محمد الهاشمي الحامدي إسم أسال الكثير من من الحبر في تونس ما بعد سقوط نظام بن علي بحكم أن أغلبية التونسيين لم يسمعوا بهذا الإسم قبل ذلك التاريخ نظرا لأن الحديث في السياسة وخصوصا إذا تعلق الأمر بالتيارات الإخوانية كان من الطابوهات والممنوعات في البلاد، تقية حينا وتجنبا للملاحقة والشبهات و عزوفا عن الخوض في مطبات الشأن السياسي الذي قد يكلف أصحابه أحيانا.

هذا الواقع الذي اختاره التونسيون طوعا أو قسرا في عهد الرئيس السابق كسرت جميع خطوطه الحمر بعد الانتفاضة الشعبية آواخر 2010 وبداية 2011 حيث أمكن حينها الحديث في السياسة وعاد مهجرو النظام البورقيبي والنوفمبري من منافيهم وتكلم معارضو الداخل كما لم يتكلموا من قبل بإستثناء قلة قليلة كانت دائما في الصفوف الأمامية في نسق الاحتجاجات ضد النظام وفضح ممارساته القمعية.

ولعل مناخ الحرية بعد سقوط بن علي فسح المجال لقيادات مهجرية بالنزول بكل ثقلها لتكوين أحزاب وإحياء أخرى ونفض الغبار على نشاطها كحركة النهضة وحزب المؤتمر..وبين هذا وذاك برز إسم الهاشمي الحامدي السياسي والإعلامي التونسي ذي الجذور  الإخوانية المقيم بلندن الذي أسس حزب " العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية" بعيد أشهر قليلة من سقوط النظام  حيث تحيل تسمية 
الحزب الوليد  على رهانات صاحبه في مغازلة الطبقات الشعبية الضعيفة وهي مغازلة غير مضمونة النتائج فقد تخطئ أو تصيب هدفها السياسي وهو السلطة حلم الحامدي  الذي لا يلين،  ليطلق الهاشمي وعوده البراقة بالصحة المجانية ( مع العلم أن مجانية الصحة والتعليم مضمونة في تونس منذ دولة الاستقلال ) وبضخ 2 مليار في خزينة الدولة وتوفير منح مادية لنصف مليون معطل  عن العمل. كما  تم انتخابه لمنصب الأمين العام ل "حزب المحافظين التقدميين" بتاريخ 4 فيفري 2012.

في الأثناء جند الهاشمي قناته التلفزية "المستقلة" التي مثلت بوق ترويج و دعاية لحملته الإنتخابية في انتخابات 2011  حيث فاز ت العريضة الشعبية بمقاعد هامة في المجلس التأسيسي  ومثلت مفاجأة للتونسيين  أثير  حولها  الكثير من الجدل حول وجود مال سياسي تم ضخه  في حسابات أنصاره بالمناطق الداخلية خصوصا بمسقط رأسه سيدي بوزيد أين  ولد بتاريخ  28 مارس 1964 وأين يحظى الهاشمي الحامدي بشعبية معتبرة هناك.

شخصية الهاشمي الحامدي أو الهاشمي "سكايب" وهي التسمية التي يتندر بها التونسيون من النخب والعامة نظرا لأن هذا الأخير يعتمد على هذه التقنية للتواصل مع أنصاره ومريديه في تونس وكذلك مع نواب حزبه في المجلس التأسيسي  هي شخصية مثيرة للغرابة في تونس إذ  يعتبرها البعض منبتة في  المشهد السياسي العام بالبلاد على خلفية تذبذب مواقف صاحبها واعتماده على أسلوب بدوي مفرط في البداوة إلى حد السماجة خاصة لدى الطبقة المثقفة والبرجوازية المسكونة برقي المثقف وبترف وتعالي الأعيان. في المقابل يراه البعض الآخر تفصيلة من تفصيلات المواطن التونسي الريفي  البسيط القادم من أعماق الجهات المهمشة وتعبيرة  تغني وتسمن من جوع أهلها الطامحين إلى القفز حذو الشمس والتخلص من مركزية العاصمة وجهة الساحل حيث يتوراث مواطنوها السلطة والنفوذ والشمس كذلك  جيلا بعد جيل. آخرون وخلافا لهذا الشق أو ذاك  يتوجسون ريبة من جذور الهاشمي  الإخوانية الممتدة في التاريخ على خلفية إنتمائه  إلى حركة النهضة الإسلامية أو ما يسمى بـ " الاتجاه الإسلامي" سابقا والتي كان رئيسا لفصيلها الطلابي  في الجامعة كما عمل عضوا في مكتبها السياسي ثم إنشق عنها بعد خلاف مع رئيسها راشد الغنوشي ليغادر على إثرها البلاد ذات ربيع 1986 عبر الجزائر في اتجاه بريطانيا حيث استقر بها سنة  1987 ليعلن سنة 1992 استقالته من  الحركة وهو ما طرح ومازال تشكيكات كبرى حول مدى تجرده من الإنتماء الإسلامي وحول صدقية استقلاليته.

