من بين قائمة طويلة جدا من الأزمات والمشكلات التي يعاني منها المواطن الليبي في أغلب المدن والمناطق الليبية، تطرح أزمة القطاع الصحي كإحدى أكثر التحديات التي تواجه المواطنين، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات، على وقع الصراعات والانقسامات بين الفرقاء الليبيين وغياب دولة مستقرة.

ويعاني قطاع الصحة من واقع مأساوي، وخاصة في منطقة الجنوب الليبي، وسط حالة التناسي والإهمال التي تعاني منها المنطقة منذ سنوات، وفي ظل الغياب الكامل لمؤسسات الدولة الأمنية والخدمية. فالفوضى الأمنية هي صاحبة الكلمة العليا في الجنوب الليبي، حيث يتصاعد بين حين وآخر توتر أمني بين الجماعات المسلحة في صراع مكرر، ما يهدد حياة المواطنين، علاوة على انتشار العصابات والتنظيمات الارهابية.

وشهدت الجنوب المنسي صراعًا قبليًا له طابع سياسي، واشتدت الصراعات المسلحة، في منطقة تعيش أوضاعا معيشية صعبة جدًا، وذلك بسبب النقص الحاد في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة. وهو ما تجسده معاناة المواطنين للحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة، مع توقف غالبية الخدمات العامة والخاصة، وشلل المؤسسات الاقتصادية، وتوقف الآلاف عن العمل واستفحال الفقر في مناطق الجنوب.

وشكل استمرار الاشتباكات وانعدام الأمن التي تسيطر على جنوب ليبيا، خلال السنوات الماضية، مصدرا لتزايد الضغط على القطاع الصحي الذي يعمل فوق طاقته. وكان وزير الصحة المفوض بحكومة الوفاق الوطني عمر الطاهر بشير قد وجّه بإعلان حالة الطوارئ القصوى بمركز سبها الطبي في الـ28 من فبراير نتيجة الاحتقان المُسلح داخل المدينة.

وحول دور المركز في التخفيف من مُضاعفات الاشتباكات المُسلحة بالمدينة، طالب بشير كافة العناصر الطبية بضرورة الإسراع للالتحاق بمركز سبها الطبي وباقي المراكز الصحية بالمدينة، مؤكداً أن تأخرهم عن تلبية هذا النداء سيُفاقم من الأزمة التي تشهدها المدينة. وطالب عمر لجنة الأزمة المُكلفة بتغطية الحالات الطارئة بمنطقة الجنوب بإمداد مركز سبها الطبي وباقي المرافق الصحية بالمواد اللازمة لعلاج ضحايا الاشتباكات المُسلحة.

وفي استجابة للمطالب التي بعثتها لجنة الأزمة التابعة لقطاع الصحة بالمنطقة الجنوبية إلى وزارة الصحة، أعلن مركز سبها الطبي، الإثنين 24 يوليو 2018، استلامه مولداً كهربائياً بجهد 1000 كيلو وات، أي ما يُعادل 1 ميغا وات. وأشار المركز إلى أن مولد الكهرباء الجديد جاء كدعم من وزارة الصحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني، للمساعدة في التغلب على مشكلة تذبذب التيار الكهربائي وطرح الأحمال التي يعاني منها مركز سبها الطبي منذ سنوات. ويُشار إلى أن مركز سبها الطبي يترأس لجنة الأزمة بالجنوب التي تم تشكيلها عام 2017، بعضوية باقي مُستشفيات المنطقة. وتعمل اللجنة على إيصال صوت المراكز الصحية والمُستشفيات الموزعة بمناطق الجنوب ومحاولة توفير احتياجاتها.

وبالإظافة إلى نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، يعاني الجنوب من الطواقم الطبية وشبه الطبية من المراكز الصحية الموجودة في المنطقة، ومغادرة الكوادر الطبية الأجنبية نتيجة الظروف الأمنية والإدارية في الدولة.كما لم تسلم المستشفيات من الاعتداءات، كغيرها من مؤسسات الدولة، سواء على مبانيها أم العاملين بها.

ففي الفترة بين 1 أيار/ مايو 2017 و1 أيار/ مايو 2018، سجلت الأمم المتحدة 36 اعتداء على المرافق الطبية أو العاملين في المجال الطبي أو المرضى، رغم أنه من المرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير.ومن بين الحوادث التي تذكرها الوثيقة، تعرض مركز سبها الطبي في جنوب ليبيا للقصف أو الإصابة بالرصاص الطائش 15 مرة وذلك بين شهري شباط/ فبراير وأيار/ مايو 2018.

وباتت أغلب المستشفيات في الجنوب الليبي، خارج الخدمة أو بصدد الصيانة، باستثناء البعض على غرار مركز سبها الطبي الذي يقدم خدمات سيئة جدا نظرا لمحدودية الامكانيات، وتراجع تدخل السلطات الليبية لمساعدة السكان في مواجهة صعوبة الحياة ودعم المستشفيات بالأدوية التي تلزمها نتيجة لحالة الانقسام السياسي.

