لعل الحرب الشرسة التي خاضتها القوات العسكرية المتحالفة من دول الجوار النيجيري ضد بوكو حرام، بدأت تظهر تبعاتها شيئا فشيئا في دولة أخرى هي النيجر. حيث أن مظاهر التدين السلفي بدأت تبرز في عدة مناطق ربما تمهيدا لظهور قوي جديد لبوكو حرام في مكان ثان.

يتذكر النيجريون يومي 16 و17 يناير 2015 حين خرج الكثيرون منهم في مظاهرات مضادة لنشر صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية لرسوم ساخرة من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وقتها، و لأول مرة في تاريخ النيجر ظهر بعد اسلامي صريح للحراك الشعبي، بل أنها المرة الأولى التي تتمخض فيها مسيرات في النيجر عن عمليات عنف تسببت في احراق بعض الكنائس في العاصمة نيامي كما طورد بعض المسيحيين.

إن هذه المؤشرات وأخرى تدل على أن التطرف يربح المساحات على حساب الإسلام الأهلي المعروف والمنتشر في افريقيا لقرون. كما ظهرت خلال هذه المظاهرات والتجمعات الشعبية شعارات مضادة للرئيس ايسوفو وهو ما لا يظهر الا نادرا لدى المعارضة السياسية المعروفة في النيجر.

بوكو حرام لا تبدو إلى حد الآن في الصورة، ولكن رائحتها وتحركاته لها آثر في الواقع. فمن الناحية الاستراتيجية طالما بحث قياديو التنظيم الارهابي عن وضع قدم في النيجر وخاصة في منطقة ديفا، ولا نتصورهم يفكرون في ذلك قبل تهيئة الأرض التي يتقدمون فيها وذلك باستمالة السكان وترغيبهم في المذهب الذي يبناه المتطرفون بإغراءات المال والوعود الأخروية.

ويستغل بوكو حرام هنا الكثير من ثغرات الحياة السياسية في النيجر، فالمعارضة لا تعرف أي مقدار من الثقة الشعبية، والحكومة وأهم المؤسسات منفصلة عن حاجات الشعب الذي لفظ الحياة السياسية منذ عقود ولا يرى السياسيين الا فاسدين وقليلي الكفاءة. وهذه كلها نقاط تستغلها بوكو حرام لكي تجعل من فئات كثيرة حلفاء أو أنصار موضوعيين لها في تحركاتها. علاوة على قدرتها على استغلال الظروف التي يجد فيها المواطنون أنفسهم من بطالة وفقر وانتشار للجريمة.

صحيح أن النيجر تخوض حربا اليوم على حدودها مع بوكو حرام، ولكنها لا يمكنها أن تغفل أن بوكو حرام ليست جيشا نظاميا وانما عدد من المقاتلين الذين يمكنهم التسرب من مكان إلى آخر وأن يستبدلوا اثوابهم بأخرى، وها أنهم على ما يبدو اليوم في النيجر مرتدون للباس الدعوي إلى أن يبدأ فصل جديد من الحرب.

*جريدة لومند – ترجمة شوقي بن حسن