بعد تسع سنوات من الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي، ما تزال ليبيا تعيش في ظل فوضى تتنازعها جماعات مسلحة متصارعة، وقد ساهمت بعض الدول التي ساهمت بصورة أو بأخرى في تمويل ودعم انتشار الجماعات المتطرفة على الأراضي الليبية لتحقيق مصالحها.
هذا الوضع الداخلي غير المستقر مع فشل جميع المبادرات الرامية للتوصل لحل سياسي يفضي إلى إستقرار في مؤسسات الدولة الليبية يفضي إلى إنفاذ القانون ما ينعكس حتما على الوضع الأمني المتردي فضلا عن ترصّد بعض الدول الأجنبية على غرار تركيا التي تغذي حالة الفوضى في الدّاخل الليبي فإن الظروف تفتح الباب من جديد نحو إعادة تموقع و تمركز المجموعات المتطرفة.
حيث أعلن الجيش الوطني الليبي في أواخر السنة الماضية القبض على 7 قيادات بارزة في تنظيم القاعدة في منطقة أوباري جنوب ليبيا، خلال عملية أعادت الحديث عن خطر عودة نشاط هذا التنظيم الإرهابي بعد الضربة التي تلقاها بمقتل زعيمه عبد المالك دروكدال على يد القوات الفرنسية قبل نحو 6 أشهر، بشمال غرب تساليت في مالي قرب الحدود المالية مع الجزائر.
وقال الجيش الليبي إن الإرهابيين المقبوض عليهم ينتمون إلى جنسيات مختلفة، على رأسهم الإرهابي "حسن الواشي" العائد من دولة مالي.
وأشار موقع العربية نت نقلًا عن مصادر أن القوات الخاصة في الجيش الليبي كانت تراقب الهدف منذ دخوله الأراضي الليبي عبر الصحراء، مضيفة أن الخلية الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة كانت خاملة طيلة الفترة الماضية وبدأت تنشط بعد مقتل زعيم التنظيم عبد المالك دروكدال الذي قتلته الوحدات الفرنسية. المصادر أضافت أن تنظيم القاعدة كان يتجهز لعمليات خلال الربيع القادم في شمال مالي وتشاد وجنوب الجزائر.
من ذلك،أكد الباحث المصري المتخصص في الشؤون الليبية عبد الستار حتيتة في حوار لبوابة إفريقيا الإخبارية أن الخلايا النائمة في ليبيا أصبحت تعمل علانية، لأنها تشعر أنها هي التي حققت الانتصار، كما أنها تحظى بدعم تركي شامل منذ أبريل 2019 مضيفا  أن هناك تحالف وتعاون كبير بين تنظيمي القاعدة وداعش في الجنوب الليبي حيث يتبادلان المنافع.
ويرى حتيتة بان نشاط التنظيمات الإرهابية في ليبيا جاء بسبب "النشاط التركي الإخواني"بهدف إرهاق الجيش الوطني الليبي والقوى الوطنية الليبية الأخرى.
وأكد على وجود رابط قوي بين تركيا والإرهاب والجماعات الإرهابية في إفريقيا وعدد من الدول العربية، مشددًا على أن ليبيا أصبحت وجهة مهمة لتركيا لتحرك بها الجماعات الإرهابية بجميع القارة الإفريقية.
ومضى قائلًا: "تركيا تستخدم الإرهابيين كأوراق ضغط على الدول التي تريد أن تضغط عليها، مثل تونس ومصر والجزائر وفرنسا وبعض الدول الأوربية الأخرى، وإن ما تقوم به تركيا في هذا الصدد جريمة دولية".
وشدد الباحث المصري المتخصص في الشأن الليبي، على وجود تحالف وتعاون بين تنظيمي داعش والقاعدة في جنوب ليبيا مثل تبادل المنافع بوقود السيارات والطعام.
وأوضح بأن كلا التنظيمان يستعينان بالمرتزقة الأجانب لشن هجمات بهدف الحصول على الأموال والمؤن وخطف المواطنين ومن ثم يطلبان فدية، بالإضافة للعديد من الأنشطة الدموية حسب قوله.