هذه الأوضاع المتردية لقطاع الصحة في الجنوب الليبي، جعلته في الفترة الأخيرة محط اهتمام من عدة أطراف دولية، حيث قدم صندوق دعم الاستقرار التابع للأمم المتحدة في ليبيا، ثلاجتين لحفظ الموتي إلى مركز سبها الطبي.وأفادت صفحة المركز على فيسبوك، الثلاثاء 25 يوليو 2018، بأن الثلاجتين تسع لحفظ تسع جثث على درجتي التجميد والتبريد العالية، مع ضمانة لمدة عام كامل من الشركة الموردة التي أشرفت على التركيب.

وأشار المركز إلى عزم منظمات أخرى تزويد المركز بمزيد من الثلاجات منها المنظمة الدولية للصليب الأحمر.وكانت منظمة الصحة العالمية قدمت شحنة من الأدوية إلى مركز سبها الطبي، فيما وفرت منظمة الهجرة الدولية كمية من الأنسولين فى الأيام الماضية إلى الإمداد الطبي بفزان.فيما قدمت بعثة الأمم المتحدة مساعدات لأهالي مدينة سبها تمثلت في مستلزمات طبية وبعض الأدوية و معدات غسيل كلى.

ففي مطلع فبراير الماضي، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا يعمل على مساعدة القطاعات الخدمية جنوب البلاد.وأوضحت البعثة في تدوينة لها بموقع "فيسبوك" أن صندوق تحقيق الاستقرار يعمل في الجنوب عبر "أعادة تأهيل المدارس والمستشفيات وتقديم سيارات الإسعاف وشاحنات نقل القمامة ومولدات الكهرباء لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان في أوباري ومرزق وسبها.

وفي يناير الماضي، قالت السفارة الفرنسية في ليبيا، إن بلادها قدمت نحو 300 ألف يورو لمنظمة الصحة العالمية خلال العام 2017، لدعم المرافق الصحية في مدن الكفرة وسبها وأوباري جنوب ليبيا.وأوضحت السفارة عبر صفحتها على موقع "فيسبوك" أن فرنسا "تضمن عن طريق هذا الشريك الموثوق وصول هذه المساعدات إلى من هم في أمّس الحاجة إليها".وفرنسا هي إحدى الدول الرئيسية المساهمة في تمويل صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا الذي تديره حكومة الوفاق الوطني وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

ومطلع يوليو الجاري، أرسلت منظمة الصحة العالمية وفرنسا، إمدادات طبية إلى المنطقة الجنوبية والتي تكفي لعلاج نحو 50 ألف مريض.وجاءت تلك الإمدادات، على خلفية مباحثات سفيرة فرنسا لدى ليبيا "برجريت كرومي"، ورئيس بعثة منظمة الصحة العالمية، مع وزير الصحة بحكومة الوفاق الوطني عمر بشير، حول الوضع الصحي في ليبيا وأولويات الوزارة للأشهر والسنوات المقبلة.وذكرت المنظمة، على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك"، أن الإمدادات الطبية ستغطي احتياجات الرعاية الأولية الصحية للأمراض المزمنة لمدة ثلاثة أشهر في مستشفيات الجنوب كافة.

وقال الناطق الرسمي باسم منظمة الصحة العالمية الدكتور أحمد العليقي، أن مرافق الخدمات الصحية في جنوب ليبيا تأثرت بشدة بالنزاع على جميع المستويات – مما تسبب في نقص حاد في الأدوية المنقذة للحياة. وذكر أن العديد من المستشفيات الكبرى استُهدفت وتم احتجاز الكوادر الطبية، واضطر البعض إلى الفرار من النزاع أيضا.

وتتصاعد يوما بعد يوم موجة الإحتجاجات على الظروف الصعبة والأوضاع المعيشية القاسية الغير الإنسانية التي يعيشها الليبيون في الجنوب الليبي.وتأتي معاناة الجنوب وسط معاناة ليبيا من أزمة سياسية حادة حيث مازالت الصراعات بين الفرقاء تلقي بظلالها على الوضع في بلد يعاني منذ سنوات من غياب تام للإستقرار.

وتعتبر جبهة الجنوب الليبي، من أكثر الجبهات تأثرا بحالة الفوضى السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد منذ سنوات، حيث ظلت هذه المنطقة تعاني من انعدام الاستقرار، وترزح تحت وطأة النزاعات الأهلية، ونقص الخدمات الأساسية، وتفشّي التهريب، وانقسام المؤسسات أو انهيارها، نتيجة بقائها على هامش الحياة السياسية.ويجمع المراقبون على أن إنتشال المنطقة من أزماتها ووضعها القاسي يبقى رهين انهاء الأزمة في البلاد وإرساء سلطة موحدة تدير مصالح كل المدن الليبية بشكل عادل.