الهاشمي الحامدي  الذي يشي مظهره  الخارجي وسمرته بانتمائه  إلى أعماق تونس المفقرة تحدى ظروفه الإجتماعية  بالنجاح في مراحل الدراسة  ليحصل على الإجازة  في اللغة العربية  من الجامعة التونسية سنة 1985 فشهادة الماجستير من جامعة لندن سنة 1990 ثم شهادة الدكتوراه في الفلسفة إختصاص الدراسات الإسلامية المعاصرة عام 1996. لكن مع ذلك لم تشفع له شهائده العلمية بأن يحسب على مثقفي تونس ونخبها نظرا لتغيبه إن خيارا  أو اضطرارا عن كل المحطات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي عاشتها البلاد وبالتالي أسقط تصنيفه من خانة نضالات النخبة.

  كما لم تفلح قناتاه الفضائيتين "المستقلة" و "قناة الديمقراطية" اللتان تبثان من لندن في إعلاء مرتبته الفكرية لدى التونسيين الذين أصروا حتى بعد اكتشافه إثر سقوط نظام بن علي على وضعه في طبق "العامة" والفئات الشعبية البعيدة عن كل ترف ثقافي أو إيديولوجي. والحقيقة أن الحامدي ساهم في تكريس هذه الصورة السلبية نوعا ما لشخصه في أذهان التونسيين بتوخيه لخطاب إيديولوجي وسياسي اتسم بالشعبوية التي تصر على البقاء في القاع حد السماجة حيث تصبح البساطة والتواضع انزياحا نحو الأسفل السياسي والفكري وهذا يتمظهر في نفور التونسيين من لهجة الهاشمي الحامدي البدوية أكثر من اللزوم حتى رآها البعض تصنعا وتكلفا و كذلك في اعتبار برامجه السياسية الموجهة للطبقات الاجتماعية الضعيفة نوعا من الضحك على الذقون ومن النفاق السياسي لا سيما وأن الرجل يعيش الترف في بلد إقامته، فكيف له أن يشعر بآلام  المفقرين وكيف له أن يحقق تطلعاتهم؟ يتساءل تونسيون.

الهاشمي رجل الأعمال الذي يعتبر من أثرياء تونس والمتزوج من جزائرية أنجب منها أربعة  أبناء أعلن في 27 أفريل 2013 عن حل حزب "العريضة" ليؤسس في 22 ماي 2013 "تيار المحبة" الذي يثير تفكه التونسيين رغم رسالته التي تحمل معان نبيلة، إذ يتساءل التونسيون عن محل إعراب الحب أو المحبة من السياسة كعلم أو سلوك  أو عالم مبني على فن الكذب و نسبية الوازع الأخلاقي ككل حسب أغلب منظري العلوم السياسية؟.  إلا أن تيار محبة الهاشمي الحامدي الذي ربما أراد زرعه في فكر ووجدان المواطن التونسي فشل في إيصال سعرات أو شيفرات الحرارة التصويتية والانتخابية إلى صناديق الإقتراع في انتخابات 26 أكتوبر 2014 إذ مني الحزب بهزيمة ساحقة ومدوية على غرار أحزاب أخرى تصدرت المشهد السياسي التونسي في السنوات الأخيرة كأحزاب المؤتمر والتكتل والجمهوري مقابل صعود أسهم  أخرى على غرار الجبهة الشعبية وآفاق تونس والوطني الحر وهو ما دعا بمقيم لندن إلى الإعلان عن انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية بتاريخ 27 أكتوبر 2014 ليعدل بعد ذلك عن قراره ويعلن اعتزامه العودة إلى تونس حيث حل بها يوم 1 نوفمبر الجاري حيث كان في استقباله حشد من أنصاره.

الحامدي الكاتب والإعلامي وباعث " القناتين" لم يشفع له هذا الإنتماء إلى مصاف الإعلام والإعلاميين في معاداة القطاع والتهجم على منتسبيه في أكثر من مناسبة حيث شارك  أعضاء من حزبه في ما يسمى ب" اعتصام إعلام العار"  أمام مقر التلفزة  الوطنية الذي نظمته أطراف قريبة من حزبي النهضة والمؤتمر بهدف تطهير الإعلام إلى حد المطالبة ببيع التلفزة الوطنية إلى الخواص. إضافة إلى ذلك صرح الحامدي بأن غلق مؤسسة التلفزة الوطنية هو أول قرار سيتخذه في حال فوزه بالرئاسة متهما القناة الوطنية والإعلام التونسي عموما بإقصاء حزبه وتغييبه من المشهدالسياسي بالبلاد حسب تعبيره مما خلق استياء كبيرا لدى أصحاب المهنة الإعلامية وطفت إلى السطح أحاسيس متبادلة بالفتور حد التنازع بين الإعلام والهاشمي الإعلامي أو المحسوب على الإعلام.