في ذات الصدد،كشف تقرير لـ الأمم المتحدة في وقت سابق أن عدة دول أعربت عن قلقها بشأن وصول آلاف من إرهابيي داعش والقاعدة إلى ليبيا، عبر تركيا لدعم حكومة فايز السراج.
وذكرت لجنة مجلس الأمن التابعة للأمم المتحدة بشأن ليبيا أن ما بين 7000 و 15000 مرتزق وإرهابي من سوريا دخلوا ليبيا عبر تركيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج ضد الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.
وكشف التقرير أن داعش تفتخر ببضع مئات المقاتلين في ليبيا، وقالت إحدى الدول الأعضاء إن أعداد الإرهابيين من عناصر التنظيم ذاته يصل إلى 4000.
وأعربت المنظمة الأممية عن قلقها بشأن التقارير التي تفيد بأنه تم نقل 7000 - 15000 مقاتل من شمال غرب سوريا إلى العاصمة طرابلس عبر تركيا.
وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان هؤلاء المقاتلون السوريون في الأصل أعضاء في مجموعات إرهابية مدرجة في قائمة العقوبات السورية.
وأضاف التقرير أن داعش ما زالت قادرة على البقاء، بينما كانت القاعدة تترسخ في المجتمعات المحلية وفي الصراعات.
من ناحيتها كشفت مؤسسة مؤسسة "سلفيوم" للدراسات والأبحاث عن احتمالية تنفيذ تنظيم القاعدة عدة عمليات داخل ليبيا، بإستخدام الدعم التركي المقدم لها من السلاح وبعض التسهيلات، وفقا للورقة البحثية.
ورأت المؤسسة في تقريرها أن هناك عدة أسباب لتحرك التنظيم باتجاه ليبيا، أبرزها أن ليبيا تعتبر المنطقة الرخوة والميدان الهش الذي يمكن أن يكون الهدف الأول للأمير الجديد للتنظيم مبارك يزيد المكنى "أبوعبيدة العنابي"، الذي يمكن من خلاله الإعلان عن نفسه، بالنظر إلى وضع منطقة نشاطه وعمله في "بلاد المغرب الإسلامي" وجزء من الساحل والصحراء.
وتابعت أنه توجد تنظيمات ليبية تابعة للقاعدة مثل "أنصار الشريعة" و"الجماعة الليبية المقاتلة" ومجالس شورى بنغازي ودرنة وإجدابيا، والتي نشطت عناصرها مع عملية المليشيات العسكرية المعروفة بـ"بركان الغضب" وتنتشر الآن في مناطق غرب ليبيا يمكنها أن تسهل العمليات اللوجستية والرصد والإمداد المعلوماتي لأي عملية إرهابية يفكر العنابي في القيام بها.
وأشارت مؤسسة "سلفيوم" للدراسات والأبحاث إلى علاقة حكومة أردوغان بتنظيم جبهة النصرة والفصائل السورية والعراقية الأخرى المبايعة لتنظيم القاعدة والنفوذ التركي في غرب ليبيا وعلاقته ببقية التنظيمات الإرهابية، سواء في ليبيا أو الساحل والصحراء، مؤكدة أنه يمكن للعنابي استغلال هذا النفوذ التركي في تمرير معدات وأسلحة وأفراد من وإلى ليبيا.
كما أفاد تقرير أميركي نشر في سبتمبر الماضي بوجود آلاف المرتزقة السوريين الذين أرسلتهم أنقرة إلى الأراضي الليبية للقتال إلى جانب حكومة الوفاق، ما يعزز تقويض الأمن داخل البلاد، ويولد ردة فعل عنيفة من الليبيين.
وأوضح المفتش العام بوزارة الدفاع الأميركية في التقرير الجديد الذي رفعه بناء على معلومات القيادة الأميركية بإفريقيا (أفريكوم)، حجم الأنشطة والتدخلات التركية في ليبيا، موضحا أن أنقرة أرسلت إلى ليبيا ما لا يقل عن 5000 مرتزق سوري.
