أعلنت حركة النهضة الإسلامية في قرارها النهائي بخصوص الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التونسية أنها ستقف على الحياد ولن تدعم أي مترشّح مع أن قواعدها تساند الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي الذي يسعى جاهدا لاستمالة أنصار التيار الإسلامي بشتى الطرق والوسائل. وتسبّب موقف الحركة في انشقاقات واسعة بين القيادات التاريخية التي تصادمت مع راشد الغنوشي المتهم بالانفراد بالقرارات.

جدد مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية التونسية برئاسة راشد الغنوشي التأكيد على موقفه السابق تجاه الاستحقاق الرئاسي الذي سيجمع في دورته الثانية يوم الأحد المُقبل بين المُرشحين الرئيس المؤقت المنتهية ولايته منصف المرزوقي، ورئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي.

وأوضح فتحي العيادي رئيس مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية في بيان وزعه فجر أمس الأحد، أن المجلس قرر في دورته الـ33 أنه "ليس لحركة النهضة مُرشح، وأنها تُفوض أنصارها وناخبيها أن يختاروا من يرونه الأصلح لرئاسة تونس".

وخلا هذا الموقف الذي يأتي قبل أسبوع واحد من الدورة الثانية للاستحقاق الرئاسي، من توصيف للمرشح الذي يتعين دعمه، وذلك خلافا للموقف الأول تجاه الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الذي تضمن دعوة إلى انتخاب المرشّح الذي يرونه مناسبا “لإنجاح التجربة الديمقراطية وتحقيق أهداف الثورة في الحرية والديمقراطية والعدالة”، وهو توصيف فُهم على أنه يدعم المرزوقي.

ويُنظر إلى هذا الموقف الذي كان مُنتظرا على أنه عبارة عن مناورة الربع ساعة الأخير قبل انشطار هذه الحركة التي عصفت بها خلال الأيام القليلة الماضية خلافات حادة تسببت في تصدع صفوفها، وأدخلتها في مأزق تنظيمي متشعب إثر انسلاخ أمينها العام السابق حمادي الجبالي، وما رافقه من تهديدات مُبطنة بالانشقاق صدرت عن القياديين الصادق شورو، والحبيب اللوز.

وبحسب مصادر سياسية، فإن حركة النهضة الإسلامية المحسوبة على جماعة الإخوان، تكون بهذا الموقف قد أبقت على الضباب الذي أحاطت به موقفها من الاستحقاق الرئاسي، وهي بذلك تكون قد استبدلت حيادها المُقنع الذي أعلنته في الدورة الأولى، بحياد مغشوش خلال الدورة الثانية.

واعتبرت أن حركة النهضة الإسلامية أرادت بهذا الموقف المُخادع المُحافظة على التوازنات الداخلية بين أجنحتها المتصارعة، علها بذلك تسد الشقوق التي بدأت تتسع في صفوفها بعد التصدع الذي أصابها.

ولفتت إلى أن اجتماع ليلة السبت – الأحد لمجلس شورى هذه الحركة اتسم بتوتر في النقاش عكس انقساما واضحا دفع الغنوشي إلى التدخل بعبارات وُصفت بـ”العنيفة”، حيث أبلغ المشاركين في الاجتماع المذكور أنه “رئيس الحركة وبحكم نصوص التنظيم الداخلي يحق له اتخاذ الموقف المناسب، ومن يُخالف ذلك عليه الدعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي للحركة والمطالبة بعزله”.

ولم يُفلح الغنوشي في فرض موقفه خلال هذا الاجتماع، فاختار البقاء في المربع الرمادي على وقع تزايد الإملاءات الخارجية وخاصة منها القطرية، وإكراهات دولية أخرى لم يعد بإمكانه تجاوزها بعد أن ارتهن هو وحركته بالكامل إلى أجندات خارجية مازالت تُراهن على المرزوقي لاستكمال مشاريعها المشبوهة.

وكشفت في هذا السياق، أن موقف الغنوشي الذي فشل في تمريره خلال الاجتماع الـ33 لمجلس شورى حركته تبلور في أعقاب اجتماعه يوم الخميس الماضي مع سفير أميركا لدى تونس جاكوب والس الذي جاء بعد يوم واحد من مشاورات مُكثفة أجراها وفد محسوب على الجناح المُتشدد في حركة النهضة الإسلامية مع موظفي سفارة قطر بتونس. وعلمت “العرب” أن الدبلوماسي الأميركي أبلغ الغنوشي خلال هذا الاجتماع أن بلاده “تأمل في نجاح مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وتحرص على تكريس التوافق”، وما فُهم من ذلك رغبة أميركية في الابتعاد عن المرزوقي الذي أصبح يُشكل خطرا على التوافق والوحدة الوطنيين في البلاد.

ويبدو أن هذا الموقف الأميركي يأتي ردا على مشاورات أجراها وفد من صقور حركة النهضة الإسلامية مع عدد من كبار موظفي سفارة قطر بتونس، أكدوا استمرار المُراهنة على المرزوقي، ودعمه خلال الدور الثاني من الاستحقاق الرئاسي.

وربط مراقبون انسلاخ الأمين العام السابق لحركة النهضة حمادي الجبالي، وبيانات التهديد بالانشقاق الصادرة عن الصادق شورو والحبيب اللوز على خلفية الموقف من دعم المرزوقي بالاجتماع مع موظفي السفارة القطرية، الأمر الذي دفع الغنوشي إلى اختيار المربع الرمادي في مناورة أصبحت مكشوفة للجميع.

*نقلا عن العرب اللندنية