رغبة رئيس تيار المحبة حاليا والعريضة الشعبية سابقا في الترشح لرئاسة تونس فسرها البعض بشعور دفين من الحامدي في تبوأ المنصب انتقاما من بورقيبة وبن علي على خلفية سنوات الاضطهاد التي عاشها شأنه شأن جميع الإسلاميين حسب تعبيرهم لا سيما وان الهاشمي كان أول من أعلن رغبته في الرئاسة بعد سقوط نظام بن علي مباشرة كما أنه أول من قام بالتسجيل في السباق الرئاسي في 2014
وهو ما فهم بتلهف كبير من جانبه على بلوغ منصب الرئيس بأي ثمن رغم أنه سبق وأن صرح أنه لايهتم بنجاحاته الانتخابية بقدر اهتمامه بنجاح تونس وفق كلامه.

الطريق نحو قصر قرطاج يبدو أنها محفوفة بالمخاطر ولن تكون سهلة كما يتصورها الهاشمي الحامدي نظرا لوجود منافسين له من الوزن الثقيل ومن الذين لهم باع وذراع في تسيير دواليب الدولة  كالباجي قايد السبسي وكمال مرجان ومصطفى كمال النابلي ومنذر الزنايدي أو الذين لهم باع وذراع في سنوات النضال والمقاومة على غرار حمة الهمامي. ومن هذا المنطلق  يبدو أن حلم الهاشمي في اعتلاء سدة قرطاج غير واقعي رغم أنه مشروع وفق متابعين.

حجر عثرة آخر يقف في طريق نجاح الهاشمي الحامدي معتنق "اليمين الشعبي"  في الانتخابات الرئاسية التونسية هو جذوره الإسلامية المحافظة التي تثير خوف التونسيين على دولتهم المدنية والحديثة لا سيما بعد أن خبروا حكم الإسلاميين ورأوا بأم أعينهم ما حدث خلال فترة حكمهم من أحداث دامية نتيجة الإرهاب وفشل غير مسبوق في تسيير شؤون الدولة وتهديدهم المباشر للمكاسب والقيم البورقيبية وأهمها كيان الدولة الحديثة ومكاسب المرأة وقيم الجمهورية ولأجل هذه الأسباب من الصعب أن يلدغ التونسيون من الجحر مرتين ويعيدون التصويت لأحزاب أو شخصيات قريبة من الإسلاميين ولو بالتاريخ البعيد لا القريب.

إشكال آخر يعيق أحلام الهاشمي الحامدي الرئاسية وهو ورود إسمه في تقرير عن الفساد مكون من 354 صفحة سنة 2011 وهو ما أخر عودته الى تونس وقتها إضافة إلى تضمن التقرير المذكور لرسالة كتبها لبن علي حتى أن بعض الأطراف أكدت أن الحامدي التقى ببن علي بصفة سرية  عدة مرات عندما كان في الحكم. وبغض النظر عن صحة هذه الاتهامات من  عدمها فإن المسألة أثارت امتعاض التونسيين آنذاك حتى أن أغلبهم  ظل يتساءل عن الأسباب الحقيقية التي أخرت عودة رئيس تيار المحبة إلى وطنه حتى بداية نوفمبر 2014 حيث ربط البعض بوعي أو بدون بين هذه الاتهامات ودواعي تأجيل هذه العودة التي يراها البعض الآخر تدخل صلب مشاورات أجراها الحامدي  مع حركة النهضة بعد هزيمتها في الانتخابات التشريعية بهدف دعمه كرئيس توافقي يعمل على تمرير أجنداتها والحد من هيمنة حركة نداء تونس ورئيسها قايد السبسي على المشهد السياسي المقبل في تونس لا سيما وأن بين الهاشمي الحامدي وحركة النهضة "عشرة" وانتماء سابق ،وقديما قال أحد فطاحلة الشعر العربي أبو تمام :" نقل قلبك حيثما شئت من الهوى...ما الحب إلا للحبيب الأول".

في السياسة  تبقى كل الإمكانيات جائزة فقد يصنع رئيس تيار المحبة المفاجأة بالتعويل على أنصاره بمسقط رأسه وبالجهات الداخلية عموما أو بالتعويل على دعم النهضة  و على المساعدات الاجتماعية التي قد يقدمها لمريديه في هذه المناطق و بالتعويل كذلك على مدى تفعيل  بنود وتعهدات برنامجه الانتخابي على أرض الواقع.