عندما قبلت حركة النهضة الخروج من الحكم وقدم علي العريض استقالته وفريقه الحكومي، بعد ضغوطات من الشارع والمجتمع المدني والأحزاب ، اهتز جزء مهم من التونسيين وكل الأحزاب المعارضة فرحا  بهذا الحدث، وأغلبهم لا يدرك انه قدم أفضل خدمة للحركة الاسلامية، اذ أنقذها من الخروج بالقوة في وقت تراجعت شعبيتها الى أدنى المستويات، وأرتفعت الأصوات المصرة على رحيلها بعد اغتيال محمد البراهمي اثر خمسة أشهر من اغتيال شكري بالعيد وبعد أن تعددت الأزمة العامة في البلاد وتأبدت ٠

راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، وحكيمها الذي أنقذها اكثر من مرة بتقديمها لتنازلات في الوقت المناسب، لا يخفي الطرح القائل أن النهضة استفادت من خروجها من الحكم لأن بقاءها في السلطة كان سيعرضها لمزيد من الانتقادات ما سيفقدها كل فرصة للفوز بالانتخابات البرلمانية القادمة ، التي ستمنح الفائز بها فرصة تشكيل الحكومة القادمة ، التي ستقود التونسيين للسنوات الخمس القادمة٠

هذاالرأي يتمسك به محمد عبو أمين عام التيار الديمقراطي ، الوزير السابق في حكومة حمادي الجبالي ، والقيادي السابق في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية شريك النهضة في الحكم ، والذي صرح به في عديد المناسبات عندما كانت النهضة تستعد للخروج من الحكم ٠ 

هذا الخروج من الحكم وظفته حركة النهضة الاسلامية لتسويق صورة مضيئة لها لدى الرأي العام الدولي يؤكد انها تختلف عن بقيةالاحزاب  الاسلامية التي وصلت الى الحكم في بلدان الربيع العربي، وخاصة اخوان مصر، فهي قبلت الخروج من الحكم،  رغم انها تتمتع بشرعية انتخابية،مثل قبولها بدولة مدنية وبدستور وفاقي لا يستمد مبادئه من الشريعة الاسلامية، وهو ما كلفها غضب شق هام من أنصارها وحتى قياداتها وتهديد بعضهم بالاستقالة ٠

ترتيب البيت

وقبل خروجها من الحكم ، وعندما كان تفاوض الأحزاب المعارضة عبر الرباعي الراعي للحوار الوطني حول تسليمها الحكم لحكومة مستقلة، دعت هياكلها المكلفة بإعداد الانتخابات القادمة الى اجتماع بمدينة الحمامات لتدارس خطة واستراتيجية مشاركتها في الانتخابات وضبط آليات فوزها بها والاعتماد على المساجد وعلى الادارة والمساعدات الاجتماعية لاستقطاب الناخبين٠

والاكيد أن النهضة ، وبعد تخلصها من أعباء الحكم، استرجعت أكثر من عشرة من قياداتها التاريخيين سيتفرغون للعمل الحزبي وسيدعمون الحركة بما اكتسبوه من خبرة في إدارة الشأن العام ، وهو ما كان يعوزهم سابقا، وخاصة الاستفادة من تأثيرهم على شخصيات في الادارة وفي مختلف الهياكل الجهوية لمساعدة الحركة في الاستحقاق الانتخابي القادم ، وتحديدا البرلمانية ، في ظل ما تردده القيادات بأن النهضة غير مهتمة بالرئاسية وأنها ليس لها مرشح الى حد الان ، وهو موقف يلتقي ما يتردد في الساحة السياسية من وجود اتفاق بين الحزب الاسلامي والحزب ذي المرجعية الدستورية نداء تونس يقضي بوصول الباجي قائد السبسي الى قصر قرطاج، وهو حديث يؤكده تصويت النهضة على ازاحة سقف العمر الخاص برئيس الجمهورية ، والذي كان محددا بخمس وسبعين سنة ، وهو ما اعتبره الكثيرون بندا على مقاس نداء تونس وزعيمها السبسي ٠

ثقة في الفوز

قياديو النهضة لا يخفون في كل تصريحاتهم ثقتهم في الفوز مجددا،مثلما كان الأمر عقب انتخابات23 أكتوبر 2011 ، خاصة وأن استطلاعات تضعهم وحزب نداء تونس في طليعة الأحزاب التي ستفوز بالانتخابات القادمة، وهو أمر كان جليا في حديثهم عن التحالفات الممكنة بعد الانتخابات القادمة، لقناعة لديهم أن الحركة لا يجب أن تحكم بمفردها مهما كانت نسبة الأصوات التي ستحصل عليها ، وهو ما تجلى أيضاً في تمسك نوابها في التأسيسي عند مناقشة بنود الدستور بتغليب سلطة رئيس الحكومة على رئيس الجمهورية

النهضة أعدت كل شيء لتعود الى الحكم بعد الانتخابات القادمة لكن حسابات البيدر لا تكون دوما متطابقة مع حسابات الحقل، ولا أحد يمكن له الحلم بالسلطة قبل فرز الأصوات ، لأن الانتخابات تربح بالبرامج وبثقة الناخبين وليس بالتمني