس وشغلت منصب المفوضة باللجنة العليا للحقوق في 2010.

وكان لكنو مواقف شجاعة للدفاع عن استقلال القضاء خلال حكم الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي وكلفها ذلك نقل تعسفي في عملها وتجميد ترقيتها لسنوات وخفض مرتبها.

ولكن على الرغم من سجلها النضالي فإن مهمة كنو ستكون شاقة لكسر الحاجز الثقافي أمام الناخبين وتأكيد أحقية المرأة أخيرا في اعتلاء المنصب الذي طالما بقي حكرا على الذكور في المنطقة العربية. ولا تبدو الطريق مفروشة بالورد بالمرة أمام كنو إذ أنها تواجه صعوبات مضاعفة خلال حملتها الانتخابية.

فعلاوة على منافستها لـ23 مرشحا من الذكور فإنها تسعى جاهدة لإقناع الناخبين من أجل اختيار "الطريق الثالث" بعيدا عن حالة الاستقطاب الثنائي التي تسيطر على السباق الرئاسي بين مرشح حزب حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي والرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي الذي رشح نفسه كمستقل لكنه يلقى دعما واسعا من أحزاب اليمين.

وشكل فوز حركة نداء تونس العلماني والذي يضم طيفا من كوادر النظام السابق، بالأغلبية في الانتخابات التشريعية كابوسا لعدد من الأحزاب بسبب مخاوف من احتكاره الحكم بينما لا تميل نسبة هامة من الناخبين الى اعادة تثبيت المرزوقي المحسوب على الائتلاف الذي حكم بعد الثورة بقيادة حركة النهضة الاسلامية لفشله في إحراز تقدم في عدة قطاعات مثل التنمية والتشغيل ومكافحة الارهاب.

وحتى الآن لا تضع استطلاعات الرأي القاضية المستقلة في منصب المنافس القوي للسبسي أو المرزوقي لكن لا شيء يمنع من حدوث طفرة في توجهات الرأي العام لصالحها قبل التوجه الى صناديق الاقتراع يوم 23 من الشهر الجاري.

وتردد كنو، وهي متزوجة وأم لثلاثة أبناء، في لقاءاتها الاعلامية إن الرئيس المقبل يجب ان يكون مستقلا وإنها تمثل "بديلا عن رموز النظام السابق وكذلك عن الفاشلين في تسيير البلاد بعد الثورة".

وقالت خلال اجتماع لها أمس الأحد أمام أنصارها بمدينة سوسة إنها ستعمل وفق صلاحيات رئيس الجمهورية على دعم عمل الحكومة في كل ما يتعلق بتوفير البدائل التنموية من أجل الحد من البطالة والفوارق الاجتماعية وتحسين ظروف العيش في المناطق الفقيرة داخل البلاد.

واعتبرت كنو ان ضبط الأمن والاستقرار في البلاد وتحييد المؤسستين الأمنية والعسكرية سيكون من بين أولويات عملها في حال وصولها الى قصر قرطاج الرئاسي.

وترتكز أبرز صلاحيات الرئيس في النظام السياسي المختلط بتونس على تحديد السياسات العامة للأمن والدفاع والسياسة الخارجية الى جانب التعيينات في الوظائف العليا والدعوة الى الاستفتاء على عدد من القوانين وحل البرلمان في الحالات المنصوص عليها في الدستور.

*نقلا عن العرب اللندنية