أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الأممي للسلام في عام 1981 من أجل ’’الاحتفال بمُثُل السلام وتعزيزها بين جميع الأمم والشعوب‘‘. وبعد مرور عقدين من الزمن، حددت الجمعية العامة 21 أيلول/سبتمبر تاريخا للاحتفال بالمناسبة سنويا ’’كيوم لوقف إطلاق النار عالميا وعدم العنف من خلال التعليم والتوعية الجماهيرية وللتعاون على التوصل إلى وقف إطلاق النار في العالم كله‘‘.

لكن تحقيق السلام الحقيقي لا يتحقق بمجرد إلقاء السلاح. إن الأمر يتطلب بناء مجتمعات يشعر فيها جميع أعضاء المجتمع أنهم قادرون على الازدهار. كما ينطوي على خلق عالم يُعامل فيه الناس على قدم المساواة، بغض النظر عن أعراقهم.

وكما قال الأمين العام، أنطونيو غوتيريش:

”إن العنصرية ما فتئت تبث سمومها في المؤسسات والهياكل الاجتماعية ومناحي الحياة اليومية في كل مجتمع. ومازالت تشكل عاملا حاسما في استمرار عدم المساواة. ومازالت تحرم الناس من حقوقهم الإنسانية الأساسية. وهي تزعزع استقرار المجتمعات، وتقوض الديمقراطيات، وتنال من شرعية الحكومات، …وإن الروابط بين العنصرية وعدم المساواة بين الجنسين لا لبس فيها.“

مع استمرار اندلاع النزاعات حول العالم التي تؤدي إلى فرار الناس من الخطر، شهدنا تمييزًا على أساس العرق على الحدود. ومع استمرار فيروس كورونا في مهاجمة مجتمعاتنا، رأينا كيف تضررت مجموعات عرقية معينة بضربات أشد بكثير من غيرها. ومع معاناة الاقتصادات، رأينا خطاب الكراهية والعنف الموجه ضد الأقليات العرقية.

لا شك أن لدينا جميعًا دور نلعبه في تعزيز السلام. والتصدي للعنصرية يأتي ضمن الوسائل الهامة للمساهمة.

يمكننا العمل على تفكيك الهياكل التي تكرس العنصرية بيننا. يمكننا دعم حركات المساواة وحقوق الإنسان في كل مكان. يمكننا الجهر بمعاداتنا لخطاب الكراهية - سواء في حياتنا الواقعية أو عبر الإنترنت. يمكننا تعزيز مناهضة العنصرية من خلال التعليم والعدالة التصحيحيّة.

وموضوع عام 2022 لليوم الأممي للسلام هو"إنهاء العنصرية. وبناء السلام". ويضيف الأمين العام: ندعوكم للانضمام إلى جهود الأمم المتحدة، إذ نعمل من أجل عالم خالٍ من العنصرية والتمييز العنصري. عالمٌ تتغلب فيه الرحمة والتعاطف على الشك والكراهية. عالم يمكننا حقًا أن نفخر به.

وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم باعتباره يومًا مخصصًا لتعزيز مُثُل السلام، عبر الالتزام لمدة 24 ساعة باللاعنف ووقف إطلاق النار. فهل مر يوم هذا العام خاليا من العنف؟ وهل التزم أصحاب القرار في مناطق النزاعات بالهدوء خلال أربع وعشرين ساعة؟

في هذا اليوم أعلن بوتن التعبئة الجزئية في قوات احتياط الجيش الروسي، وبذلك يكون قد نقل الحرب في أوكراينا إلى مرحلة التصعيد بينما أعلن الجيش الصحراوي أنه كبّد "قوات الاحتلال المغربي خسائر في الأرواح والعتاد بقطاعي الحوزة والمحبس". والواضح أن حالات انتهاك هذا الالتزام يترجم ضعف بعض السياسات في نزوعها إلى السلام ولو لبضع ساعات.

في كتابه "السلام" يوضح أوليفر بي ريتشموند أن قصة السلام تضاهِي قصةَ البشرية نفسها قدماً. على مر التاريخ، يقصد بالسلام غالباً غياب العنف أو الحرب الصريحة بين الدول أو داخلها، لكن في العصر الحديث كثيراً ما يستخدم مفهوم السلام بالترادُف مع مفاهيم مثل: "صنع السلام"، و"بناء السلام"، و"حل النزاعات"، و"بناء الدولة".

وفي هذه المقدمة الموجزة، يستكشِف أوليفر بي ريتشموند تطوُّرَ مفهوم السلام من الناحية النظرية وتطبيقه على أرض الواقع، ويستكشِف أيضاً افتراضاتِنا الحديثة حول السلام والتفسيرات المتعددة لتطبيقاته.

كثيرا ما ينظر إلى الحرب باعتبارها الحالة الطبيعية للبشرية، وإلى السلام من أي نوعٍ باعتباره هشا وعابرا، ولكن يتحدى الكتاب هذه النظرة؛ فالسلام، في مختلف صوره، كان الخبرة البشرية الأكثر شيوعاً من سواها بفارق كبير، وهو ما تشير إليه السجلاتُ الأثرية والإثنوغرافية والتاريخية. لقد اتسم التاريخ في الغالب بالسلام والنظام نسبياً، وما برحت الأُطر المعنية بالأمن، والقانون، وتوزيع الموارد، والعدالة، في حالةٍ من التقدّم المطرد الراسخ.

ومن الممكن إرساء السلام على المستوى المحلي داخل الدولة، أو على المستوى الأممي عن طريق المنظمات والمؤسسات العالمية، أو بين دولٍ بعينها، وذلك عن طريق ممثِّلين تغطي ولايتُهم كلَّ هذه المستويات. ومن الممكن أن يكون السلام عاماً أو خاصاً.

ويوضح الكتاب الأشكال المختلفة للسلام وهي: سلام المنتصر، والسلام الدستوري، والسلام المؤسسي، والسلام المدني، علاوة على النهج الهجين للسلام، وذلك من خلال استعراض أمثلةٍ من دول ومناطق مختلفة مثل: البوسنة والهرسك، وكوسوفو، وقبرص، والصومال، وكمبوديا، وفلسطين، والعراق، وأفغانستان، وأنغولا، وجزر سليمان، وتيمور الشرقية، وموزمبيق، وناميبيا، وغواتيمالا، وجنوب السودان.

وتبدو العلاقة بين السلام والديمقراطيا ذات طابع جدلي، فكلما ترسخت ثقافة الديمقراطيا وقيمها في الدولة والمجتمع كلما تعمقت ثقافة السلام. وإذا قمنا بفحص السجل البشري لوجدنا أن حالات السلام تستتب بين العقلاء. أما في العلاقات الأممية، فإنه من المستحيل أن تندلع حرب بين دولتين ديمقراطيتين مهما كان حجم المشاكل بينهما يلجآن إلى الحوار والبحث عن الحلول بالطرق السلمية؛ وإذا اندلعت حرب بين طرفين فإنه من المؤكد أن كلاهما أو أحدهما يفتقر إلى الديمقراطيا.