إلى ذلك، وصفت "أفريكوم"، المرتزقة السوريين الذين يقاتلون مع قوات الوفاق، بأنهم "غير متمرسين وغير متعلمين ودوافعهم وعود براتب كبير".
كما لفتت إلى أن بعض هؤلاء من المتطرفين والمتشددين، وقالت إن الشركة العسكرية التركية الخاصة "سادات" أشرفت على تدريبهم ودفع أجورهم.
وتشير تقارير سابقة إلى أن أعمار المرتزقة الذين يقع تسفيرهم بعد إغرائهم بالجنسية التركية وألفي دولار شهريا، تتراوح بين 17 و30 سنة في عمليات مشابهة تماما لتجارة الحرب التي اعتمدتها أنقرة في سوريا في السنوات الأخيرة.
في ذات الصدد،كشفت مصادر ليبية عن حالة من التذمر في صفوف المقاتلين المرتزقة، الذين توظفهم تركيا منذ أشهر لدعم الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس.
وحسب مصادر عسكرية وإعلامية، فقد تظاهر عشرات المرتزقة السوريين داخل كلية الشرطة في طرابلس، احتجاجا على تأخر رواتبهم.
وأفادت المصادر، وفق فيديو مسرب من معسكر الكلية، بأن "أزمة مالية" وراء غضب المرتزقة السوريين الذين تأخرت رواتبهم 5 أشهر.
وأوضحت المصادر، أن مستحقات المرتزقة المتأخرة بلغت حوالي 10 آلاف دولار للفرد الواحد منهم.
وتتصاعد الاصوات والدعوات المطالبة باخراج المرتزقة من الأراضي الليبية نظرا لخطورتهم على جهود السلام في البلاد.ورغم ذلك تواصل أنقرة إرسال المرتزقة والأسلحة إلى ليبيا، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة المجتمع الدولي، على ردع أنقرة وإلزامها بانهاء تدخلاتها المتواصلة التي تسعى من خلالها الى تأجيج الصراع في البلاد استمرارا لمخططاتها لنهب الثروات الليبية ومد أذرعها في المنطقة عموما.
إلى ذلك،طالبت الولايات المتحدة مع حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، في بيان أول أمس، بمواصلة دعم وقف إطلاق النار في ليبيا، وضرورة إخراج المرتزقة من البلاد، واستعادة الاحترام الكامل لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وإنهاء الأسلحة الأجنبية السامة، ووقف التدخل الذي يقوض تطلعات جميع الليبيين لاستعادة سيادتهم، واختيار مستقبلهم سلميا من خلال الانتخابات الوطنية.
وقال البيان الذي رحبت فيه الولايات المتحدة بمخرجات مواد الحوار السياسي الليبي إنه "من الأهمية بمكان أن تدعم جميع الجهات الفاعلة الليبية والدولية الخطوات نحو التنفيذ الكامل لاتفاقية وقف إطلاق النار الليبية، بما في ذلك الفتح الفوري للطريق الساحلي، وإبعاد جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب".
وأكد البيان أن أميركا والدول المشاركة معها في البيان، ستقدم الدعم الكامل لتنفيذ هذه الخطوة الاستثنائية، وتشجع كافة الأطراف الليبية على التصرف بشكل عاجل وبحسن نية للانتهاء من تبني حكومة موحدة وشاملة، كمشاركين في عملية مؤتمر برلين وشركاء دوليين لليبيا.
ومع تأزم الأوضاع في ليبيا تستعيد الجماعات الإرهابية أنفاسها، مع حالة الفوضى، التي تمنحها هامشا لإعادة بعث نشاطها، وتهديد أمن واستقرار ليبيا، ما يحتم التعجيل في حلحلة الأزمة الليبية، وتفكيك ألغام الحرب، لقطع دابر التنظيمات الارهابية، التي لا تعيش إلا في مناخ الأزمات والحروب.